السنعوسي من حفل تكريم عمار تقي: دروع “البلاستيك” وحدها لا تكفي

حدث لن تجده إلا في الكويت أن يجتمع في حفل تكريم مذيع شاب في مطلع الثلاثينيات من عمره وزراء حاليون وسابقون نواب حاليون وسابقون ورجال أعمال وشخصيات عامة.. وأن تحرص قناة بكل قياداتها على الاحتفاء بأحد أبنائها.

هذا كان أول انطباع لي أثناء حضور حفل قناة “الكوت” لتكريم المذيع المجتهد عمار تقي إثر فوزه بجائزة الإبداع الإعلامي من ملتقى الإعلام العربي.

أعرف “عمار” منذ فترة التقينا وتحاورنا وهو نموذج للشاب الكويتي المجتهد والمتميز في أخلاقه، واكتمال أدواته، فهو منفتح على العالم يعرف ما يدور فيه، وحريص دائماً على أن يطور نفسه بالقراءة والدورات المتخصصة في مجال الإعلام، ولا يستنكف أبداً في السؤال عن أدق التفاصيل إذا كان لا يعرفها وأذكر ذات مرة أنه كان يحضر لاستضافة شخصية مصرية واتصل بي ليسألني عن بعض التفاصيل، لأنه مذيع يعمل بحب وإخلاص ومسؤولية وليس لملأ الفراغ على الشاشة.

ليس عمار وحده في ذلك ولا هو حالة استثنائية فهناك عشرات الشباب الكويتي المبدعين والمتميزين بمهاراتهم ومواهبهم وأخلاقهم، ويكفي أن أدلل على ذلك بأمثلة أخرى حازت أرفع الجوائز عربياً وعالمياً مثل عبد الله بوشهري وأحمد الخلف في السينما، وفي الأدب سعود السنعوسي الفائز بجائزة “البوكر” للرواية العربية باسمة العنزي الحائزة على جائزة الشارقة للإبداع في الرواية لطيفة بطي الفائزة بجائزة التأليف لمسرح الطفل.. وغيرهم كثيرون.

وثمة أمر آخر لا نجده إلا في الكويت أشار إليه عمار تقي في كلمته خلال الحفل، فهو رغم قصر مشواره الإعلامي الذي لا يزيد عن خمس سنوات، لكنه بدأ من القمة ـ كما يقال ـ بدعم وثقة مسؤولي القناة وتشجيع الكبار وأعني حقاً الكبار في جميع المجالات لذلك ليس غريباً أن يقف مباشرة أمام الكاميرا كمذيع، وليس غريباً أن يكون ضيوفه في أولى الحلقات شخصيات بوزن رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي.

فلا أحد من هؤلاء الكبار تعامل معه باعتباره مذيعاً مبتدئاً ولا باعتبار قناته مازالت في خطواتها الأولى تتحسس جمهورها. بل من المؤكد أن ما حفزهم للمشاركة معه هو رغبتهم في تشجيع الشباب والرهان عليه.

وكانت لفتة نبيلة وكريمة من وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح، والذي رغم أعبائه حرص على حضور حفل تكريم عمار وتحدث عنه لوسائل الإعلام حديث الأب قبل أن يكون حديث المسؤول وهذا ليس غريباً على الحمود الذي دعم بقوة ملتقى الإعلام العربي وحرض على تسليم الدروع بنفسه ودائماً ما نراه حاضراً بابتسامته المحبة المتفائلة.. داعماً لإبداعات الشباب.

وهو مثال نادر لوزراء الإعلام لأنه لا يكتفي بالجلوس وراء مكتبه وتلقي التقارير، بل يتفاعل بشكل مباشر على الأرض، ولا يضع حجاباً بينه وبين المبدعين وكثيراً ما رأيته بنفسي يبادر بروح المحبة والتواضع وينهض للترحيب بالشباب قبل الكبار.

