عبداللطيف الدعيج: رجاء لا تحولوها إلى تقليد

نجاهد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا للفكاك من واقعنا البدائي. ونعمل بجد واجتهاد للولوج الى مجتمع الالفية الثالثة ودخول عالم القرن الواحد والعشرين. لكن كل هذا مع الاسف يتحطم على صخرة التقاليد الصلبة ويتبدد امام قدسية الموروث ورهبته.

لا اجد في حفلات الترحيب القبلي برئيس الدولة وكبار المسؤولين إلا مظهرا من مظاهر الارتداد نحو الماضي، ووسيلة للتشبث بعادات الامس ومحاولة، في اعتقادي، يائسة لقهر النظم والاعراف العصرية والمدنية التي تفرض نفسها في مجتمع اليوم. ان رئيس القبيلة، اي قبيلة، هو مواطن عادي، ليس من المفروض ان يحظى بأي معاملة او تقدير يميزه عن بقية مواطني الدولة.

لدينا الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية «العظيمة» والرائعة. لكن اغلب هذه العادات والتقاليد لم يعد متناسبا والمجتمع الحالي. كما ان اغلبها ايضا او كلها اصبح من المستحيل ممارسته في هذا اليوم وفي مجتمعنا العصري والمتمدن. تلك التقاليد والعادات العظيمة والحميدة كانت مناسبة، وربما ضرورية ايضا، في مجتمعات الامس. اليوم تم استبدالها بمؤسسات وبنى عصرية حلت محلها بكفاءة واقتدار يتناسب والطبيعة المتسارعة والمعقدة لمجتمعاتنا العصرية.

ان اخطر ما نعانيه هنا، وما يقف حائلا في وجه تقدمنا الاقتصادي والسياسي، مع رجاء لجماعة الحراك بعدم التعليق لأننا مللنا من تعليقاتهم السقيمة، هي العلاقات القبلية والعشائرية. والمفروض فينا ان نتولى تطويع الظواهر والمؤسسات الناتجة عن هذه العلاقات، بحيث تفسح المجال لبنى ومؤسسات المجتمع المدني الحديث. المؤسف اننا على العكس من هذا، نحارب المؤسسات والبنى الحديثة ونتعلق بمؤسسات الامس ونعزز من فرص بقائها واستمرارها.

اعتقد اننا مبتلون بتقليد رائع وعظيم. وهو زيارة المسؤولين للدواوين في المناسبات الاجتماعية والدينية. هذا التقليد كان ممكنا ومقبولا عندما كان عدد الدواوين بالعشرات وربما بالمئات. الآن كل فرد اصبح «ديوانية» وكل اسرة صغيرة لها ديوانها الخاص وليس هناك احد افضل من احد. يعني عندنا آلاف الديوانيات وآلاف الاسر التي تنتظر من المسؤولين زيارتها.. فكيف سيوفق مسؤولونا بين واجباتهم الاجتماعية المستحيلة واداء مهامهم الرسمية؟!

اليوم ولسسب معروف تبدأ حفلات وعزائم القبائل، وهي حالة تتجه الى ان تكون ظاهرة وتقليدا اجتماعيا. الآن ربما يبدو سهلا تلبية دعوة هذه القبيلة او تلك. لكن بعد فترة، وبعد تحول الامر الى تقليد اجتماعي سيكون صعبا تلبية دعوات كل القبائل والعشائر. بل ان الامر لن يتوقف على ذلك، وليس من المفروض ان يتوقف، لان الطوائف والجماعات لها احترامها ولها حقها في ان تدعو وتستقبل القادة والمسؤولين ايضا. وحتى هنا لن نخلص.. لأن هناك عوائل وهناك اسر ايضا وليس احد بافضل من احد. فرجاء لا تحملوا انفسكم ولا من بعدكم بما لا طاقة لهم ولا حتى المجتمع به.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.