
فهد العسكر علّم رفيع في سماء الشعر في الكويت.. وكما قال عنه صاحب كتابه الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري: ان فهدا شخصية لا تنسى في تاريخنا الأدبي الحديث.. كان حظه من المجتمع سيئاً، وقد رماه الناس بالكفر والجحود، حتى ملّه أهله وكثير من الناس وأصبح يعيش في وحدة تامة انعكست على شعره..
والخمرة كانت في متناول الكثير من الشباب وغير الكويتيين من اهل الكتاب الذين اعطاهم الاسلام الحرية في شربهم ومأكلهم.
في سنواته الاخيرة من حياته كف بصره ولم يسعفه الحال لكي يذهب الى بلاد فيها تقدم في الطب. يقول عنه الاستاذ عبدالله زكريا أيضا: ان فهد العسكر يعد مدرسة ادبية ذات فكرة متحررة، مدرسة تعمل على تحرر الشعر من قيوده الضيقة.. اتجه نحو التجويد، وكان شاعرا مطبوعا لا يتكلف الشعر، وشعره الاخير اكتمل نضجه انه شاعر وطني اراد ان يتطور المجتمع الى الرقي.. بعد موته ارتقى المجتمع كما ارتقى الشعر وفنونه وجاء من يهتم بشعره فلحن قصيدته الموسيقار والفنان المبدع أحمد باقر، وغنى له الشاب المجدد شادي الخليج الاستاذ عبدالعزيز المفرج وصارت قصيدة كفي الملام لوحة غنائية رائعة مع ارتقاء الفنون الموسيقية.
كفي الملام وعلليني
فالشك أودى باليقين
وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري من شجوني
وأمضني الداء العياء فمن مغيثي من معيني
أين التي خلقت لتهواني وباتت تجتويني
أماه قد غلب الأسى
كفي الملام وعلليني
الله يا أماه فيّ
ترفقي لا تعذليني
ارهقت روحي بالعتاب فأمسكيه او ذريني
انا شاعر انا بائس
انا مستهام فاعذريني
انا من حنيني في جحيم
آه من حر الحنين
أنا تائه في غيهبٍ
شبح الردى فيه قريني
ضاقت بي الدنيا دعيني
اندب الماضي دعيني
وانا السجين بعقر داري
فاسمعي شكوى السجين
بهزال جسمي باصفراري
بالتجعد بالغضون
في رواية أوردها أ. عبدالله زكريا الانصاري ان امه لم تكن على وفاق معه، بل كانت تستجيب لمن اتهمه بالالحاد والمجون ولم تستوعب هذه المخاطبة:
أماه قد غلب الاسى
كفي الملام وعلليني
الله يا اماه فيَّ
ترفقي لا تعذليني
انا شاعر، أنا بائس،
أنا مستهام، فاعذريني
هذا الخطاب الرفيع ما هو الا للام الكبرى، هي الوطن انه يخاطب الكويت لتقدر فيه أدبه وشاعريته.. حتى يصل الى الخطاب المباشر الى الوطن بعد ذلك:
وطني وما اقسى الحياة به على الحر الأمين
وألذ بين ربوعه
من عيشتي كأس المنون
قد كنت فردوس الدخيل
وجنة النذل الخئون
لهفي على الأحرار فيك
وهم بأعماق السجون
ودموعهم مهجٍ وأكباد ترقرق في العيون
ما راع مثل الليث يؤسر
وابن آوى في العرين
ورفع شعار المخاطبة الرمزي إلى الوطن مباشرة دون وسيط:
وطني وأدت بك الشباب وكل ما ملكت يميني
وقبرت فيك مواهبي
واستنزفت غللي شؤوني
ودفنت شتى الذكريات
بغور خافقي الطعين
وكسرت كأسي بعدما
ذابت بأحشائي لحوني
وسكبتها شعرا رثيت
به منى الروح الحزين
وطويتها صحفا ضننت
بها وما انا بالضنين
ورجعت صفر الكف منطويا على سر دفين
فلانت يا وطني المدين
وما هزارك بالمدين
هي شكوى للوطن، دون ان يدينه وهو بالمدين، وعتابه على الشعب الذي لم يقدره ولم يعينه:
وطني وما ساءت بغير بنيك يا وطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خدينا
آه من لي بالخدين
واضيعة الأمل الشريد
وخيبة القلب الحنون
رقصوا على نوحي وإعوالي وأطربهم أنيني
وتحاملوا ظلما وعدوانا عليَّ وأرهقوني
فعرفتهم ونبذتهم
لكنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشر
أف لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذ وذا رماني بالجنون
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجون
وتطاول المتعصبون
وما كفرت وكفروني
وانا الابي النفس
ذو الوجدان والشرف المصون
ويخاطب في الخيال ليلاه ليبادلها الهوى العذري:
ليلاي يا حلم الفؤاد الحلو يا دنيا الفنون
يا ربة الشرف الرفيع
البكر والخلق الرصين
يا خمرة القلب الشجي
وحجة العقل الرزين
صنت العهود ولم أحد
عنها فيا ليلاي صوني
عودي لقيسك بالهوى العذري بالقلب الرهين
عودي اليه وشاطريه الحب بالدمع السخين
عودي اليه واسمعي نجواه في ظل السكون
فهو الذي لهواك ضحى
بالرخيص وبالثمين
لو كان فهد العسكر في مصر او العراق، او في بلاد الشام لارتفع نجمه في مصاف الشعراء الكبار انه في نفق العزلة لا يقدره أحد:
هيمان كالمجنون أخبط
في الظلام فأخرجيني
متعثرا نهب الوساوس والمخاوف والظنون
حفت بي الاشباح صارخة بربك انقذيني
واشفي غليلي وابعثي
ميت اليقين ودلليني
ليلى اذا حم الرحيل
وغصّ قيسك بالانين
ورأيت احلام الصبا
والحب صرعى في جفوني
ولفظت روحي فاطبعي
قبل الوداع على جبيني
واذا مشوا بجنازتي
ببنات فكري شيعيني
واذا دفنت فبلّلي
بالدمع قبري واذكريني
حتى قال لرمزه ليلاه:
واذا مشوا بجنازتي
ببنات فكري شيعيني
واذا دفنت فبللي
بالدمع قبري واذكريني
هذا هو الشاعر الكبير فهد العسكر والاستاذ الكبير الاديب عبدالله زكريا النصاري الذي اعتنى بشعره ونشره.
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق