“هنا الكويت” تنشر دراسة أحمد السعدون عن حكم الدستورية في الصوت الواحد

نشر رئيس المجلس الاسبق أحمد السعدون من حسابه على تويتر دراسة عن حكم المحكمة الدستورية وفيما يلي نص الدارسة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [٨٠ الإسراء]

لم يتحقق لأي تشريع في الكويت التوافق عليه بين القوى الشبابية والشعبية التي استمرت في تجمعاتها ومطالباتها بتغيير نظام الدوائر الانتخابية وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية مثلما تحقق للقانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة.

إلا إنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن تقديم أول استجواب لرئيس مجلس وزراء في الكويت بتاريخ ٢٠٠٦/٥/١٧ كان بعد أن قررت الأغلبية من أعضاء مجلس الأمة (٢٠٠٣) تقديمه باجتماع عقدته هذه الأغلبية بتاريخ ٢٠٠٦/٥/١٦ وذلك بعد أن اتخذت الحكومة موقفاً اعتبرته الأغلبية تراجعا عن مشروع القانون بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية الذي تقدمت به الحكومة إلى المجلس وذلك بعد أن صوتت مع الإقتراح الذي تقدم به بعض الأعضاء بالطلب من المحكمة الدستورية تفسير بعض مواد الدستور في محاولة لوقف النظر في مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، ذلك لأن ما تقدمه الحكومة من مشروعات قوانين هو أمر يدخل ضمن كامل سلطاتها الدستورية ، بغض النظر عن الاتفاق عليه أو الاختلاف حوله، وعليه فإن الواجب يفرض عليها اذا ما شعرت في أي وقت أن ما تقدمت به من مشروعات قوانين تشوبها أي مثالب أو شبهات دستورية أو غيرها فإنها قادرة وهي التي وضعت مشروع القانون أن تقوم بتصويب وتصحيح أي عيب تراه فيه بل وإزالة أي شبهة هي على بينة منها يقيناً وتقديم ذلك إلى مجلس الأمة بإرادتها المنفردة المطلقة أو حتى تقديم مشروع قانون آخر، إلا أن ما كان مستغرباً ما أقدمت عليه الحكومة من فعل بالموافقة على طلب إحالة مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية بشكل غير مباشر من خلال طلب تفسير بعض مواد الدستور وهو ما اعتبرت معها الأغلبية في مجلس (٢٠٠٣) هذه الموافقة إجراء متعمداً مع سبق الإصرار لتعطيل البت في هذا الموضوع الحيوي الهام خلافاً لما التزمت به الحكومة أمام مجلس الأمة ، وموقفاً مؤدياً الى إعاقة مساعي الاصلاح “”.

وعلى الرغم من حل مجلس الأمة قبل مناقشة الاستجواب المشار إليه، إلا أنه تجاوباً مع ما كانت تطالب به القوى الشبابية والشعبية بالإضافة إلى مطالبة الأغلبية في ذلك المجلس المنحل، تقدمت الحكومة إلى مجلس الأمة بتاريخ ١١ من يوليو ٢٠٠٦ وذلك بعد إجراء الانتخابات العامة، بمشروع قانون بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية ( خمس دوائر وأربعة أصوات) مرفقا بالمرسوم رقم ١٩٨ لسنة ٢٠٠٦، وكان من بين ما أوردته المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المشار إليه للتأكيد على أنه دُرِس دراسة متأنية وعميقة ووافية ودستورية ما يلي:

“” صدر القانون رقم ٧٨ لسنة ١٩٦٦ في شأن تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة ، وبمقتضاه قسمت الكويت إلى عشر دوائر انتخابية ، على أن تنتخب كل دائرة من هذه الدوائر خمسة أعضاء لمجلس الأمة ، وقد تمت الانتخابات العامة في الكويت على أساس هذه الدوائر حتى صدور المرسوم بقانون رقم ٩٩ لسنة ١٩٨٠ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة ، الذي أعاد تقسيمها من جديد ، فنص في مادته الأولى على أن ” تقسم الكويت إلى خمس وعشرين دائرة انتخابية لعضوية مجلس الأمة طبقاً للجدول المرفق بهذا القانون ، على أن تنتخب كل دائرة عضوين للمجلس” ، وقد جرت الانتخابات للفصول التشريعية الأخيرة على أساس هذا التقسيم .

غير أنه ومن خلال الممارسة الفعلية للانتخابات البرلمانية للفصول العشرة الماضية برزت بعض السلبيات والمثالب المتعلقة بالعملية الانتخابية ، الأمر الذي استوجب إعادة النظر إليها بطريقة فاحصة شاملة من جميع الجوانب والأبعاد لمعالجة أوجه القصور والسلبيات التي تشوبها ، وذلك على أساس عملي وعلمي سليم يؤدي إلى معالجة تلك السلبيات والحد من آثارها والارتقاء بالمممارسة البرلمانية وتصويب مسارها وتحقيق الغايات الوطنية المنشودة ، ذلك أن التقسيم الحالي للدوائر الانتخابية أدى إلى الكشف عن مظاهر سلبية يتمثل أهمها في بروز مظاهر الطائفية والقبلية والفئوية التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتخل بتمثيل البرلمان للأمة تمثيلاً صحيحاً ، وكذلك التلاعب بالجداول الانتخابية من خلال نقل القيد غير القانوني ، وتغليب الدور الخدمي على الدور التشريعي والرقابي لدى بعض النواب ، وبروز ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية والتأثير على الناخبين بمختلف الصور ، إلى جانب التباين الكبير في عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية .

وبعد الدراسة المتأنية والعميقة فقد أستقر الرأي على القانون الماثل والذي تنص مادته الأولى على تقسيم مناطق الكويت إلى خمس دوائر انتخابية لعضوية مجلس الأمة وفق التوزيع المبين في الجدول المرافق للقانون ، ينتخب كل منها عشرة أعضاء .

وتحقيقاً للمصلحة الوطنية ، فقد نصت المادة الثانية من القانون على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لما لا يزيد عن أربعة من المرشحين في الدائرة المقيد بها، وأن يعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد ، وذلك بما يتيح المجال لكافة شرائح المجتمع الكويتي وفئاته في التمثيل البرلماني ويحد من احتمالات الاحتكار الفئوي في الدوائر الانتخابية إذا ترك الأمر دون تقييد .

