أكد الألإستاذ بكلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتور مرضي العياش عدم دستورية المادة 25 من قانون أمن الدولة، والتي اتهم بناء عليها الكثير من الناشطين في الحراك السياسي، مشددا على أن نص المادة يخالف المادة 32 من الدستور .
وقدم العياش دفعا جديدا في أن المتهم أحيل إلى المحاكمة وفقا لنص المادة (25) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 والتي تنص على أنه:” يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة”.
– ولما كان هذا النص مخالفا لنص المادة 32 من الدستور وكانت الأسباب التي يحملها هذا الدفع – كما سوف يستبين – ترتقي لأن تُبحث المسألة على أعلى مستوى من مستشارين متخصصين وذوي خبرة، فإن المتهم يطلب وقف نظر القضية وإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية باعتبارها صاحبة القول الفصل عملا بنص المادتين 1،4 من القانون رقم 14 لسنة 1973 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية.
تمهيد:
– تتسم عملية سن التشريعات الجزائية بنوع من الخصوصية، وتحكمها مبادئ عدة، وعلى رأس هذه المبادئ يأتي مبدأ الشرعية الجنائية، أي قاعدة التقنين، فوفقا لهذا المبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون (المادة 32 من الدستور.
– هذا المبدأ وضع للأفراد حدودا فاصلة وواضحة لما هو مشروع وما هو غير مشروع ليحميهم من جور السلطة في اختلاق الجرائم والانتقائية في توقيع العقوبات دون وجه حق.
– وإعمالا لهذا المبدأ الدستوري والعالمي يجب على المشرع أن يكون حذرا وفي غاية الدقة أثناء صياغة النصوص الجزائية باعتبارها تمس حرية الأفراد، بحيث يجب أن يكون النص التجريمي محددا وجليا يسهل معه التمييز، بشكل لا لبس فيه ولا غموض، بين الفعل المحظور والفعل المباح. لذلك كانت مهمة المشرع ليست بيسيرة لإقامة توازن بين مصلحة المجتمع المتمثلة في حقوق الأفراد وحرياتهم وحماية أمنه من الأفعال غير المشروعة، فلا سياسة تشريعية ضيقة ترهق القاضي في تطبيقها وتُفقد النص صفتي العمومية والتجريد، ولا صياغة فضفاضة واسعة تُهدر حقوق الأفراد وتنال من حرياتهم، ولئن ثبت عجز المشرع عن تحقيق هذا التوازن في الصياغة التشريعية في نص المادة 25 سالف الذكر، فإننا نكون أمام مخالفة دستورية صريحة لمبدأ الشرعية الجزائية وغاياته.
– ومن أهم غايات مبدأ الشرعية: اليقين القانوني، أي علم الأفراد (مسبقا) بالنص المجرم وعلمهم بعقوبته علما قانونيا تحسبا لأي تجهيل، وهذا لا يتسنى لأي فرد إلا من خلال دقة ووضوح صياغة النص مناط التجريم، فهو بالأحرى استكمال للمبدأ الشهير: مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.
– وإذا ما جاءت النصوص العقابية مطاطة مترنحة، فإننا نكون بصدد قواعد مجهلة لا ترتقي إلى مثابة التشريع الجزائي، وهي بذلك تُسهم في إضعاف الأمن القانوني وما له من قيمة دستورية سامية. وقد أكد الفقه والقضاء منذ زمن بعيد على أن: ” وصول العلم بالقانون للأفراد المعنيين به قيمة دستورية بحد ذاتها تنبع من مبدأ المساواة أمام القانون”.
– وعندما يكون العلم قاصرا أو معيبا نتيجة لغموض النص الجزائي فإننا سنكون أمام نص موصوم بعدم الدستورية لسببين بسيطين: الأول: ان بعض رجال السلطة العامة – وبكل تأكيد – سوف يستغلونه ضد حريات بعض الأفراد تحت ستار القانون، والثاني: إن غموض النص بسبب عدم تحديده سيجعل منه عبئا على القاضي الذي سوف يواجه صعوبات شديدة أو حتى استحالة قانونية لتحديد أركان الجريمة بانضباط، وربما يضطر أن يلعب دور المشرع وليس المطبق للقانون، وهذا ما يتنافى ومبدأ الشرعية الجنائية الذي يقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون صادر من جهة مختصة.
– خلاصة ما تقدم ان النص الجزائي:
1) يجب أن يكون مكتوبا أي صادرا من جهة مختصة وهي المؤسسة التشريعية في الظروف العادية، فلا يجوز للقاضي أن يلعب دور المشرع بحجة تفسير النص، لذلك كانت القاعدة ان تفسير النصوص الجنائية يجب أن يكون تفسيرا مضيقا، وبالتالي فإن أي شك يجب أن يفسر لصالح المتهم.
2) يجب أن يكون واضحا وجليا بحيث يسهل على الرجل المعتاد التفرقة بين ما هو مسموح وما هو محظور قانونا، وبما تحول صياغته دون أي تأويل أو تحريف لدرء أي انبهام في بيان مقصوده أو انتقائية في تطبيقه.
– وبإسقاط ما سبق على نص المادة 25 أمن دولة سيتبادر إلى الذهن مباشرة أول سبب من أسباب عدم الدستورية وهو عدم وضوح النص وغموضه أو فضفاضيته بحيث يسع الركن المادي للجريمة أفعال كثيرة لا حصر لها وهذا بحد ذاته سبب كاف لوصم النص بعدم الدستورية.
– إحالة:
وحيث إن الأسباب السالفة التي أوردتها في التمهيد بإيجاز، سبق لي أن كتبت عنها قبل أكثر من ثلاث سنوات مقالا قانونيا في جريدة الآن الالكترونية، وتحديدا في 18/5/2010، وكتب فيها مؤخرا (وباستفاضة أكثر) بعض رجالات القانون، وطعن بناء عليها، أيضا، بعض الزملاء المحامين في العديد من قضايا أمن الدولة الأخيرة، لذا أحيل بشأنها، رغم منتهى ضرورتها، لما سبق أن كُتب منعا للتكرار الذي قد لا يتسم بالجدة، مع ضرورة التأكيد على أن هذا الدفع لن يبلغ مداه إلا إذا اجتمعت أسبابه مع الأسباب الأخرى المحال إليها.
– أسباب الطعن:
– لما كان ما تقدم، فسوف نحمل هذا الدفع على سبب واحد فقط. ولتوضيحه سنعود على ذي بدء ونسرد نص المادة 25 حتى يتبين لنا، بجلاء، وجه العوار الذي شاب النص.
– تنص المادة موضوع الدفع على أنه:
” يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة”.
– قرر نص المادة المذكور على أن الطعن في حقوق الأمير وسلطته، أو العيب في ذاته، أو التطاول على مسند الإمارة يجب أن يكون: علنا أو…أو.. عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو…:
(وهذه وسائل معرّفة مفهومة لا غبار عليها، ولا يساورها اللبس أو الغموض، ذلك أنها محددة تحديدا واضحا بالنص عليها صراحة وهو ما يتوافق مع مبدأ الشرعية الجنائية).
– ومع ذلك، استرسل النص، لمحاولة تغطية كل الوسائل، فقرر الآتي: “أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر”!!
(وبعكس الوسائل السابقة تماما، هذه وسائل نكرة غير مفهومة وتثير اللبس والغموض، حيث أنها غير محددة تحديدا واضحا وجليا، فضلا عن عدم النص عليها، وهو ما يصطدم صراحة مع مبدأ الشرعية الجنائية المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور).
– بالأحرى، نحن هنا، لا نتذرع بالغموض أو الإبهام أو عدم التحديد أو الاتساع الصارخ لمفردات النص التي قد تؤدي إلى تأويل أو التباس تنحرف به عن مقصود المشرع الجزائي، بل نتمسك بعدم وجود نص صريح أصلا يحدد تلك الوسائل!
