أصدرت هيئة التحكيم لغرفة التجارة الدولية أخيرا قرارها المنتظر بشأن قضية المشاركة في مشروع الشراكة بين كل من شركة صناعة الكيماويات البترولية التابعة لمؤسسة البترول الوطنية وشركة داو كيميكالز والخاص بشركة كي داو بتعويض الشركة بمبلغ إجمالي يصل إلى 2،161 مليار دولار أميركي دون أن يشمل المبلغ قيمة الفوائد والأكلاف لنعيش معها قضية سياسية أخرى من مسلسل الإخفاقات المتكررة التي سئمنا من الحديث عنها.
إن قرار إلغاء الصفقة، بعيدا عن الخوض في ما ذهب إليه البعض من وجود شبهات تنفيع وعمولات وشكوك حولها والتي لست هنا في محل تأكيدها أو نفيها أو حتى التدليل عليها، فلا ينفعنا اليوم البكاء على اللبن المسكوب، قد جاء نتيجة لرضوخ رئيس الحكومة لضغوظات نيابية تم ممارستها من مجاميع سياسية مختلفة دون أن يكون هناك أي اعتبار لتبعات هذا القرار وتداعياته الدولية، فقد تم بناء على نظرة ضيقة أساسها تطبيق مبدأ الترضيات للمحافظة على المكتسبات السياسية الهشة التي لم تنفع رئيس الوزراء وقت رحيله. وقد جاء قرار مجلس الوزراء بعد أيام معدودة من تأكيدات وزير النفط وقياديي مؤسسة البترول بالمضي قدما بالصفقة، معللا ذلك بانخفاض أسعار النفط بصورة شديدة وانخفاض شديد في قيمة المطلوب ونظرا لتداعيات الأزمة الأقتصادية والتي لا يمكن تحديد أثارها على المدى الزمني المنظور علما بأن كل هذه المسببات قد نشأت قبل قرار الإلغاء بفترة ليست بقصيرة ما يؤكد ان سبب الإلغاء الأول والأخير هو سبب سياسي بحت.
ولعل ما شاب الاتفاق المبرم من شبهات يدعونا إلى التساؤل عن دور الجهات الرقابية في متابعة الالتزامات والعقود المبرمة مع الجهات الحكومية المختلفة، فكيف لعاقل أن يحدد الشرط الجزائي لإلغاء الإتفاق بمبلغ يزيد على 27 في المئة من قيمة الإلتزام المالي الناتج عن الاتفاق؟ وهل كان العقد كما ادعى البعض يحتوي ضمن المادة الثانية من البند العاشر منه إمكانية إلغاء العقد في حالة استخدام الكويت حقها السيادي في إلغاء العقد من خلال اعتراض الحكومة عليه دون أن يكون لذلك أي أثر أو التزام مالي؟ ولماذا لجأ مجلس الوزراء إلى عدم اتخاذ قرار إلغاء الصفقة وحوله إلى المجلس الأعلى للبترول وذلك استنادا إلى الحق السيادي الذي لو اتخذ لجنب الكويت تبعات هذا الالتزام؟ وهل كان يعلم كل من مجلس الوزراء وأعضاء المجلس الأعلى للبترول هذه الحقيقة؟ ولماذا لم يتم الالتزام بقرار مجلس الوزراء رقم 11 لسنة 1988 بخصوص أن يتضمن العقد في شروطه بندا واضحا وصريحا في أن القضاء الكويتي هو المختص في الفصل بأي نزاع ينشأ بين أطراف العقد وغيرها من التساؤلات التي حان الوقت لتكشف أمام الشعب الكويتي لمعرفة المتسبب في هذه الكارثة؟
لم تخسر الكويت قيمة التعويض المالي والذي فاق المليارين دولار فحسب، بل أنها خسرت كذلك شراكة إستراتيجية مع إحدى كبريات شركات النفط والتي ترتبط معها عبر علاقة وثيقة عبر شراكتها معها في شركة إيكويت والتي تمتلك فيها شركة الداو كيميكالز نسبة 42.5 في المئة وخسرت كذلك مكانتها الاقتصادية نتيجة لعدم التزامها المتكرر بالعهود والعقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، فساهمت بذلك في تشويه سمعة ومكانة الكويت الاقتصادية وهي بالتالي ستقلل من رغبة الشركات الأجنبية الأخرى في المشاركة في المشاريع المستقبلية في جميع القطاعات الأخرى وليس القطاع النفطي فحسب، وذلك ضمن خطة التنمية المنتظرة. كما أنها شجعت شركة الداو كيميكالز للتوجه المباشر إلى المملكة العربية السعودية وغض النظر عن الاستثمار مع مؤسسة البترول على الرغم من محاولاتها لحل المشكلة بشكل ودي من خلال التعاقد مع شركة أرامكو لإنشاء شركة بقيمة 26.4 مليار دولار وذلك لإنشاء مشروع يتضمن 26 مجمعاً صناعياً يتم بناؤها على مرحلة واحدة، علما بأنه من المتوقع أن يحقق المشروع في حالة وصوله إلى قدرته التشغيلية الكاملة إلى أرباح قد تصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار سنويا.
إن من سيقوم بسداد المبالغ المالية الناشئة من الشرط الجزائي لن يكون من الحساب الشخصي لرئيس الوزراء ولن يكون مجلس الوزراء أو النواب أو مؤسسة البترول، ولكن هذا المبلغ سيكون على حساب أفراد المجتمع بشرائحه وطوائفه وأعماره كافة، ويبقى السؤال المهم في كل قضية تخص الأموال العامة والمحافظة عليها والتي أقسم عليها الوزراء والنواب وهو متى سنتمكن من تحديد المسؤول عن ضياع هذه الأموال؟ وهل سيحاسب هؤلاء عما تكبدته الكويت من خسائر مالية ضخمة يمكن أن تذهب في بناء المستشفيات والجامعات والمدارس والمصانع والمعاهد وفي حل مشكلة التوظيف والإسكان، وعليك أن تتخيل عزيزي القارئ من أن هذا المبلغ وحده يمكن أن يشكل وحده حوالي أكثر من 8570 قرضا إسكانيا لتكتشف حجم هذه الفاجعة!!!
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق