ناصر العبدلي: مراجعة ذاتية

التغييرات الأخيرة داخل المشهد السياسي المحلي مؤشر على أن هناك مراجعة ذاتية للمرحلة الماضية، من جانب بعض الأطراف، داخل ما يسمى الأغلبية البرلمانية، وهذه المراجعة ونتائجها تؤكد حقيقة واحدة، هي أن محاولة جمع المتناقضات في «بوتقة» واحدة من أجل هدف مرحلي غالبا لا يكتب له النجاح، وفي بعض الأحيان تؤدي إلى إضعاف المطالب الحقيقية.
يفترض أن تكون المرحلة الماضية بكل تفاصيلها وتفريعاتها فرصة للاستفادة والاعتبار من الجانبين الحكومي والشعبي، نحو حقيقة أن الخروج عن العقد الاجتماعي مرفوض جملة وتفصيلا من جانب الحكومة، ومن جانب بعض القطاعات الشعبية، وأن الاحتكام للدستور هو الخيار الوحيد أمام الجميع إذا كانوا ينشدون إصلاحا حقيقيا وقائما على أسس
دستورية سليمة.
الحكومة خلال المرحلة الماضية عجزت عن استيعاب التحولات على الساحة السياسية، ونظرت إليها من زاوية واحدة فقط، وتركت بقية الزوايا، وربما اختزلتها في شخص أو كلمة، والحقيقة أن تلك التحولات أعم وأشمل بكثير من توجه الحكومة، ولو استمعت الحكومة إلى صوت العقل في بعض تلك المراحل لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في المرحلة الحالية، ولكنا تجاوزنا الكثير من المطبات.
بعض القطاعات الشعبية لم تكن في أجواء الواقع وربما «شطحت» خارج أسواره، نتيجة لتحالفات غير منطقية أو نتيجة لإحساس خاطئ بإمكانية تغيير الأوضاع السائدة بأدوات غير دستورية وقانونية، أو نتيجة لأوهام الاندفاع، مما أدى إلى استهلاك الكثير من الوقت والجهد، ليكتشف الجميع أنهم مازالوا في المربع الأول، وأن من كانوا يعتقدون أنه حراك ونشاط ليس سوى «مراوحة» في المكان نفسه.
فكرة العودة إلى الإطار الدستوري والقانوني في محلها، وإن التزم بها جزء مما كان يسمى بالأغلبية البرلمانية ورفضها طرف آخر، والتخلص من الشوائب في تلك الأغلبية كان قرارا موفقا، وأتوقع أن يكون له صدى عند الأطراف الأخرى التي تقتسم الساحة السياسية، وربما يؤدي إلى «تعويم» بعض الأخطاء وتجاوزها، على اعتبار أنها أخطاء غير مقصودة، ونتجت عن ارتباك ساد الساحة السياسية بشكل مفاجئ.
نحن بحاجة الآن إلى مبادرات من الأطراف الفاعلة في إطار الدستور والقانون، تبدأ بتجاوز الأخطاء الماضية والتوقف عن التدقيق على الأشخاص والكلمات، والانتقال إلى مشروع جدي يمكن من خلاله استيعاب الجميع مادام ذلك في إطار الدستور والقانون، مهما كانت التضحيات ومهما كانت القرارات صعبة ومؤلمة، فتجرعها من أجل الكويت أفضل من ترك الساحة بمثل ذلك التأزيم والاختناق.

المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.