قانونيون وأكاديميون: لا تشابه بين خريجي الشريعة والحقوق

لقي قرار مجلس الخدمة المدنية الذي وافق على شغل خريجي تخصص الشريعة أو أصول الفقه أو أصول الدين للوظائف القانونية التخصصية المتدرجة فنياً بعد اجتياز دورة تدريبية قانونية، ردود فعل أكاديمية حقوقية غاضبة، استياء من هذه «المساواة» غير العادلة.

أثار قرار مجلس الخدمة المدنية الأخير بمساواة خريجي كلية الشريعة في الوظائف التي يتم تعيين خريجي الحقوق فيها، شريطة حصولهم على دورة قانونية في معهد القضاء، استياء عدد من الأكاديميين والقانونيين، لمخالفة ذلك القرار أحكام القضاء، مبينين أن ذلك سيؤدي إلى إفراغ كلية الحقوق من محتواها، بعدما تمت مساواتها بكلية الشريعة.
وقال هؤلاء لـ«الجريدة» إن «القرارات التي أصدرها مجلس الخدمة بشأن هذه القضية سياسية وليست فنية، وعلى المجلس أن يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وإلا فسيلغي القضاء هذا التجاوز»، مؤكدين أنه لا تماثل بين خريجي كليتي الشريعة والحقوق.
بداية، ذكر أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. خليفة الحميدة أن «الحديث هنا حديث عن تخصصين علميين في كليتين من كليات جامعة الكويت، واستبدال مقررات اي كلية بدورة تدريبية مهما طالت مدتها لا يستقيم مع المنهج العلمي للدراسات الأكاديمية».
وتابع الحميدة: «نحن لسنا بصدد المفاضلة بين الكليتين، فلكل منهما دوره المكمل مع الكليات الاخرى لسد حاجة الدولة من اقتناء أصول وأسس العلوم المختلفة، وإذا كانت المحكمة الدستورية أقرت في وقت سابق حق خريجي كلية الشريعة في الاستفادة من البدل المقرر لخريجي الحقوق، طالما قاموا بذات العمل الاداري، حال عملهم باحثين قانونيين في وزارات الدولة، فإن افتراض تماثل الملكات العلمية لخريجي اي من الكليات مع الملكات العلمية لخريجي كلية أخرى، بمجرد الالتحاق بدورة، لا يستقيم مع التقسيمات العلمية للعلوم المختلفة».

قرار سياسي

وقال استاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري إن «قرار مجلس الخدمة المدنية مساواة خريجي كلية الحقوق بخريجي كلية الشريعة قرار سياسي، ولا يستند إلى أي آراء فنية أو قانونية، وهو قرار أفرغ كلية الحقوق من محتواها تماما».
وأضاف الكندري أن «كليتي الحقوق والشريعة كانتا في السابق كلية واحدة، وجاء الانفصال بعد مطالبات كثيرة بهدف توسعة أقسام كلية الشريعة، وألا يقتصر الأمر على قسم واحد، وبالتالي كانت رغبة الانفصال فنية لراغبي استكمال العلوم الشرعية المحضة، بينما بقيت كلية الحقوق تقوم بتدريس كل علوم القانون وبشكل مكثف ولمدة أربع سنوات».
وأكد أن طبيعة الدراسة والمناهج التي تدرس في كلية الحقوق تخاطب الطلبة في كل فروع القانون، بينما الدراسة في كلية الشريعة وبمناهجها تخاطب الطلبة بالعلوم الشرعية، ولا يوجد أي رابط بينهما، وبالتالي فإن نظام الدراسة والمناهج مختلفان تماما، ولا يوجد أي تماثل بينهما، ما يعني أن القرار المتخذ من مجلس الخدمة لا يعتمد على أسس فنية، لكي يقبل مساواة العمل بين الكليتين بحصول خريجي الشريعة على دورة في معهد القضاء حتى تتم المساواة في ما بينهم. وبين أن الحكم الدستوري، الذي يحاول البعض الاستناد إليه، هو حكم تحدث عن تماثل بعض الوظائف التي يؤديها الموظف، سواء كان خريج شريعة أو قانون، وبالتالي لم يأت الحكم لكي يساوي بين خريجي هاتين الكليتين أو انتهى للرأي الذي انتهى إليه مجلس الخدمة المدنية، وهو رأي معيب يتعين إعادة النظر به.

مسلسل الضياع

أما أمين الصندوق في جمعية المحامين الكويتية المحامي محمد طالب فقال إن «قرار مجلس الخدمة المدنية مساواة خريجي الحقوق مع الشريعة سياسي، والهدف منه إرضاء عدد من اعضاء مجلس الأمة، ويؤكد استمرار مسلسل الضياع الذي تتم ممارسته من قبل الحكومة في سبيل إرضاء البعض على حساب البلد ومستقبلها الأكاديمي أيضا».
وأضاف طالب ان «الخريجين من طلبة الشريعة لهم نظام ومناهج دراسية مختلفة كليا عن نظام ومناهج الحقوق، وبالتالي فإن الحديث عن التماثل بين الخريجين كمن يساوي المهندس بالطبيب، وهي مفارقة كبيرة تنطبق اليوم على الحال الذي أوصلنا له قرار مجلس الخدمة المدنية، والذي يتعين إعادة النظر، وإلا فسيأتي القضاء رادعا وملغيا لهذا السلوك غير القانوني الذي يتعين إعادة النظر فيه».