– بمعنى آخر، ما هي الوسيلة الأخرى من وسائل التعبير عن الفكر التي يقصدها النص؟! الإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن أن تكون إلا في اتجاهين: هذان الاتجاهان، في النهاية، سوف يؤديان إلى نتيجة واحدة فقط، وذلك على النحو الآتي:
1) الإجابة الأولى: لا نعلم بهذه الوسيلة أو الوسائل الأخرى! ذلك أن النص لم يتطرق لتلك الوسيلة أو الوسائل الأخرى لأنه لم ينص عليها أو يوضحها! إذن نحن أمام مخالفة صريحة لمبدأ الشرعية الجنائية المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور، “والذي غدا أصلا ثابتا كضمان ضد التحكم فلا يؤْثر القاضي أفعالا ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعا لنزوة أو انفلاتا عن الحق والعدل”. ( دعوى رقم 43 لجلسة 7 مارس 1992، لسنة 7 قضائيةدستورية، المحكمة الدستورية العليا المصرية، منشور في الويب على الموقع التالي:
2) الإجابة الثانية: قد نستطيع التوصل لهذه الوسائل ولكن عن طريق التخمين وليس اليقين! فلم يشر النص إلّا لعبارة:” أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر” التي لن توصلنا بهذه الصياغة القاصرة، في نهاية المطاف، إلى اليقين القانوني المعتبر في القضاء الجنائي. إذن نحن أمام صياغة نص يتطلب منا مجرد تخمينات. لذلك هذه الإجابة سوف توصلنا إلى ذات نتيجة الإجابة السابقة رقم (1)! وعليه نحن،أيضا، أمام مخالفة صريحة لمبدأ الشرعية الجنائية المنصوص عليه في المادة 32 من الدستور. وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية:” من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في اعلي مستوياتها وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبرزها أثرا، ويتعين بالتالي – ضمانا لهذه الحرية- أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها..”. فكيف يتعين علينا تجنب وسائل غير منصوص عليها ولا نعرف عنها سوى أنها: وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر؟! ( الدعوى رقم 114 لجلسة 2 يونيو 2001، لسنة21 قضائية دستورية، المحكمة الدستورية العليا المصرية، منشور في الموقع التالي:
– لما كان ما تقدم: هل الإشارة باليد أو بالعين أو باللسان أو بهز الرأس يمكن تطبيق هذا النص عليها؟! وهل إزالة صورة في مكان ما بطريقة أو بأخرى ينطبق عليها هذا النص؟! وهل كل ما سبق يعتبر من يدخل من ضمن وسائل التعبير عن الفكر؟! هذه كلها وسائل أخرى لم تنص عليها صراحة المادة 25 ولذلك لا نجزم إطلاقا على انطباق النص هذا عليها!!
– ولما كان ذلك: فهل تكفي مقولة :” وبأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر” لتغطية كل الوسائل الأخرى بلا استثناء لينطبق عليها النص؟! وهل الوسائل المستحدثة أو غير المتصورة أو غير المتوقعة التي قد تحدث، والتي كان يخشاها المشرع وقتذاك (إبان مرحلة تشريع هذا القانون عام 1970) يبرر أن تُسن هذه المادة، بالمخالفة لنص المادة 32 من الدستور، فقط من أجل أن يغطي كل الوسائل في كل زمان ومكان في مقابل هدر حقوق الأفراد وحرياتهم؟!
– حتى التشريعات غير الجزائية، (المدنية)، التي تقبل التفسير الواسع وربما التشريع القضائي (مجازا: التفسير الذي يتعدى كل الحدود التقليدية)، تقف عاجزة عن بعض الحالات والوقائع ذات الجدل ليتدخل المشرع المختص دستوريا ويواكب التطورات الحديثة بتعديل تلك النصوص أو بإلغائها.
– الطلبات:
وقف نظر القضية وإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية عملا بنص المادتين 1،4 من القانون رقم 14 لسنة 1973 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، لمخالفة نص المادة (25) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 لنص المادة 32 من الدستور.
قم بكتابة اول تعليق