حامد الحمود: ما بين رياض الأطفال واللغة العربية

في خضم طغيان الخبر السياسي الذي تتصدره أخبار التصويت والمقاطعة ونتائجهما الانتخابية. وترقبا لتشكيل الحكومة الجديدة ومن ثم الاعلان عنها. نشرت «الجريدة» بتاريخ 2012/12/7 في صفحة داخلية خبرا تحت عنوان «ألف معلمة رياض أطفال فائضة والتربية توقف تعيين خريجات التخصص». هذا وان بدا أن الخبر غير سياسي، الا أنه لا يمكن الادعاء من أن هذه الزيادة غير المرغوبة في مدرسات رياض الأطفال لم تكن نتائج سياسات خاطئة. هذا ويضيف الخبر المنشور أنه نتيجة لهذه الزيادة غير المرغوبة لمدرسات الروضة «لجأت الوزارة الى حلول ترقيعية كعادتها بوضع 3 معلمات في فصل من فصول الرياض». وان الوزارة «طلبت من كليات اعداد المعلمين في الجامعة والتطبيقي تقليص أعداد المقبولين لهذا التخصص لعدم قدرتها على استيعاب الخريجات للأعوام المقبلة». ومن الطبيعي أن نتساءل: لماذا حصل هذا؟ ولماذا لم تكتشف الوزارة أو الجامعة أو كلاهما هذه الزيادة قبل حدوثها لكي لا تضطر الوزارة الى تطبيق حلول ترقيعية. ولابد أن يذكرنا هذا بأخبار مقابلة أو بالأحرى معاكسة نشرت في نوفمبر من عام 2011 حول النقص الحاد بين المعلمين والمعلمات الكويتيين والكويتيات، كشف أن لدينا معلمين اثنين في مادة الفيزياء، 10 في الكيمياء، 15 في كل من اللغة العربية والرياضيات والانكليزي. هذا وان كان لا يمكن تحويل معلمة روضة الى معلمة فيزياء أو رياضيات، فلا بد من الاقرار بأن هناك خللا في السياسات بنظام الحوافز أدى في النهاية الى توجيه ميول الطالبات للالتحاق بكلية التربية ليتأهلن معلمات رياض ويتجنبن التأهل ليكونن معلمات لغة عربية مثلا، لكي لا نقول معلمات فيزياء.

هذا وقد صدف أنه كنت منذ أسابيع في حديث مع أستاذ جامعي، نبهني الى هذه الظاهرة المتمثلة بالاقبال الكبير لخريجات الثانوية للالتحاق بكلية التربية – شعبة رياض الأطفال. وما كشف لي هذا الأستاذ من أسباب، يكشف أن هناك تدهوراً في قيم العمل في المجتمع الكويتي، اضافة الى غياب الحوافز لتحويل الميول في وقت مبكر من تخصص رياض الأطفال الى اللغة العربية أو الفيزياء أو الرياضيات. فمن الناحية الأولى المتعلقة بانهيار قيم العمل، وضح لي أن الاقبال على تخصص رياض الأطفال يرجع الى أن معلمة رياض الأطفال لا تداوم أكثر من أربع ساعات في اليوم. كما أنه في شهور البرد في الكويت أي في ديسمبر ويناير وفبراير يتزايد غياب الأطفال، مما يسمح لكثير من المعلمات الغياب عن العمل خلال هذه الشهور.

أما من ناحية غياب الحوافز، فقد أبلغني هذا الأستاذ أن الفارق بين راتب معلمة الروضة وراتب معلمة اللغة العربية أو الفيزياء في الثانوية يقل كثيرا عن %10 من اجمالي الراتب، مما لا يشجع على تكوين ميول في وقت مبكر لدى المتقدم للالتحاق بجامعة الكويت ليختار اللغة العربية أو الفيزياء أو الانكليزية تخصصا. ومن دون حوافز تقابل الجهد المطلوب لا يمكن التأثير في الميول في الوقت المناسب. فالفرد ان كان طفلا أو عاملا أو موظفا يحتاج الى حوافز ايجابية لتشكيل ميوله دافعة اياه على المثابرة والانجاز. ويحتاج كذلك الى معززات سلبية تذكره بعاقبة تلكؤه في الأداء ان كان طفلا أو يافعا أو موظفا. وان كان الحديث عن التخطيط يصبح ضرورة عند الحديث عن مخرجات العمل وعلاقته بسوق العمل، فان نظام الحوافز أكثر كفاءة على تشكيل قيم العمل وتكوين الميول في سن مبكرة. فلابد من مراجعة جدية لسلم الرواتب لتوجيه الطلاب والطالبات للاقبال على دراسة ما يتطلبه سوق العمل. ان مقولة «هذه الكويت فيها اللي نبي» هي التي توجه الطالبة لكي تكون معلمة رياض أطفال. ولكي نستشعر ما تحتاجه الكويت لكي تتحول هذه الميول الى اللغة العربية أو الفيزياء أو الرياضيات لا بد من نظام حوافز لتتحول المقولة الى «هذا ما تبيه الكويت».

د. حامد الحمود

Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.