وقد استهدف القانون توسيع القاعدة الانتخابية في كل الدوائر ، وتكريس مبدأ العدالة في التمثيل والمساواة لجميع الناخبين ، وترسيخ المفاهيم الدستورية والديمقراطية الحقة ، بما يحد من التأثيرات السلبية المرتبطة بقلة عدد الناخبين في الدائرة ، كما أنه يتفادى الوضع المطبق حالياً والذي يحمل النائب على اعتبار نفسه ممثلاً لدائرته فقط لا مجموع أمته مما يهدم معه ركناً هاماً من أركان النظام النيابي ، وما يترتب على ذلك من إضعاف مقومات الوحدة الوطنية والتأثير على تلاحم المجتمع الكويتي وتماسكه المعهود .

هذا ، وقد جاءت التعديلات في إطار المبادئ
والقواعد الدستورية المستقرة التي تمنح المشرع سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق في اختيار النظام الأكثر ملاءمة وتحقيقاً للأغراض المتوخاة طالما كان تقديره قائماً على أسس موضوعية مستهدفاً غايات مشروعة كافلاً وحدة تطبيق القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم أو أوضاعهم أو مراكزهم ، وهو بذاته ما سعى إليه هذا التعديل تلبية لمقتضيات مصلحة وطنية عليا ، ناهيك عن معالجة العيوب والمآخذ المترتبة على تطبيق النظام الحالي ، والتي بدأت في التنامي والازدياد ، خاصة وأن التعديل المطروح لا يحمل بذاته أي مساس بالحقوق السياسية للناخبين والمرشحين على النحو الذي أورده الدستور ، حيث يحرص التعديل على أن يتساووا جميعاً في الحقوق والواجبات الدستورية في أدائهم للعملية الانتخابية ، بل يحمل التعديل بالقطع تدعيم لكيان الدولة وتثبيت لأركانها وتحقيق التلاحم المنشود بين أبنائها .””(انتهى)

وهو ما انتهى المجلس إلى الموافقة عليه وصدر به بعد ذلك القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦

وقد أجريت وفقا للقانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ انتخابات مجلس ٢٠٠٨ وانتخابات مجلس ٢٠٠٩ وهذا المجلس الأخير هو الذي قال الشعب الكويتي كلمته فيه من خلال تجمعاته المتواصلة في ساحة الإرادة وأعلن موقفه المدوي الرافض لاستمراره حتى صدر بتاريخ ٦ من ديسمبر ٢٠١١ المرسوم رقم ٤٤٣ لسنة ٢٠١١ بحله استنادا لأحكام المادة ١٠٧ من الدستور.

وبتاريخ ٢٠١٢/٢/٢ اختارت الأمة ممثليها في ثالث انتخابات تجرى وفقاً للقانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ وعقد المجلس الجديد جلسته الافتتاحية بتاريخ ٢٠١٢/٢/١٥

وإذا كانت المحكمة الدستورية ومن خلال طعون قدمت إليها بعد انتخابات فبراير ٢٠١٢ حكمت بعودة مجلس ٢٠٠٩ بسبب خطأ إجرائي بمرسوم الحل كما ورد في الحكم ، وأبطلت بناء على ذلك مجلس ٢٠١٢

فإن الأمر كان يستوجب تصحيح الخطأ الإجرائي فوراً وحل مجلس ٢٠٠٩ الذي اسقطه الشعب الكويتي والدعوة لانتخابات جديدة تختار فيهاالأمة ممثليها.

إلا أن الرغبة المبيتة في تعطيل الدور التشريعي والرقابي لمجلس الأمة بل وتعطيل أحكام الدستور من قبل الحكومة – خاصة بعد الدور التشريعي والرقابي الذي اضطلعت به الأغلبية في مجلس فبراير ٢٠١٢ – جعلت الحكومة تتلقف ما طرح من آراء تقول بعدم دستورية قانون الدوائر الانتخابية لتأخذ من ذلك سببا للمماطلة وللإبقاء على مجلس ٢٠٠٩ متحدية بذلك إرادة الإمة بحجة تبني الحكومة للطعن في قانون الدوائر الانتخابية لتحصينه وضمان سلامة أي انتخابات تجرى وفق أحكامه.

وعلى الرغم من كل المبررات التي ساقتها الحكومة للطعن بدستورية كل من المادتين (الأولى) و (الثانية) من القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ وهي التي كانت قد أوضحت في مذكرته الإيضاحية عند تقديمه كمشروع قانون إلى مجلس الأمة كل ما سلف الإشارة إليها مما ذكرت الحكومة إنها قامت بها من دراسات متأنية وعميقة ووافية ودستورية ومن أسباب أخرى للموافقة على مشروع القانون ، فقد حكمت المحكمة الدستورية برفض الطعن وبدستورية كل من المادتين (الأولى) و (الثانية)، وكان مما ورد في هذا الحكم ما يلي:

“”حكم المحكمة الدستورية في الطعن المباشر بعدم دستورية المادتين (الأولى) و (الثانية) من القانون رقم (٤٢) لسنة ٢٠٠٦ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة .
المرفوع من مجلس الوزراء
والمقيد في سجل المحكمة الدستورية برقم (٢٦) لسنة ٢٠١٢”دستوري”.
( الجلسة المنعقدة علناً بالمحكمة بتاريخ ٩ من شهر ذو القعدة ١٤٣٣هـ الموافق ٢٥ من سبتمبر ٢٠١٢م.

“”بعد ذِكر الوقائع””
المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.

حيث إن طلب الطعن قد استوفى إجراءاته الشكلية المقررة قانونا:

وحيث إنه يتعين – بادئ ذي بدء – وجوب الإشارة إلى ما يلي:

أولا: أن الطلب الماثل ليس طلباً للتفسير تتحرى بشأنه المحكمة خلافاً بين أطرافه حول تفسير نص في الدستور، وإنما هو طعن مباشر بعدم الدستورية مرفوع بطلب من مجلس الوزراء طبقاً للبند (أ) من المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة. وجدير بالذكر في هذا المقام أن المشرع في تحديده لطرق استنهاض اختصاص هذه المحكمة والذي أورده بنص هذه المادة استعمل لفظ “المنازعات” بمعنى “الخصومات” بما يتسع هذا المعنى لشمول الدعاوى والطعون أيضاً التي ترفع أما هذه لمحكمة. ومن المقرر – وعلى ما جرى به قضاؤها – أن الخصومة في مثل هذا الطعن عينية موجهة أصلاً إلى النص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية، مناطها هو اختصام ذلك النص في ذاته استهدافاً لمراقبته والتحقق من مدى موافقته للدستور، والطعن بهذه المثابة – وبحسب طبيعته الخاصة – ليس طعناً بين خصوم، ولكنه طعن ضد النص التشريعي المطعون عليه، وبالتالي لا يتصور لا واقعاً ولا قانوناً جواز التدخل إختصامياً أو انضمامياً في ذلك الطعن، أو القول بإمكان المحكمة إدخال مجلس الأمة خصماً في الطعون الموجهة أصلاً إلى التشريعات التي يكون المجلس قد أقرها أو وافق عليها للدفاع عن سلامتها، أو ليصدر لحكم في مواجهته، باعتبار أن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة لها حجية مطلقة في مواجهة الكافة وجميع سلطات الدولة.

