مرّ القطاع النفطي الكويتي أخيرًا بمتغيرات قوية وسريعة، كان آخرها استقالة وزير النفط هاني حسين، وقبلها تغيير قيادات شركات النفط الحكومية، إلى جانب تكبد الكويت 2.2 مليار دولار لتعويض شركة داو كيميكال الأميركية، جراء إلغاء الكويت عقد شراكة مع الشركة. أربكت هذه التغييرات السريعة القطاع والمراقبين. ووصف المهندس سامي الرشيد، رئيس مجلس إدارة شركة نفط الكويت سابقًا، تغيير القيادات النفطية بأنه الحل الوحيد لطي صفحة الصراعات الدائرة في القطاع، في حين وصف الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور ذلك التغيير بأنه قرار غير حكيم في الوقت الحالي، وكان المفترض أن تسبقه معالجة الأنظمة الإدارية للقطاع، ثم تغيير الأشخاص.
لكن الرشيد وبوخضور أجمعا على تحميل الحكومة ومجلس الأمة جريرة فسخ عقد داو ودفع التعويض، ووصفا استقالة الوزير بأنها كبش فداء لا تخدم مصالح قطاع النفط. من جهتها، أبدت نقابات العاملين بالقطاع النفطي أسفها لاستقالة الوزير، مسجلة سلسلة الإصلاحات الجذرية التي أدخلها على القطاع رغم قصر المدة التي قضاها وزيرًا للنفط، مقارنة مع غيره من الوزراء، ووصفته بأنه رجل المواقف الوطنية الصلبة.
وقال الرشيد : “كان القطاع النفطي يعاني خلال الفترة الأخيرة من صراعات داخلية على المناصب والنفوذ على حساب المصلحة العامة، وفتحت هذه الصراعات الباب أمام تدخل السياسيين، وغذت وسائل الإعلام ذلك الصراع، ما ألحق بالقطاع النفطي أضرارًا أعاقت تنفيذ معظم المشاريع والبرامج التطويرية وألغت بعضها”.
اضاف: “من هذه المشاريع مثلًا مشروع تطوير حقول الشمال، وإنشاء المصفاة الرابعة، وصفقة داو كيميكال، والآن عقد شركة شل، وقبلهما مشروعين لم يتم إلغاؤهما ولكن أصابهما الضرر، وهما مصفاة ومجمع البتروكيماويات في فيتنام، ومشروع مصفاة ومجمع البتروكيماويات في الصين”.
وقال الرشيد إن هذه الصراعات وقفت عائقًا أمام تنمية وتطوير القطاع النفطي، ولم يعد هناك حلًا للأزمة سوى إجراء تغيير شبه شامل في قيادات القطاع لطي صفحة الصراعات، وفتح صفحة جديدة بفريق عمل جديد، لم تلوثه المصالح السياسة. وأكد أن فريق القيادات الجديد كان في الصف الثاني من القيادات التي جرى تغييرها، وهم يتمتعون بكفاءة مهنية عالية مشهود لهم بها، ويجب إعطاءهم فرصة الإمساك بزمام الأمور، والعمل بعيدًا عن التدخلات السياسية، “فأهم عامل لنجاح هذا الفريق الجديد هو إبعاد المصالح السياسية عنه”.
تناول الرشيد التغييرات المتوقعة، فقال: “إن التغييرات في القيادات النفطية لم تكن أمرًا مفاجئًا، وكان متوقعًا أن تتم في شهر سبتمبر المقبل، لكن تفجر مشكلة إلغاء عقد داو كيميكال، ودفع الكويت مبلغ 2.2 مليار دولار تعويضًا للشركة الأميركية عن ذلك الإلغاء، سرّع علمية تغيير القيادات بهدف وقف الصراعات”.
وأوضح أن المبلغ الكبير الذي دفعته الكويت للشركة الأميركية لم يكن شرطًا جزائيًا لإلغائها العقد، بل تعويضًا عن أضرار لحقت بالشركة، وتم إثبات تلك الأضرار أمام المحكمين.
ويشار إلى أن تغيير القيادات النفطية، طال تسعة من قادة شركات النفط المنضوية تحت مؤسسة البترول الكويتية، باستثناء الرئيس التنفيذي للمؤسسة الذي تم تغييره في وقت سابق.
وعن دور وزير النفط هاني حسين، الذي قدم استقالته هذا الأسبوع، وتم قبولها وتكليف وزير المالية مصطفى الشمالي بهذا المنصب إلى جانب وزارة المالية، قال الرشيد: “إن حسين هو ابن القطاع النفطي، أمضى سنوات طويلة في خدمته، هو على دراية تامة بظروف القطاع، ومشهود له بالكفاءة المهنية ونظافة اليد، وعندما تسلم وزارة النفط بدأ بإجراء خطوات إصلاحية على القطاع، منها مثلًا تغيير تركيبة مجلس إدارة مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، وتطعيم مجلسها بكفاءات وطنية ذات خبرة، لكن مشكلة دفع تعويض لشركة داو أخل بمسيرته وعجل بتنفيذ بعضها كتغيير قيادات القطاع”.
