امتد الخوف بين الاقليات من بغداد إلى باقي المدن الاخرى، بعد حوادث اعتداء وقتل وتخريب متاجر وهجوم على منازل طالت بعض الاقليات التي تسكن بغداد، لاسيما الأيزيديين الذين قتل منهم حوالى ألف شخص منذ العام 2003.
وبسبب ذلك، قرر أيزيديون يبيعون الكحول في بغداد والحلة ومدن أخرى التوقف نهائيًا عن هذه التجارة بعدما قُتل وهُدّد اصحاب محال بيع الخمور في منطقة بغداد الجديدة وشارع السعدون من قبل مجموعات مسلحة تستقل سيارات رباعية
ويصل عدد معتنقي الديانة الأيزيدية في العراق إلى أكثر من نصف مليون، يسكن معظمهم مناطق تابعة لمحافظتي نينوى ودهوك، كسنجار وشيخان وتلكيف وبعشيقة وسيميل وزاخو في شمال العراق. كما هاجر الالاف منهم من العراق إلى أوروبا ودول أخرى منذ بداية التسعينيات. ويعد معبد لالش الذي يقع في منطقة شيخان شرق دهوك المركز الديني المقدس لمعتنقي هذه الديانة.
يخمن سلام هويدي، وهو أيزيدي يسكن مدينة الحلة، أن تكون احداث العنف الاخيرة تسببت في هجرة اكثر من عشرين عائلة ايزيدية من بغداد إلى كردستان، وبأعداد اقل إلى مدن الوسط والجنوب حيث يوجد أقرباء لهم.
وفي اتصال مع شريف سليمان، ممثل الأيزيديين في مجلس النواب العراقي، قال إن مسلسل الهجمات على افراد هذه الطائفة مستمر منذ فترة، فقبل حادثة زيونة قُتل عمال أيزيديون في منطقة الشعب ببغداد ايضًا. وانتقد سليمان دور قوات الامن التي لم توفر الامن للأيزيديين.
من جانب آخر يروي هويدي أن اقربائه الذين سكنوا بغداد منذ خمسة عشر عامًا طلبا للرزق، وتفرع قسم منهم إلى بابل والمناطق الاخرى القريبة من بغداد بسبب المصالح التجارية، لا يستطيعون العودة إلى مسقط رأسهم في شيخان بشمال العراق، لأن هذه المنطقة تشهد هي الأخرى اعمال عنف بحق افراد هذه الطائفة. وتابع قائلا: “افضل حل بالنسبة لهم كما يعترفون هو الهجرة إلى خارج العراق، حيث لهم اقرباء في اوروبا ومناطق اخرى من العالم”.
ولا تتوفر احصائية دقيقة عن حجم هجرة الأيزيديين والأقليات الاخرى ممن بغداد، لكن هويدي يؤكد أنه لم يتبق في المدن العراقية في الوسط والجنوب غير عوائل معدودة من الاقليات وهي تفكر بالهجرة ايضًا.
يضيف: “هجرة الأيزيديين مستمرة ويرجح انه اذا استمرت الهجمات فلن يبقى أيزيدي واحد في بغداد”.
يقول عضو مفوضية حقوق الانسان في بغداد قولو سنجاري إن هجرة الاقليات في بغداد ستستمر اذا لم تأمن لهم الجهات الامنية الحماية.
والهجوم على الاقليات لم يروع افرادها فحسب، بل طال ايضًا أناس يسكنون في جوارهم. فقد ترك كامل عبد بيته في منطقة زيونة في بغداد بسبب التهديد والخوف، واضطر إلى الاقامة في الحلة عند اصدقاء له. ويروي كيف استهدفت سيارة تحمل مسلحين ملثمين البيت المجاور لبيته، فتضرر بيته هو الآخر، وأصيب اطفاله بصدمة يعانون منها إلى الان.
يقول: “قتل المسلحون امام عيني اثنين في زيونة بحجة انهم ينشرون الفجور والرذيلة”.
انتقلت ثلاث عوائل مسيحية من بغداد إلى بابل حيث تعيش اقلية مسيحية صغيرة. وكان مسلحون اقتحموا في 31 تشرين الاول (اكتوبر) 2010 كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك الواقعة في الكرادة وسط بغداد، وقتلوا 44 من المصلين وكاهنين وستة من عناصر الامن.
يقول شمعون نزار إن الكثير من العوائل من الاقليات في بغداد قررت الهجرة إلى اربيل، بعدما استهدفتهم في الفترة الاخيرة اعمال مسلحة نفذتها جماعات متشددة.
ويروي نزار أن مسلحين يستقلون سيارات حديثة ضخمة هاجموا بيته وطلبوا منه الكف عن بيع الخمور، وانهالوا عليه بالضرب في وضح النهار.
وحول ما تناقلته وسائل الاعلام عن أن الهجوم الاخير تركز على الايزيديين، اكد نزار أن هذه الاخبار تنقصها التفاصيل، اذ أن مسيحيين هوجمت محلاتهم ايضًا في الفترة الاخيرة، “وما حدث لم يكن اعتباطًا، فهؤلاء المسلحون بدوا وكأنهم اصحاب سلطة غير خائفين، رغم انهم كانوا على عجل في تنفيذ مهمتهم”.
يقول رئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان وليام وردا إن السنوات العشر الاخيرة شهدت اكبر حالة نزوح وهجرة للأقليات في تاريخ العراق. فقد انخفض عدد المسيحيين من 1.4 مليون مسيحي في العام 2003 إلى قرابة نصف مليون حاليًا من مجموع تعداد سكان العراق، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، وينطبق نفس الامر على الايزديين والصائبة واقليات أخرى.
ويعترف ضابط الشرطة كريم الكلابي أن هناك حملات منسقة في الفترة الاخيرة استهدفت الاقليات في بغداد، لكنه يرى انهم ليسوا مستهدفين لكونهم اقلية بل لانهم يتاجرون في بضاعة تعتبرها بعض الجماعات مخالفة للشريعة الاسلامية.
تابع قائلا: “القوات الامنية بالمرصاد لهذه الاعمال وتم بالفعل الحد من تحركات بعض هذه الجماعات التي تستخدم العنف لتحقيق مآربها”.
وازدادت اعمال العنف في العراق في شهر (أبريل) الماضي، حيث قُتل 712 شخصًا بحسب إحصائية صادرة عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق.
قم بكتابة اول تعليق