ثانيا: أن رقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة يقف مجالها عند حد التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور، وهي رقابة لها طبيعة قانونية لا جدال فيها، وبالتالي فلا يسوغ التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته – مهما بلغت أهميته وأبعاده وآثاره – يعتبر عملا سياسياً، أو أن في استنهاض اختصاصها إقحام لها في المجال السياسي، أو التحدي بمعاملة تشريع معين باعتباره من الحقوق الثابتة لأي من السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يجوز نقضه، إذ أن من شأن ذلك أن يُفرِغ رقابة الدستورية من مضمونها، بل يجردها من كل معنى ويفضي إلى عدم خضوع أي عمل تشريعي لرقابة الدستورية، وهو أمر لا يستقيم – في فهم القانون – القول به، فجهة الرقابة على الشرعية الدستورية لا تتخلى عن مسؤوليتها، ملتزمة بأداء وظيفتها القضائية التي أولاها إياها الدستور، باعتبارها الحارسة على أحكامه، تدعيما لمبدأ سيادة الدستور بوصفه المعبر عن إراد الأمة، ضماناً لصون الدستور والحفاظ على كيانه.

ثالثا: أن الدستور وقد رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، وكل سلطة تستمد كيانها واختصاصها من القواعد التي رسمها لها الدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة، فالسيادة هي للأمة طبقاً لصريح نص المادة (٦) منه، وإرادتها جرى التعبير عنها في الدستور، أما عن النص الوارد في المادة (١٠٨) من الدستور بأن عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها، فمعناه أن يكون عضو المجلس مستقلاً كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس أسيراً لمؤيديه من أبناء دائرته، تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وإنا يرعى المصلحة العامة، دون تجاوز هذا المعنى.

رابعا: أن هذه المحكمة مقيدة في قضائها بنطاق الطعن المطروح عليها، والمناط في إعمال رقابتها الدستورية – وحسبما استقر عليه قضاؤها – أن يكون أساس الطعن هو مخالفة النصوص التشريعية المطعون عليها لنص في الدستور، ولا شأن للمحكمة في بحث مدى ملاءمة هذه النصوص، ولا ما ظهر فيها من قصور ومثالب من جراء تطبيقها، ولا بالإدعاء بأن تلك النصوص لم تؤت أُكلها وتحقق غاياتها، فهذه الأمور قد يستدعي معها النظر في تعديلها إذا كانت غير وافية بالمرام وذلك بالأداة القانونية المقررة طبقاً للدستور، بيد أنها لا تصلح ن تكون سبباً للطعن عليها بعدم الدستورية لخروج ذلك عن مجال الرقابة القضائية لهذه المحكمة.

وحيث إن المادة (الأولى) من القانون رقم (٤٢) لسنة ٢٠٠٦ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة تنص على أن “تقسم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية لعضوية مجلس الأمة طبقاً للجدول المرافق لهذا القانون”،

كما تنص المادة (الثانية) من ذات القانون على أن “تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس، على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لأربعة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد”.

وقد تكفل الجدول المرافق للقانون ببيان المناطق التي تتكون منها كل دائرة انتخابية من الدوائر الخمس.

وحيث إن الثابت من طعن الحكومة أنه قد انصب نطاقه على نص المادتين سالفتي الذكر، وذلك فيما تضمنتاه من تحديد الدوائر الانتخابية، ونطاق كل دائرة ومكوناتها، وعدد الأعضاء الممثلين لها في مجلس الأمة، وعدد المرشحين الذي يجوز للناخب الإدلاء بصوته لهم، وعلى إغفال الجدول المرافق للقانون إدخال بعض المناطق في أي من هذه الدوائر، بمقولة أن هاتين المادتين المطعون عليهما قد أخلتا بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وهو ما أنعكس أثره سلباً على صحة وسلامة تمثيل الأمة في مجلسها النيابي بالمخالفة للمواد (٧) و (٨) و (٢٩) و (١٠٨) من الدستور، مستهدفة الحكومة بطعنها القضاء بعدم دستورية نص الماديتن سالفتي الذكر برمتهما.

وحيث إن الطعن الماثل – وقد تحدد نطاقه على هذا النحو – وكان الدستور الكويتي لم يحدد الدوائر الانتخابية التي يقسم إليها إقليم الدولة، ولم يضع قيوداً في شأن تحديد عددها، ولا في عدد النواب الممثلين لكل دائرة منها في مجلس الأمة، وإنما ترك ذلك للمشرع يجريه بما له من سلطة تقديرية في الشأن، واكتفى الدستور بالنص في المادة (٨١) منه على أن “تحدد الدوائر الانتخابية بقانون”، أي بتشريع يتناول تحديد هذه الدوائر، وهي إما أن تقوم على أساس عدد السكان، وإما أن تكون على أساس جغرافي، ويساند ذلك ما جاء بمناقشات المجلس التأسيسي في هذا الصدد إبان إعداد الدستور في مراحله الأولى التي تلقي بظلالها على تأكيد هذا المفاد.

لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة لا تملك إلزام المشرع بتحديد عدد الدوائر الانتخابية أو تقسيمها على نحو معين، وبالتالي فإنه ليس من شأن تحديد القانون في (المادة الأولى) منه الدوائر الانتخابية بخمس دوائر أن يشكل – في حد ذاته – مخالفة لنص الدستور، فضلاً عن أن العبارة التي أستهل بها النص على أن “تحدد الدوائر…” تنصرف إلى تحديد التخوم بين دائرة وأخرى بما يفيد تعددها، وهذه المحكمة مجردة من الوسائل القضائية التي تعيد بها تحديد هذه الدوائر ومكونات كل دائرة منها بإدخال المناطق المقول بأن الجدول المرافق للقانون قد أغفل إدراجها ضمن أي من الدوائر الانتخابية المشار إليها. هذا وقد لاحظت المحكمة من استعراضها للمراحل التشريعية التي مر بها تحديد الدوائر الانتخابية أن الأسباب والدوافع التي أشارت إليها الحكومة في طلب الطعن الماثل لا تعدو أن تكون هي ذات الأسباب والدوافع التي أشارت إليها المذكرات الإيضاحية للقوانين المتعاقبة الصادرة في هذا الشأن، والتي اقتضى معها النظر في تعديل تحديد الدوائر أكثر من مرة، كان آخرها القانون رقم (٤٢) لسنة ٢٠٠٦ المشار إليه الذي صدر بعد أن وافق عليه مجلس الأمة. أما بالنسبة إلى ما أثارته الحكومة في طلب الطعن متعلقاً بنظام التصويت في كل دائرة بما لا يجاوز أربعة مرشحين، والذي ورد النص عليه في (المادة الثانية) من القانون سالف الذكر بمقولة أن هذا النظام قد تم استغلاله في ارتكاب مخالفات انتخابية وأنه قد أسفر تطبيقه عن أوجه قصور وظهور سلبيات ونتائج لم تعبر بصدق عن طبيعة المجتمع الكويتي وتمثيله تمثيلاً صحيحاً، فإن ما ذكرته الحكومة في هذا السياق على النحو الوارد بأسباب الطعن لا يكشف بذاته عن عيب دستوري، ولا يصلح سبباً بهذه المثابة للطعن بعدم الدستورية لانحسار رقابة هذه المحكمة عنه. كما لا وجه لما تثيره الحكومة من أن القانون في تحديده لمكونات كل دائرة في الجدول المرافق له لم يكن متوازناً، نظراً للتفاوت بين عدد الناخبين في هذه الدوائر وأنه كان من شأن هذا التفاوت على النحو الوارد به أن تفاوت الوزن النسبي لصوت الناخب في كل منها، بحيث صار للناخبين في الدوائر الانتخابية الأكثر كثافة أصوات وزنها أقل من وزن أصوات الناخبين في الدوائر الأقل، بما يخل بمبدأ المساواة، مستندة في ذلك على بيان إحصائي جرى في عام ٢٠١٢، إذ أنه فضلاً عن أن المساواة المقصودة ليست هي المساواة المطلقة أو المساواة الحسابية، فإنه لا يسوغ في مقام الوقوف على مدى دستورية القانون التحدي بواقع متغير لتعيب القانون توصلاً إلى القضاء بعدم دستوريته.

وترتيباً على ما تقدم، يكون الطعن على غير أساس حرياً برفضه.

فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: برفض الطعن. (انتهى)

وللتذكير فقط وللتعرف على حقيقة ما كان يقال عن رغبات مبيتة للعبث بالقانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة للتحكم في مخرجات الانتخابات وعلى غير ما كانت تعلنه الحكومة من أن رائدها هو ضمان إزالة أي شبهة دستورية في قانون الدوائر، سأورد بعض ما جاء على لسان وزير الإعلام في المؤتمر الصحفي كما نشرته جريدة الجريدة العدد ١٦٩٦ الصادر يوم الجمعة ٢٢ رمضان ١٤٣٣هـ الموافق ١٠ أغسطس ٢٠١٢م كتبرير لتقديم الطعن في بعض مواد القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ (وهو ماانتهت المحكمة الدستورية بعد ذلك إلى رفضه) وذلك على النحو التالي:

“”وأشار إلى أن اللجنة القانونية استمعت إلى آراء أربعة خبراء من كبار الدستوريين خارج إطار الحكومة، وأجمعوا على عدم دستورية المادة الأولى الخاصة بتوزيع الناخبين في الدوائر ، بينما قال ثلاثة منهم انه ليس في “الأصوات” أي شبهة دستورية، وهو عكس ما ذهب إليه الرابع.(انتهى)(**)

(**)ملاحظة: ما يلي لم يردعلى لسان الوزير:((تردد أن ما ذهب اليه الخبير الدستوري الرابع كان أنه ما دام حق الناخب قد خفض من انتخاب عدد يساوي من يمثلون الدائرة وهم عشرة أعضاء إلى أربعة فقط فالقانون في هذه الحالة غير دستوري وهذا ما لا تريد الحكومة والأطراف التي كانت ولا تزال تدعو إلى الصوت أو الصوتين سماعه))

وأكد(الوزير) “التزام الحكومة أحكام الدستور نصاً وروحاً، وألا تخرج جميع الإجراءات التي تقوم بها عن هذا الإطار”، لافتاً إلى أن “اللجوء إلى المحكمة الدستورية ينبع من الحرص على تكريس مبادئ الدولة القانونية، وشرعية أعمال السلطات فيها، وتحصين النهج الديمقراطي ، وحماية النظام الانتخابي، وصون إرادة الأمة”.(انتهى)

ولكن وزير الإعلام دون أن يدرك، كشف حقيقة ما تريده الحكومة من الطعن وهو الحكم بعدم دستورية القانون والقول بعد ذلك بوجود فراغ تشريعي وذلك عندما ذكر الوزير ما يلي :

“الحكومة لم تبحث حتى هذه اللحظة الخطوة التي ستقوم بها إذا حكمت المحكمة الدستورية “””بعدم دستورية””” قانون رقم ((٤٢)) لسنة ٢٠٠٦ بشأن الدوائر الانتخابية”، لافتاً إلى أن “مثل هذا الموقف سيعلن بعد دراسة هذه الخطوة من قبل اللجنة القانونية بمجلس الوزراء عقب حكم المحكمة.(انتهى)

ولقد ثبت صحة كل ما كان يقال من أن التحصين لم يكن هو هدف الحكومة أو رائدها ولكن ما كانت تسعى إليه هو التفرد بالسلطة إلا أنها كانت تفضل – إن أمكن – أن يكون ذلك بغطاء حكم قضائي والقول بوجود حالة فراغ تشريعي إذا ما حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون وبالتالي يتحقق لها ما تريد أن تدعيه من قيام حالة الضرورة كمبرر لهذا التفرد بالسلطة وبإصدار مرسوم بقانون بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية وتفصيله على المقاس الذي يحقق لها التحكم في مخرجات الانتخابات .

