البغاء في أوربا حائر بين التسامح الألماني والتشدد السويدي

في ألمانيا، بائعة الهوى سيدة أعمال، بالرغم من أنها في كل الأحوال ضحية متاجرة بالبشر، وفي السويد، البغاء ممنوع، ومصير القواد والمتاجر بالبشر إلى السجن. أما أوروبا، فحائرة بين النموذجين، إلا أن الكفة ترجح شيئًا فشيئًا للخيار السويدي.

وعندما أجازت المانيا البغاء قبل أكثر من عشر سنوات، أعرب سياسيون عن الأمل بأن يؤدي هذا الاجراء إلى توفير ظروف أفضل للعاملات في تجارة الجنس. لكن النتائج جاءت عكس المتوقع، وما زال الاستغلال والمتاجرة بالبشر من المشاكل الكبيرة في المانيا.

وفي العام 2001، أصدر البرلمان الالماني قانونًا هدفه تحسين ظروف عمل بائعات الهوى. ومن حق الباغية بموجب القانون أن تلجأ إلى القضاء بشأن أجورها، وأن تساهم في برامج الضمان الصحي واعانات البطالة وصناديق التقاعد.

وقبل صدور القانون، لم يكن البغاء نشاطًا ممنوعًا، لكنه يُعد ممارسة لا أخلاقية. وكانت السلطات تغض الطرف عن وجود المواخير وتطلق عليها تعبيرًا ملطفًا هو “استئجار غرف لأغراض تجارية”. ويُقدر أن هناك ما بين 3000 و3500 ماخور، فيه مثل هذه الغرف ذات الأغراض التجارية والخدمية، وأن البغاء صناعة تبلغ عائداتها السنوية نحو 14.5 مليار يورو.

ويُقدر أن هناك نحو 500 ماخور في برلين و270 ماخورًا في ولاية زارلاند جنوب غربي المانيا على الحدود الفرنسية، يتردد عليها كثير من الفرنسيين. ويستقبل نادي ارتميس للحمامات البخارية قرب مطار شونفيلد في برلين زبائن من بريطانيا وايطاليا. وتنظم وكالة سفر جولات سياحية على مواخير المانيا، تصل مدتها إلى 8 أيام.

و خلصت دراسة أجراها معهد ماكس بلانك إلى أن الأرقام الرسمية عن المتاجرة بالبشر لا تقول الكثير بشأن الحجم الحقيقي لهذه السوق. وبحسب تقرير قُدم أخيرًا إلى المفوضية الاوروبية، هناك أكثر من 23600 ضحية لهذه الجريمة في الاتحاد الاوروبي، يتعرض ثلثهن للاستغلال الجنسي. ويتساءل مراقبون ما إذا كان القانون الالماني يساعد المتاجرين بالبشر في الواقع، وما إذا شجع على ممارسة البغاء ومعه هذه التجارة غير الإنسانية.

في هذه الأثناء، قررت دول أوروبية اقتدت بمثال المانيا أن تنبذ النموذج الالماني وتمضي في الاتجاه المعاكس الذي سارت فيه السويد. فقبل عامين على صدور قانون إجازة البغاء في المانيا، اصدر السويديون قانونًا يحظره.

وما زال البغاء موجودًا في السويد بطبيعة الحال، لكن نشاط بائعات الهوى في الشارع انخفض بمقدار يزيد على النصف، وانخفض عدد العاهرات من 2500 إلى نحو 1000. ويأتي قوادون بنساء من اوروبا الشرقية في حافلات صغيرة، وكثيرا ما يقمن في ضواحي المدن، لكن البغاء لم يعد نشاطاً واسعًا في السويد.

ولا ينظر القانون السويدي في حظر البغاء إلى حق بائعة الهوى في اتخاذ قرارات مستقلة، بل يستند إلى مساواة الرجل والمرأة التي ينص عليها الدستوران السويدي والالماني. ويقول السويديون إن البغاء استغلال وأن هناك على الدوام اختلالاً في ميزان القوى، وحقيقة أن بمقدور الرجل أن يشتري جسد المرأة من أجل الجنس تكرس نظرة إلى المرأة تنتقص من حقوق المساواة وتحط من مكانة النساء.

وتعاقب السويد الزبون والقواد والمتاجر بالبشر، ولكنها لا تعاقب بائعة الهوى نفسها. وتهدف هذه المعالجة إلى مكافحة الطلب على الجنس بثمن، وجعل تجارة الجنس غير مربحة على مهربي النساء ومستغليهن. وقبل عامين، شددت السويد العقوبة القصوى على ثالوث الزبون والقواد ومهرب البشر من السجن 6 اشهر إلى السجن 12 شهرًا. واعتقلت الشرطة 3700 رجل بهذه التهم منذ العام 1999.

وتعمل عدة بلدان اوروبية الآن بالنموذج السويدي. وفي ايسلندا التي اصدرت قانونًا مماثلًا للقانون السويدي، يفكر السياسيون حتى في حظر الافلام الاباحية على الانترنت. وتعاقب النرويج الرجال الذين يشترون الجنس منذ العام 2009، وتمنع برشلونة طلب خدمات كهذه من بائعة الهوى في الشارع. ويعاقب القانون الفنلندي منذ العام 2006 زبائن بائعة الهوى التي تعمل لحساب قواد أو كانت ضحية متاجرة بالبشر.

ويريد كثيرون في فرنسا الاقتداء بمثال السويد. وكانت وزيرة حقوق المرأة الفرنسية نجاة بلقاسم أعلنت قبل تولي مهامها أن هدفها هو القضاء على البغاء. واعتبر سياسيون وعلماء اجتماع مثل هذه الفكرة خيالية، وينص مشروع القانون الذي اعدته بلقاسم على السجن مدة تصل إلى ستة اشهر وغرامة قدرها 3000 يورو على زبائن المواخير وبائعات الهوى. لكنّ مراقبين لا يتوقعون أن تحقق بلقاسم هدفها في وقت قريب.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.