أما الحل الأمثل الذي يراه الرشيد لأزمة القطاع النفطي فيتمثل في إبعاد المصالح السياسة عن القطاع النفطي، وإعطاء الثقة لفريق القيادات النفطية الجديد كي ينجز المهام الصعبة الموكلة إليه، وتضافر الجهود لإنجاحه بدلًا من إحباطه.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور إن كثرة تغيير وزراء النفط هو أحد عوامل عدم استقرار هذا قطاع النفط الحيوي، الذي تشكل موارده الإيراد الرئيسي للدولة. فخلال ثلاثين سنة ماضية، تعاقب على وزارة النفط 17 وزيرًا، بمعدل وزير كل سنة ونصف السنة. في حين تعاقب على وزارة النفط السعودية خلال ثلاثين سنة ماضية ثلاثة وزراء فقط. ولهذا يفترض أن يتم اختيار وزير النفط في الكويت بعناية شديدة، وألا يكون خاضعًا لاعتبارات سياسية أو محاصصة. وإنما لكفاءته المهنية العالية.
وأضاف: أن كثرة تعاقب الوزراء على قطاع النفط الكويتي، والتدخلات السياسية التي يتعرض لها من قبل السلطة التشريعية ومن قوى لديها أجندة مصالح، أدت جميعها إلى عدم استقرار القطاع، وتعطيل أعماله، وتأخر مشاريعه، وإلغاء عقود كعقد داو وتسديد تعويضات عن الإلغاء، وعدم تأسيس كفاءات تسند إليها المسؤولية مستقبلًا.
وحول نظرته للتغيير الأخير، الذي طال قيادات القطاع النفطي، قال بوخضور: “ليس من الحكمة أن تلجأ الحكومة إلى تغيير الصف الأول من القيادات على النحو الذي تم قبل أيام، بل كان عليها أن تتقدم ببرنامج لإعادة هيكلة القطاع يتضمن إعادة صياغة لوائحه ونظم العمل فيه، والتأكيد على فصل المسؤوليات عن الصلاحيات بشكل يعالج الوضع القائم المخالف لأبسط المبادئ الإدارية، فمن يعتمد القرار هو الذي ينفذه ويراقب نتائجه ويصدر توصياته”.
أضاف: “تغيير القيادات سيضر كثيرًا بالقطاع النفطي، لذلك أعتقد أن موقف الحكومة لم يكن صحيحًا، فعملية تغيير القيادات النفطية بهذا العدد الكبير، ثم استقالة الوزير تنبئان بتقديم كبش فداء لأمور لا تخدم مصالح قطاع النفط، وكان الأجدى البدء بمعالجة الأنظمة، ثم تغيير الأشخاص”.
وحمّل بوخضور الحكومة ونواب مجلس الأمة مسؤولية فسخ عقد الكويت مع شركة داو كيميكال، ودفع مبالغ تعويض ضخمة لتلك الشركة، “فالحكومة مسؤولة لأنها استسلمت لضغوطات أعضاء مجلس الأمة، الذين كانوا يسعون لمكاسب سياسية”.
ما أن تم الإعلان عن استقالة وزير النفط، حتى سارعت نقابات العاملين في القطاع النفطي بإظهار أسفها لخروجه من الوزارة، مسجلة في إعلان نشرته الصحف الكويتية قبل يومين سلسلة الإصلاحات الجذرية التي أدخلها على القطاع رغم قصر المدة التي قضاها وزيرًا للنفط، مقارنة مع غيره من الوزراء. ووصفته بأنه رجل المواقف الوطنية الصلبة.
وذكرت من إنجازاته اتخاذ أكبر قرار إصلاحي بدعم صريح من القيادة السياسية العليا لتصحيح مسار القطاع النفطي، الذي بات يتخذ منحى تراجعي، مقارنة ببقية الشركات النفطية العالمية عبر الانتفاض على المحاولات المستمرة لتسييس القطاع من قبل بعض أعضاء البرلمان وأصحاب النفوذ والإعلام، وإعادة ترتيب البيت النفطي بقرارات إصلاحية جريئة تم من خلالها تغليب الجانب الفني والمهني بتعيين مجلس إدارة لمؤسسة البترول الكويتية من أصحاب الكفاءة والاختصاص، واختيار فرق عمل متجانسة للمناصب التنفيذية بعيدا عن الترضيات السياسية.
كما أوردت النقابات اتخاذ الوزير قرارات جريئة فور توليه الوزارة لمعالجة شبهات التلاعب الفاضحة في اختبارات التوظيف للمتقدمين للعمل في القطاع النفطي.
وقالت: “بالرغم من حدوث اتفاقية شراكة مشروع كي – داو في عهد سابق للوزير، إلا أنه طلب من مجلس الوزراء إحالته شخصيًا وملف داو بأكمله إلى نيابة الأموال العامة، في سابقة تاريخية تسجل له، كما يسجل له إيقاف وإنهاء خدمات القائمين على المشروع من شركة صناعة الكيماويات البترولية لحين انتهاء التحقيق”.
قم بكتابة اول تعليق