وما يؤكد ذلك الآن هو أنه ما إن صدر حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن وتقرير دستورية كل من المادتين (الأولى) و (الثانية) حتى تجاهلت الحكومة ما سبق أن أعلنته على لسان وزير الإعلام من قول:
“”التزام الحكومة أحكام الدستور نصاً وروحاً،””

“”وألا تخرج جميع الإجراءات التي تقوم بها عن هذا الإطار””،( لافتاً إلى أن):

“اللجوء إلى المحكمة الدستورية ينبع من الحرص على تكريس مبادئ الدولة القانونية،””

“”وشرعية أعمال السلطات فيها،””

“” وتحصين النهج الديمقراطي ،””

“” وحماية النظام الانتخابي، وصون إرادة الأمة””.(انتهى)

إذ بدلاً من الإلتزام بذلك كله أصدرت الحكومة مرسوم بقانون بتعديل المادة الثانية من القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ خلافا لكل ما سبق أن أعلنته وهو ما أدى إلى رد فعل غاضب على هذا التفرد بالسلطة بتعديل قانون الدوائر الانتخابية حيث رفضت هذا السلوك الحكومي مكونات واسعة من الشعب الكويتي بالإضافة إلى العديد من القوى السياسية والإجتماعية وكذلك جميع أعضاء الأغلبية في مجلس فبراير ٢٠١٢ وتنادت جميعها ونفذت مقاطعة الانتخابات التي جرت في ٢٠١٢/١٢/١ ودعت كذلك إلى مقاطعتها ترشيحا وانتخاباً حتى وصلت نسبة لم تبلغها في أي انتخابات لمجلس الأمة في الكويت منذ العمل بالدستور عام ١٩٦٣، حيث بلغت نسبة المقاطعة وفقا لما أعلنته جهات رسمية أكثر من ٦٠٪، بينما أعلنت أطراف أخرى غير رسمية أن نسبة المقاطعة زادت على ٧٠٪ .

وبعد هذا التفرد بالقرار والأستئثار به، ولأن الناس تختزن في ذاكرتها مواقف الأطراف التي لم تؤمن ابداً بنظام الحكم الديموقراطي ولم تؤمن في يوم من الايام بسيادة الأمة باعتبارها مصدر السلطات جميعاً، ولأنها تتذكر أيضاً التزوير “”المفضوح”” لانتخابات مجلس الأمة في ٢٥ من يناير ١٩٦٧ والانقلاب على الدستور وتعطيل الحياة النيابية عام ١٩٧٦ والانقلاب على الدستور مرة اخرى وتعطيل الحياة النيابية عام ١٩٨٦ وما فرض على الشعب الكويتي عام ١٩٩٠ ما اسموه ( المجلس الوطني ) الذي قاطع الشعب الكويتي انتخاباته بنسبة كبيرة جداً على الرغم من أساليب الترهيب والترغيب التي اتبعت، وأن هذه الأطراف لم تتردد في إيذاء الشعب الكويتي وإرهاقه في تحريض السلطة التنفيذية ودعوتها إلى حل مجلس الأمة لأسباب واهية وإجراء انتخابات في غير موعدها الدستوري في أعوام ١٩٩٩، ٢٠٠٦، ٢٠٠٨، ٢٠٠٩ ثم المرة الوحيدة التي جاء فيها حل مجلس الأمة استجابة لرغبة شعبية واسعة تجلت في الاجتماعات العامة التي تواصلت في ساحة الإرادة احتجاجاً على ما وصلت إليه قضايا الفساد والإفساد في البلاد، وذلك عندما صدر المرسوم رقم ٤٤٣ لسنة ٢٠١١ بتاريخ ٦ من ديسمبر ٢٠١١ بحل مجلس ٢٠٠٩، هذه الاطراف التي أصيبت بصدمة عنيفة وتضررت مصالحها من موقف الشعب الكويتي بإيصاله اغلبية في انتخابات فبراير ٢٠١٢ جاءت على غير هوى هذه الأطراف.

لذلك فإنه ما أن انتهت انتخابات ٢٠١٢/١٢/١ حتى قُدّم من الطعون على نتائجها وعلى المرسوم بقانون الصوت الواحد ما لم يقدم من حيث عدد الطعون لانتخابات مجلس الأمة في أي فصل من الفصول التشريعية السابقة .

وعليه فإنه من المناسب أن نعود إلى السنة التي وضع فيها الدستور لنتعرف على الجو الذي وضع فيه وخاصة ما ورد في جلسة لجنة الدستور المعقودة يوم السبت بتاريخ ٦٢/١٠/٢٠، مقارنة بما أوصلتنا إليه الحكومة الآن:

“”محضر الجلسة العشرون ٦٢/٢٠
السبت بتاريخ ٦٢/١٠/٢٠

سعادة/وزير الداخلية : أولا أنا أحب أشكر الدكتور عثمان خليل على عبارة قرأتها في المذكرة الايضاحية وهي ” فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون ، بروح الأسرة تربط بينهم كافة ، حكاما ومحكومين . ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية ، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم . ومن هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على أن يظل رئيس الدولة أبا لأبناء هذا الوطن جميعا.” وهذا تعبير صادق حقيقة عن واقعنا وعن حالنا .(انتهى)

السيد/الدكتور عثمان خليل : أنا لم أقل الا ما شاهدته بنفسي في هذا البلد وأردت أن أسجل هذا الواقع في المذكرة الايضاحية للدستور ليكون دواما رائد الجميع في المحافظة على هذه الروح.(انتهى)

كما أنه من المناسب أيضاً وفي الموضوع ذاته أن نستعرض بعضا من آراء ثلاثة من الكويتيين من أساتذة القانون العام وفقهاء الدستور وهم كل من الأستاذ الدكتور المرحوم بإذن الله تعالى عثمان عبدالملك الصالح والأستاذ الدكتور عادل الطبطبائي والأستاذ الدكتور محمد عبدالمحسن المقاطع بالإضافة إلى ما أورده الدكتور يسري محمد العصار مما له علاقة بالموضوع وذلك على النحو التالي:

أولا: الأستاذ الدكتور: عثمان عبدالملك الصالح

النظام الدستوري
والمؤسسات السياسية في الكويت
دراسة تحليلية نقدية للنظام في إطاره التاريخي وفي إطاره النظري، وفي واقعه العملي ووسائل إصلاحه

الجزءالأول
النظام في إطاره التاريخي وفي إطاره النظري

الدكتور عثمان عبدالملك الصالح
كلية الحقوق – جامعة الكويت
الطبعة الثانية
٢٠٠٣
(ص٤٠٦-٤١٣)

“””ثانياً : ان المشرع الدستوري قد حرص على ان يضع للسلطة الاستثنائية للحكومة في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحويلها الى ممارسة تشريعية مطلقة. فأوجب توافر حالة الضرورة لاعمال هذه الرخصة الاستثنائية باصدار مراسيم لها قوة القانون، وتوافر حالة الضرورة هو مناط هذه الرخصة الاستثنائية وعلة تقديرها. واذا كان المشرع الدستوري يتطلب هذا الشرط لممارسة هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فان رقابة المحكمة الدستورية تمتد اليه للتحقق من قيامه باعتباره من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة هذه الرخصة، شأنه في ذلك شأن الشروط الاخرى التي حددتها المادة ٧١ من الدستور، ومن بينها ضرورة عرض مراسيم الضرورة على مجلس الامة للنظر في اقرارها وعلاج آثارها.

