انهار الأب في ردهة المستشفى حينما أخبرته الطبيبة أن إبنته التي قتلها قبل ساعات في جريمة شرف كانت بكرا ولم ترتكب أية خطيئة.
بدأت القصة حينما سمع الرجل عبارات غير لائقة من شاب تقدّم لخطبة ابنته وأصّر هو على رفضه إتمام الزواج لرغبته بتزويجها من ابن عمها، فتوجه من فوره إلى المنزل وأخرج سلاحه الشخصي وأطلق رصاصتين باتجاه الفتاة معتبرا أن الكلمات التي رددها الشاب تدل على عدم عفة إبنته.
الشاب الذي أسمع الأب عبارات السخرية عن ابنته كان يظن أنه سيكون قادراً على إجباره تزويج ابنته له خوفاً من الفضيحة لكن النتائج جاءت بشكل معكوس وانهى حياة حبيبته بتصرف أحمق، أما الأب فبات يتحدث مع نفسه طوال الوقت حتى نعته الناس بالجنون.
ثلاثة رصاصات أردت زوجة شابة في الخامسة والعشرين من عمرها وأنهت حياتها، مثلما انتهت معها قصة الحب غير الشرعية التي جمعتها مع محمد جبار سائق التاكسي الذي تعرفت عليه بالصدفة.
فعندما عاد زوجها ذات يوم في غير موعده وجدها في حضن حبيبها فأقدم على قتلها وأضطر سائق التاكسي لدفع فصل عشائري وتغيير محل سكناه، أما الزوج فسلم نفسه للشرطة وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهي العقوبة المقرّرة لما يسمى بجرائم غسل العار.
ويبرر محمد القصة بأنها اخبرته انها أُجبرت على الزواج بعدما تركت الدراسة وأنها لا تحب زوجها وطلبت منه الطلاق مراراً.
ويتحدث سالم علي عن حادثة مماثلة جرت لأحد معارفه حيث قال “قتل صديقي طليقته بعدما طلقها بدعوى وجود علاقة بينها وبين شخص آخر، وبعد يومين على الحادث عثرت الشرطة على جثة الزوجة في منطقة الشعيبة الصحراوية في قضاء الزبير (20كلم غرب البصرة) إذ غالباً ما يتم رمي جثث النساء المغدورات في المناطق النائية.
ويقول النقيب في الشرطة المجتمعية حسام فاضل خلف أن “ظاهرة قتل النساء غسلاً للعار أو للشبهة بممارسة الدعارة من قبل أقربائهن أو من جهات مجهولة تتفاقم في مركز محافظة البصرة، ويأتي قضاء الزبير و قضاء شط العرب في المرتبة الثانية”.
ويتلخص عمل الشرطة المجتمعية التي تأسست كمديرية في شباط من عام 2012 و باشرت بالعمل بشكل فعلي خلال شهر نيسان من العام ذاته في حل القضايا والنزاعات المجتمعية.
ويعترف النقيب خلف بصعوبة المشكلة وتجذّرها ويؤكد “لا يمكن الحد من ظاهرة القتل غسلاً للعار برغم من أن العديد من منتسبينا ينتشرون في أنحاء المحافظة ويعملون على التدخل لمنع هذه الجرائم ضد النساء وغيرها من الحالات قبل حدوثها”.
ويؤكد على إجراء ندوات تثقيفية مكثّفة حول هذه الجرائم بالتعاون مع جامعة البصرة ومؤسسات المجتمع المدني.
وتتسبب العلاقات غير الشرعية بين نساء متزوجات ورجال آخرين في ارتكاب الكثير من جرائم الشرف في مدينة البصرة.
ويعزو الباحث الاجتماعي ياسر جاسم أسباب ذلك إلى أرغام الفتاة من قبل ذويها على الزواج المبكر ويقول إن “إرغام المرأة على الزواج في سن مبكر وارتباطها بشخص لا تجمعها به أية عاطفة يدفع بالكثيرات من النساء إلى سلوك يدينه المجتمع بصورة قاسية”.
وتعود جذور جريمة غسل العار إلى التشريعات العشائرية والقبلية القديمة المتوارثة، ويقول الشيخ محمد ياسر أحد شيوخ العشائر في محافظة البصرة إن شيوخ العشائر يحاولون تسوية الأمور بطريقة مناسبة لجميع الأطراف بعيداً عن سفك الدماء.
ويضيف “في حال خيانة الزوجة للزوج تكون هناك ديّة فصل بمبلغ مالي من قبل الزاني معها يدفع إلى الزوج كما تدفع ديّة ثانية لأهل الزوجة، ويجري تطليق الزوجة إن اكتفى الزوج بهذا”.
لكنه يعترف بأن قانون العشائر يجيز للزوج قتل الزوجة الخائنة كما يجيز ذلك لذوي الزوجة ويضيف إن “كانت المرأة غير متزوجة فيتم إجبار الزاني على الزواج منها إذا كان شخصاً معلوماً و إن كان غير معلوم وإذا رفض الزواج منها فيتم قتلها.
وفي حين أحصت وزارة حقوق الإنسان في العراق عدد ضحايا جرائم الشرف بـ(160) إمرأة في العامين الماضيين في عموم البلاد، ولا تتوفر إحصائيات دقيقة في محافظة البصرة حول هذه الجرائم المتكررة.
وتطالب الناشطة في منظمات المجتمع المدني هناء أدور بإنصاف النساء وتغيير القوانين السارية مؤكدة على أن القانون متسامح مع مرتكب جريمة قتل المرأة رغم انها جريمة مثل الجرائم الأخرى.
ومع تصاعد وتيرة النعرة العشائرية وتزمُّت بعض الجهات الدينية، إضافة إلى تفشي الأمية بصورة كبيرة تغدو قصص الحب والخيانات الزوجية مكلفة جداً لنساء البصرة.
قم بكتابة اول تعليق