أسيل أمين: دكتاتورية الحريات العامة

«إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها»، هذا هو الهدف الثالث (وللأسف ليس الأول) لائتلاف المعارضة الوارد في مسودة تأسيسه، مما يوضح مدى أهمية قضية الحريات لدى هذا الائتلاف، أو مدى قناعته بمعاني الحرية، بل والأكثر وضوحا أن هذه الحريات مرتبطة بكلمة «العامة»، أي أن الحريات الفردية ليست من ضمن أولويات أو حتى اهتمامات هذا الائتلاف، مما يعني أن استخدام كلمة الحرية والحريات هنا، هي لمجرد «الإغراء» الإعلامي وخداع بصر لمن يهتمون بالمانشيتات و«لا يقرؤون» ما وراء هذه الكلمات البرّاقة.

وإذا عدنا بالتاريخ سنوات قليلة، قليلة جدا، لنربط العلاقة بين ائتلاف المعارضة الذي تمثل أغلبيته نوابا سابقين، وقضية الحريات، لوجدنا أن العلاقة سالبة وعكسية بينهما، فمعظم القوانين المقيّدة للحريات العامة والخاصة هي نتاج هذه الأغلبية، بدءا من قانون المطبوعات والنشر وقانون المرئي والمسموع، إضافة إلى المطالبات بهدم دور العبادة لغير المسلمين، وصولا إلى قوانين شرطة الآداب وإعدام المسيء، وغيرها كثير، إضافة إلى ذلك كله، فهذه الأغلبية هي من أطلقت المصطلحات المناقضة للحريات، مثل الإعلام الفاسد، فمن يقيّم الإعلام، ويحدد هذا فاسد وهذا صالح؟

ولكن القضية ليست في تبني ائتلاف المعارضة مصطلح الحريات العامة (هذا من حقهم)، إنما القضية في المصطلح نفسه، فماذا تعني كلمة «الحريات العامة»؟ ومن يحدد هذه الحريات؟ وكيف؟ ولماذا دائما تتصدر الحريات العامة التصريحات مقابل تجاهل تام للحريات الخاصة؟

ولمن «يقرأ ويتمعن جيدا» في مواد الدستور، فسيجد أن المادة 30 تنص صراحة وبلا أي تفسير على أن «الحرية الشخصية مكفولة»، أي أن الأصل في الحرية هي للفرد، وفي المواد الأخرى تحدد آلية ممارسة هذه الحرية، بحيث لا تسيء أو تتعدى على حرية الآخرين. مثلا المادة 35 تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية…»، أي الحرية الشخصية في اختيار الإنسان لمعتقده ودينه وممارسة شعائره بحرية ما لم تخل بالنظام العام، وهنا تتحدد الحرية العامة. وكذلك المادة 36 الداعمة لحرية الرأي والبحث العلمي «ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما…»، ولكن ما فعله نواب ائتلاف المعارضة أنهم سنّوا قوانين تحد من هذه الحرية، وها هم الآن يطالبون بالحرية التي هم أنفسهم حاربوها وطالبوا بقمعها.

قضية الحرية بابها مفتوح وواسع، والأهم معرفة معاني هذه الحرية وتحديدها، لا سيما الحرية الفردية «الخاصة»، والحرية الجماعية «العامة»، فما يطالب به «الائتلافيون» هو الحرية الجماعية فقط، وهي بالنسبة إليهم، ومن تجارب سابقة، ممارسة دكتاتورية على الحرية الفردية، أي دكتاتورية الحريات العامة.

أسيل عبد الحميد أمين
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.