واذا كان هذا ما يقضي به الدستور وكانت هذه هي نصوصه، فانه لا يمكن القول ولا يمكن ان يتصور – في نطاق احترام الدستور – ان تتخلى المحكمة الدستورية عن مسؤوليتها في مراقبة مدى توافر هذا الشرط، او ان تتخلى عن ولايتها في هذا الامر الذي يتحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

ثالثاً : ان تخلي المحكمة الدستورية عن ولايتها في مراقبة توافر شرط الضرورة – بحجة أنه شرط سياسي لا قانوني، او أنه من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد اليها الرقابة الدستورية والتي يجب ان يترك امر تقديرها للسلطة التنفيذية تحت رقابة مجلس الامة – ، سوف يقضي في الواقع على القيمة الحقيقية لاهم القيود الدستورية التي اوردها المشرع الدستوري على ممارسة السلطة التنفيذية، لسلطة استثنائية خطيرة، ويفتح بابا خطيرا أمام هذه السلطة للعدوان على حقوق الأفراد وحرياتهم وهي في مأمن من رقابة القضاء، ما دامت تخفي عدوانها هذا وراء ستار من اختصاصاتها المشروعة، في بلد تتمتع الحكومة فيه بأغلبية في البرلمان سوف تقرها على ادعائها بتوافر حالة الضرورة، وتسكت عن إثارة مسؤوليتها السياسية، مداراة لعيوبها، وتغطية لمساوئها حتى لا تخرج أمام الرأي العام. فتفسد الرقابة البرلمانية وتشل في واقعها العملي. ومن ثم تضيع كل فائدة من تقرير أن قيام الضرورة الملجئة لاصدار المراسيم بقوانين أمر متروك للسلطة التنفيذية تقدره تحت رقابة البرلمان. هذا فضلا عن أن مهمة مجلس الأمة وهو يراقب مدى توافر الضرورة التي كانت تبرر استعمال هذه الرخصة، سوف تكون مهمة دقيقة وصعبة. ذلك أن حالة الضرورة مسألة مرنة، تحتمل تفسيرات مختلفة، وشرط الضرورة هو الذي تختلف أوجه النظر في توافره او عدم توافره. والحق أن الادعاء بتوافر الضرورة سهل في حين أن إثبات عدم توافرها من الصعوبة بمكان. وهذا ما يؤدي في واقع الحياة العملية الى الحد من فاعلية هذا القيد الخاص بطبيعة ظرف الإصدار. ومن ثم احتاج الأمر إلى خبرة القضاء ودرايته الفنية ليكشف عن حقيقة توافر حالة الضرورة ويرد الأمر فيها الى نصابه الدستوري.

ونعتقد إنه ليس في الدستور الكويتي ما يمنع المحكمة الدستورية من مد رقابتها إلى حالة الضرورة للتحقق من قيامها. كما نعتقد بأنه ليس في الدستور ما يسمح بإعفاء اية جهة حكومية بالغة ما بلغت منزلتها في السلم الإداري، من الخضوع لسموه فيما اشترطه من شروط لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي. ولا يجوز ونحن في هذا الصدد التمحك بنظرية الأعمال السياسية او بنظرية السيادة. ذلك لأن الأمر لا يتصل من قريب أو بعيد بأية مسألة سياسية مما يعد من اطلاقات الإدارة. ومن هنا وجب على القضاء ان يتحقق من قيام حالة الضرورة التي تسوغ للسلطة التنفيذية استعمال هذه الرخصة الاستثنائية باعتبارها هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها، وبذلك يؤكد للإدارة أن نبل الغاية لا يمكن أن يغنى عن شرعية الوسيلة وسلامتها من الناحية القانونية، فيتأكد بذلك المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه العلم الدستوري، وهو مبدأ الشرعية والحكومة المقيدة، فتصان الديمقراطية من ان تتحول من مذهب سياسي ودستوري الى فلسفة ((ميكاڤيلية)) خطيرة قد ينزلق إلى مهاويها أشد الحكام إخلاصا وحرصا على تحقيق المصلحة العامة، فتنتكس الحياة الدستورية ويضيع في غمار ذلك كل ضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم.

ولعل هذه الاعتبارات مجتمعة هي التي دفعت بالمحكمة الدستورية في جمهورية مصر العربية في عام ١٩٨٥، إلى أن تخالف ما استقر عليه الفقه والقضاء في هذا الخصوص، فتجري رقابتها على توافر شرط الضرورة، وتجعل هذه الرقابة تمتد إلى حالة الضرورة للتحقق من قيامها، باعتبارها من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات استثنائية (١).

(١) وكان ذلك في حكمها الذي أصدرته بتاريخ ٤ مايو سنة ١٩٨٥. منشور في الجريدة الرسمية العدد ٢٠، الصادر في ١٦ مايو سنة ١٩٨٥. ونظرا لاهمية هذا الحكم فاننا نورد فيما يلي حيثياته كاملة ومنطوقه:

(( بعد الاطلاع على الاوراق وسماع الايضاحات والمداولة.

حيث أن الوقائع – على ما يبين من قرار الاحالة وسائر الاوراق – تتحصل في أن المدعية كانت قد اقامت الدعوى رقم ٢٦ لسنة ١٩٨٠ ولاية على النفس البدارى ضد زوجها المدعى عليه طالبة الحكم لها عليه بنفقة شرعية اعتبارا من اول نوفمبر سنة ١٩٧٩. وبجلسة ٢ سبتمبر سنة ١٩٨٠ قضت محكمة البدارى الجزئية للأحوال الشخصية بوقف الدعوى واحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

وحيث أن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادا الى أن قرار الاحالة جاء خلوا من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته خروجا على ما توجبه المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا.