طبيعة المناهج

من جانبه، أفاد المحامي د. فايز الفضلي بأن «على مجلس الخدمة المدنية أن ينتقل إلى كلية الحقوق وإلى كلية الشريعة، وأن يطلع على حجم الدراسة وطبيعة المناهج، ليقرر بعد ذلك صحة التماثل بين خريجي كلا الكليتين».
ولفت الفضلي إلى أن «طلبة خريجي الحقوق ظلموا في السابق في بعض الوظائف بإقحام خريجي كلية الشريعة معهم في الوظائف ذات الطبيعة القانونية المحضة، واليوم يأتي مجلس الخدمة المدنية ليفرغ الكلية من محتواها، ويجعل الانضمام لها عبئا كبيرا خاصة لصعوبة نظام الدراسة فيها، بينما الدراسة في الشريعة أسهل بكثير».
وأوضح أن «على مجلس جامعة الكويت أن يتخذ موقفا من قرار مجلس الخدمة المدنية، وأن يطالبه بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فلا يقبل عقلا ولا منطقا أن يترك النظام الأكاديمي في البلاد لأهواء السياسيين ومزاجهم الانتخابي، وهو أمر يتعين الوقوف له ووضع الأمور في نصابها الصحيح».
طلبة «الحقوق»

أما على صعيد طلبة «الحقوق» فقد رفضوا هذا القرار معتبرين أنه يبخسهم حقهم، وظلم لهم، إذ رفضته الطالبة سارة الحمود واصفة اياه بالـ«ظالم» اكاديميا، مبينة ان طلبة الحقوق يسجلون بعض مواد كلية الشريعة كمواد اختيارية، بينما طلبة الشريعة يسجلونها رئيسية.
وتساءلت الحمود: «كيف تتم مساواة مخرجات الحقوق بالشريعة في ظل عدم تخصصهم القانوني ومعرفتهم السطحية»، مضيفة «هل يرضى الخدمة المدنية بمساواتنا بالمعلمين، وهل نستطيع ان نصبح معلمين للتربية الاسلامية؟ وأن نأخذ كادرهم الوظيفي؟»، مستنكرة في الوقت ذاته: «كيف لأهل الدين ان يحللوا رواتبهم الوظيفية، في ظل عدم قدرتهم على العمل في غير اختصاصهم؟».
من جانبه، رفض الطالب عيد المطيري القرار بشدة، مبينا أنه «من الظلم مساواتهم لحفظ الحق الشرعي لا القانون الوضعي، وأن الشريعة اسمى من القوانين الوضعية»، مضيفا ان «المسألة ليست مادية، بقدر ما هي متعلقة بالعلم نهجا وكماً».
ورأى المطيري أن القرار ظلم كلاً من الشريعة والحقوق، مشيرا الى ان «العدل في مساواتهم عبارة عن مسألة نسبية، وبالتالي لا يجوز مساواة الشريعة بالحقوق لكي لا يظلم طالب الحقوق عند مساواته بالشريعة والعكس». وبيَّن أن المقررات في «الحقوق» لا تدرس في الشريعة ولا طبيعة مقررات الشريعة موجودة في الحقوق، لافتاً إلى أنه «في الكثير من الدول المقاربة والتي دائما نقيس عليها، فإن تخصص الشريعة متمثل في جامعة أو كلية فقه وتفسير شاملة، وعليه لا يمكننا سلب اختصاصها ولا ان تسلب هي اختصاصاتنا».
قتل الطموح

من جهتها، أكدت الطالبة أنوار العتيبي إن القرار ظلمهم جدا لدراستهم الأسس القانونية بشكل دقيق وواضح، مبينة ان طلبة «الشريعة» ينظرون إلى القانون من جهة شرعية فقط، مبينة ان «القرار سيقتل طموحنا ويهمش مكانتنا الاجتماعية في المجتمع».
ودعت العتيبي اعضاء مجلس الأمة إلى اعادة النظر في القرار، مبينة ان الضغوط السياسية التي مارسها بعض النواب جعلت طلبة «الحقوق» ضحية.
بدوره، رفض الطالب باسل الكندري القرار لاختلاف طبيعة الدراسة في كلية الحقوق عن الشريعة، مبينا أنه يقتل الطموح ويهمش دور الكلية، لافتاً إلى أن خريج الشريعة قد يصبح باحثاً شرعياً، بينما يصبح خريج «الحقوق» باحثاً قانونياً، وشتان ما بين الاثنين، مبينا ان «هذا الموضوع يظلم الطلبة ويجب اعادة النظر به».
وقال الكندري ان هذا «القرار يدمر الحقوق ويبين توجهاً خطيراً للقضاء على الدولة المدنية»، موضحاً ان «اللجوء إلى القوانين الفقهية فقط يضرب بالدستور والدولة المدنية عرض الحائط».
في المقابل، أيد طالب «الحقوق» بدر الحسيني قرار مجلس الخدمة المدنية، مبينا انه يحمل بعضاً من الصحة، لتقارب بعض المقررات الدراسية مثل الفقه والميراث المطبق في دولة الكويت والأحوال الشخصية.
وقال الحسيني إن «القرار به عدالة ونوع من المساواة»، معبراً عن رأيه أنه لا مانع من مساواتهم، وحول الضغوط النيابية حول اقراره، مقرا بأن هناك ضغوطاً، ولكنها في النهاية تعتبر وجهات نظر ويجب احترامها.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.