دلع المفتي
لو خيروني أن أسكن مدينة «عدا عن الكويت» لحزمت أمتعتي ورحلت إلى أبو ظبي من دون نقاش. فأبو ظبي مدينة جميلة، راقية، منظمة، متطورة، والأهم أنها مدينة مثقفة تضم في جنباتها العشرات من المتاحف والمعارض، وتقيم المهرجانات الفنية والموسيقية، ناهيك عن تكريم صناع الثقافة والفكر والأدب عبر جائزة الشيخ زايد للكتاب.
أبو ظبي تختلف كثيرا عن بعض المدن الأخرى التي تشعر فيها وكأنك في قاعة ترانزيت في مطار عالمي، فهي مدينة حميمة، يسكنها أهلها وليس أغراب يجعلونك تشعر كأنك الغريب في بيتك. لذا، عندما وصلتني دعوة لزيارتها، فرحت بداية، ثم كدت أعتذر عندما علمت أن الدعوة لحضور برنامج شاعر المليون. أنا لست شاعرة ولا ناقدة أدبية، وإن وضعت اصبعي في بحر من بحور الشعر، غرقت ولم أجد من ينتشلني، لكن عندما أكد لي الداعون أن الدعوة للحضور وليس للتحكيم، حزمت حقائبي وتوكلت على الله.
شاعر المليون برنامج تلفزيوني تنافسي راق، خلافا لمعظم برامج المسابقات التي تدلقها علينا القنوات الفضائية، ففي هذا البرنامج، التنافس الوحيد هو للكلمة، وليس للفستان ولا للمجوهرات ولا للدلع الفارغ. البرنامج متخصص في الشعر النبطي، إذ يتسابق به شعراء من كل الدول العربية، في تقديم قصائد حول موضوع معين، وكان حظي «سعيداً»، إذ كان موضوع الحلقة التي حضرتها حول «السعادة».
أكثر ما أفرحني في الحلقة التي حضرتها كان وجود شاعرة إماراتية تجرأت واقتحمت مجالا يكاد يكون حكرا على الرجال، فألقت زينب البلوشي قصيدة جميلة بعنوان «نون الفعايل»، التي تخفي من وراء كلماتها حضور الأنثى من خلال نون النسوة. لكن ما شد انتباهي هو قصيدة الشاعر العماني منذر الفطيسي، الذي تحدث عن الإرهاب الذي يمارسه البعض بحجة الجهاد، وعراه من خلال قصيدة «ارهابي الذمّه»، والتي قال فيها:
تدحْرج الحزْن في خدّ أمَّك بْدمع حار وأبوك مكسور عزمه عارك يْهد حيل
من قال لك شهقة الأيتام نبْض انتصار من لقّنك وأنت ف القرآن ما لك دليل
من وظّفك ترسم الإسلام لوحة دمار من ربّك إن كان دم بن عمّك أشفى الغليل
تطرقت القصائد الملقاة إلى مواضيع مختلفة وإن كان للمديح النصيب الأكبر، وهذا ما استوقفني. أدرك تماما أن المديح من أساسيات الشعر العربي، فشعراء العرب نظموا القصائد في غرض المديح منذ فجر التاريخ، أشهرهم النابغة الذبياني وأبو الطيب المتنبي، لكني وددت لو ابتعد شعراؤنا الشباب عن تلك اللازمة وحولوا شعرهم لقضايا وهموم مجتمعاتنا، وما اكثرها.
أعرف أن معظم قصائد مديح الحكام التي يتغنى بها الشعراء الخليجيون، تخرج منهم حبا حقيقيا وليس رعبا أو تزلفا، خصوصا ممن أنعم الله عليهم بحكام همهم خير شعوبهم، لكني على يقين أن حتى أولئك الحكام يفضلون لو كانت قصائد الشعراء في حب أوطانهم والحث على التعايش والسلام والمحبة، بعيدا عن الأشخاص. فكلنا راحلون والأوطان هي الباقية.
“القبس”
قم بكتابة اول تعليق