وحيث أنه يبين من قرار الاحالة أن المحكمة استظهرت النصين الواجب تطبيقهما على واقعة الدعوى وهما المادة الاولى من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ والمادة ١٠ من القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٣٩ المعدلتان بمقتضى المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وقد تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا التشريع في جملته لمخالفته المادتين ١٠٨ و ١٤٧ من الدستور، إذ لم يستند رئيس الجمهورية في اصداره الى تفويض من مجلس الشعب يخوله هذه السلطة. كما أنه لم تتوفر عند اصداره في غيبة مجلس الشعب ظروف توجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لما كان ذلك، وكان ما أورده قرار الاحالة واضح الدلالة في بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة، على النحو الذي يتحقق به ما تغياه المشرع في المادة ٣٠ من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى يكون في غير محله متعينا رفضه.

وحيث ان الدعوى استوفت اوضاعها القانونية.

وحيث أنه يبين من الاطلاع على القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ المطعون عليه. أنه استهدف معالجة الأوضاع المتعلقة بالأسرة وتنظيم استعمال الحقوق المقررة شرعا لأفرادها. فكان قوامه والباعث عليه ما يتصل بمسائل الأحوال الشخصية التي تدور جميعها في فلك واحد هو تنظيم شئون الأسرة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة. فقد نصت مادته الاولى على ان (( تضاف الى القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ مواد جديدة بأرقام (٥ مكررا) ، (٦ مكررا). (٦ مكررا ثانيا)، (١٨ مكررا)، (٢٣ مكررا) )) وتتضمن هذه المواد الاحكام الخاصة بكيفية توثيق الطلاق والاعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار (٥ مكررا) وأنه يعتبر اضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها واخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها (٦ مكررا) وبيان الآثار المترتبة على نشوز الزوجة (٦ مكررا ثانيا) وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها (١٨ مكررا) واستحقاق نفقة الصغير على أبيه (١٨ مكررا ثانيا) وفرض عقوبات جنائية لمخالفة بعض أحكام هذا القانون (٢٣ مكررا) ونصت المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه على أن يستبدل بنص المادة (١) من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ نص جديد يتضمن الأحكام الخاصة بشروط استحقاق نفقة الزوجية وأحوال سقوطها. وتقضى المادة الثالثة منه بأن يستبدل بنصوص المواد ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٦، ٢٠ من القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ النصوص المحددة في هذه المادة والتي تشتمل على الأحكام المتعلقة باجراءات التحكيم عند وقوع الشقاق بين الزوجين (٧، ٨، ٩، ١٠، ١١) وبما يفرض على الزوج من نفقة مؤقتة لزوجته (١٦) وأحوال حضانة الصغار وأصحاب الحق فيها وشروطها (٢٠). ثم نص القرار بقانون المشار اليه في مادته الرابعة على المطلقة الحاضنة في الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر وشروط استعمال هذا الحق وتحديد الجهة المختصة بالفصل في الطلبات المتعلقة به والمنازعات التي تثور في شأنه. وأوجب في المادة الخامسة على المحاكم الجزئية أن تحيل إلى المحاكم الابتدائية الدعاوى التي أصبحت من اختصاصها بمقتضى أحكامه. وقضى في المادة السادسة بالغاء كل ما يخالف هذه الأحكام. وانتهى في المادة السابعة والأخيرة إلى النص على نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.

وحيث أن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة. ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة واهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والأصول هي التي يرد اليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذي يقضى بانحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذا كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد اوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لأي من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع – متى انصبت على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.

وحيث أن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة ٨٦ من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة في الدستور. إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غبية مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية في تلك الحالات أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحويلها – إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع على سبيل الاستثناء – لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص اصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة ١٤٧ على انه ((إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون)) وفي الفقرة الثانية على أنه: (( ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته. فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك. إلا إذا كان رأي المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقةأاو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر )).

وحيث أن المستفاد من هذا النص الدستوري هو أن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في اصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب. إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا اليه. فأوجب لاعمال رخصة التشريع الاستثنائية ان يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد اليهما للتحقق من قيامهما. باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات. شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة ١٤٧ ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا اليها على مجلس الشعب للنظر في اقرارها أو علاج آثارها.

وحيث انه يبين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ المطعون عليه أن الأسباب التي استندت اليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب. تتمثل فيما أوردته مذكرته الايضاحية من (( أن القانونين رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٠ ورقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ الخاصين ببعض أحكام الأحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادي والادبي التي انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاة عبئا كبيرا في تخريج أحكام الحوادث التي تعرض عليهم. وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق )) كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر في اقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التي دعت إلى إصداره بقوله (( ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الاحوال الشخصية وقد طال الأمد على استصدار هذه القوانين، وطول الأمد واستطالة المدة هي حالة الضرورة، بل هي حالة الخطورة فالأسرة المصرية تنتظر هذا الاصلاح منذ عام ١٩٠٥، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الأسرة رقم (٢٥) لسنة ١٩٢٠ ورقم (٢٥) لسنة ١٩٢٩ كلاهما يحتاج إلى تعديل منذ صدورها، اي منذ عامي ١٩٢٠ و ١٩٢٩. أليس في هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولي الأمر ليصدر قرارا ثوريا باصلاح الأسرة؟ لو ترك الامر لاقتراح بقانون او لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهورا وسنين فأين هي الحاجة التي تدعو إلى تحقيق اصلاح الأسرة بقرار ثوري مثل القرار بقانون المعروض )).

لما كان ذلك، وكانت الأسباب سالفة البيان. وحاصلها مجرد الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما استجد من تغييرات في نواحي المجتمع وإن جاز أن تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقا لاصلاح مرتجى إلا أنه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الاولى من المادة ١٤٧ من الدستور، ذلك ان تلك الاسباب تفيد انه لم يطرأ خلال غيبة مجلس الشعب ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة ١٤٧ المشار إليها ومن ثم فإن القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ إذ صدر استنادا إلى هذه المادة، وعلى خلاف الاوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور.

وحيث أنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لاصدار القرارات بقوانين عملا بالمادة ١٤٧ من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد إليها الرقابة الدستورية. ذلك أنه وإن كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار اليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يعني اطلاق هذه السلطة في اصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور والتي سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط ان يطرأ – في غيبة مجلس الشعب – ظرف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم تكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذي يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

وحيث أنه – من ناحية اخرى – فإن إقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا الاقرار في ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها واصدارها القواعد والاجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.