ليس من عادتي أن أتحدث عن “وزراء” حتى لا يُفسر كلام المرء بأكثر مما يحتمل، لكنها شهادة في حق الرجل لمستها في أكثر من مناسبة في ملتقى مجلة العربي كما في حفل تكريم عمار تقي.. ومعظم الأنشطة يبادر الحمود للحضور بنفسه، رغم أن بإمكانه أن يكلف من ينوب عنه.

ولأن لحضور الوزير رمزيته، فهو تقدير بالغ وجائزة في حد ذاتها، لشاب مثل عمار تقي.. وإن كنت أتمنى عليه أن يطور مبادراته الفردية تلك بأن تتبنى وزارة الإعلام حفلاً سنوياً كبيراً لتكريم المبدعين في كافة المجالات والحائزين على جوائز محلية وعربية وعالمية.

لأنه لا يعقل أن يُكتفى بتوزيع جوائز الدولة فقط كفقرة هامشية تتم في خجل شديد على هامش مهرجان “القرين”.

فكل الأسماء التي ذكرناها من الشباب، وغيرهم، يستحقون احتفاء خاصاً، وليطلق عليه مثلا “حفل تكريم وزارة الإعلام للمبدعين”.

كذلك، وفي هذا السياق لا أنسى الملاحظات المهمة جداً التي قالها الإعلامي المخضرم ووزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي في كلمته خلال الحفل والتي أثرت فيّ بشدة على المستوى الشخصي، فهو تحدث عن روح “البلادة” التي حالت دون الوفاء لأصحاب الإنجازات وتكريمهم كما قال إن دروع “البلاستيك” وحدها لا تكفي مشيراً إلى أهمية الدعم المادي للمتميزين من الشباب أسوة بدول أخرى تمنح جوائز تتراوح ما بين 50 و100 ألف دولار! بالتأكيد هو محق تماماً في ملاحظته تلك فمن المفترض أن توفر الدولة للمتميزين ما يساعدهم على مزيد من التميز مثل منح تفرغ للكتاب أو دورات دولية للإعلاميين إضافة إلى المقابل المادي الذي يخفف عنهم الأعباء ويساعدهم على مضاعفة الجهد والتركيز في عملهم.

ومثلما نتحدث عن تميز الشباب، علينا ألا ننسى هنا خبرة الكبار وحرصهم على التشجيع والدعم والوزير السنعوسي على رأس هؤلاء الكبار، فهو لا يبخل بالنصيحة، وعن نفسي سعدت جداً بشرف مرافقته ضمن وفد إعلامي لزيارة معرض الكتاب في طهران لمدة أربعة أيام، وكان من أهم أهداف الزيارة بالنسبة إلي، أن أتعلم ـ عن بعد ـ من خبرات هذا الرجل، كيف يوجه الأسئلة وكيف يعبر عن رأيه بكلام محدد، مرتب، وبأناقته المعهودة.

فهو كنز حقيقي بخبراته الإعلامية والإدارية، وحسه الوطني، وانفتاحه على الآخر. ولو كنتُ مكان المسؤولين عن التعليم في الكويت، لخصصت كرسي للسنعوسي للتدريس لطلاب المعاهد الفنية وكليات الإعلام.

بالتأكيد لا يحتاج السنعوسي إلى شهادتي لكنه إقرار بما تعلمته منه خلال أيام وما أراه دائماً لديه من حماس الشباب وأفكار ذهبية واختياره لقيادة مجلس أمناء أكاديمية الفنون هو بالفعل اختيار صادف أهله.

إن نهضة أي وطن هي محصلة هذه المعادلة البسيطة التي تجلت في حفل قناة “الكوت”: الرهان على الشباب وإعطائهم الثقة والفرصة.. وتشجيع الكبار المتجردين من الغرض.

1 Comment

  1. اصلا الوزراء عندنا ما نقدر نكلمهم مع انهم بمناصبهم عشان يخدمونا

    واذا كتبت كتاب تراجع زليون مره وتنطر بالاشهر عشان يردون عليك

    عن تجربة هالحجي

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.