وحيث أنه لما كان ما تقدم، وكان القرار رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعي المترابط موضوعا واحدا قصد به معالجة بعض مسائل الاحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستوري الذي شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند اصداره، فإنه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته.

لهذه الاسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٧٩ بتعديل بعض احكام قوانين الاحوال الشخصية. (انتهى)

( ملاحظة): وقد يكون من المناسب كذلك الإشارة إلى أمرين اثنين لهما ارتباط بالموضوع السابق وهما:

(الأمر الأول): ما أورده الدكتور يسري محمد العصار في الدراسة التالية :

“”دور الاعتبارات العملية في القضاء الدستوري
دراسة مقارنة
الدكتور يسري محمد العصار
كلية الحقوق-جامعة القاهرة
١٩٩٩
(ص٢١٢-٢١٤

بشأن حكم ثان حيث أورد ما يلي:

“”وصدر الحكم الثاني عن المحكمة الدستورية بتاريخ ٢ من يناير ١٩٩٩ بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٥٤ لسنة ١٩٨١ بإضافة بند جديد إلى المادة ٣٤ من القانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٨٠ بشأن حماية القيم من العيب يعهد إلى محكمة القيم بالاختصاص بالفصل في التظلمات التي يقدمها ذوو الشأن ضد الإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة ٧٤ من الدستور التي تمنح لرئيس الجمهورية سلطات استثنائية في حالات الأزمات . وقد قضت المحكمة في هذا الحكم بأن القرار بقانون المطعون فيه قد صدر من رئيس الجمهورية في غيبة مجلس الشعب استنادا إلى المادة ١٤٧ من الدستور دون وجود حالة ضرورة حقيقية تبرر إصداره في غيبة البرلمان . وبناء على ذلك فإنه يعتبر مخالفا للدستور . وجاء في حيثيات هذا الحكم :((وحيث انه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٥٤ لسنة ١٩٨١ ، أنه قد صدر دون مذكرة إيضاحية تفصح عن الأسباب التي استندت إليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه عند عرض القرار بقانون المشار إليه على مجلس الشعب للنظر في إقراره ، أبدى وزير الدولة لشئون مجلس الشعب – على ما ورد بمضبطة الجلسة الثالثة للاجتماع غير العادي المعقود في ١٤ سبتمبر ١٩٨١ – أن رئيس الجمهورية أصدر ذلك القرار بقانون طبقا للصلاحية التي خولها له الدستور في المادة (١٤٧) ، وأنه قد صدر لفتح باب التظلم أمام من شملتهم الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية طبقا للمادة (٧٤) من الدستور – وهو ما ردده أيضاً تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في هذا الشأن – وكان ذلك وإن جاز أن يندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريع القائم من قصور تحقيقا لإصلاح مرتجى ، إلا أنه لا يصلح سندا لقيام حالة الضرورة المبررة لإصدار هذا القرار بقانون إذ لم يطرأ خلال غيبة مجلس الشعب ظرف معين يمكن أن تتوفر معه تلك الضرورة التي تبيح ممارسة سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة (١٤٧) من الدستور ، كما أن هذا القول – إن صح – كان يقتضي اللجوء إلى السلطة التشريعية لإستصدار قانون بتحديد الجهة القضائية التي تختص بالنظر في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة (٧٤) من الدستور إعمالا للتفويض المخول للمشرع بمقتضى المادة (١٦٧) من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.

لما كان ذلك ، وكان السبب الذي حدا برئيس الجمهورية لإصدار القرار بقانون الطعين لا يشكل بذاته حالة ضرورة تدعو رئيس الجمهورية إلى مباشرة سلطاته التشريعية الاستثنائية المقررة بالمادة (١٤٧) من الدستور ، فان هذا القرار وقد صدر استنادا إلى هذه المادة وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها ، يكون مشوبا بمخالفة الدستور .

وحيث أنه لا ينال مما تقدم قالة إن مجلس الشعب قد أقر القرار بقانون المطعون فيه ، فانه بذلك يكون قد طهره مما شابه من عيوب دستورية ، ذلك أن إقرار مجلس الشعب له لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشا عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره ، كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار في ذاته ن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها ، القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون (١))).
(١) القضية رقم ١٥ للسنة القضائية الثامنة عشرة. الجريدة الرسمية ، العدد ٢ في ١٤ يناير ١٩٩٩).(انتهى)

(الأمر الثاني) : اختصاص المحكمة الدستورية في الكويت بالفصل في الدستورية في الطعن المقيد بسجل المحكمة الدستورية برقم (٢٠) لسنة ٢٠٠٨ ((طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة لعام ٢٠٠٨)) وسلطتها في رقابة مدى توافر شرط الضرورة في المرسوم بقانون رقم (٢٥) لسنة ٢٠٠٨ المعدل للقانون رقم (٣٥) لسنة ١٩٦٢ في شأن انتخابات مجلس الأمة .
(الجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ ١٧ من رمضان ١٤٢٩هـ الموافق ١٧من سبتمبر ٢٠٠٨م). ( انتهى)

ثانيا: الأستاذ الدكتور: عادل الطبطبائي
النظام الدستوري في الكويت
دراسة مقارنة
د.عادل الطبطبائي
أستاذ القانون العام
كلية الحقوق-جامعة الكويت
الطبعة الخامسة منقحة
٢٠٠٩م
(ص٦١٢-٦١٤)

“” وإذا كان الدستور قد استثنى قانون الميزانية من النطاق الذي تعرضت له المراسيم بقوانين بالتعديل أو الإلغاء ، فإن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم حول ما هية القوانين التي تستطيع مراسيم الضرورة أن تتعرض لها بالإلغاء أو التعديل .

فذهب رأي إلى أن لوائح الضرورة ، ولو أن لها قوة القانون ، إلا أنها لا تستطيع أن تتناول تعديل قوانين الانتخاب ، ذلك لأن وجوب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي على وجه الاستعجال لعرض لوائح الضرورة عليه ، يفترض أن يكون ذلك بناء على قانون الانتخاب المعمول به وقت اجتماع البرلمان(١) ، وذهب أي آخر إلى القول أن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به على إطلاقه ، وإنما يمكن الدفاع عنه على الأقل في حالة إصدار لوائح أثناء قيام مجلس الأمة ، لأن المادة (١٣٥) من الدستور المصري الصادر عام ١٩٥٦ – والتي تقابل المادة (٧١) من الدستور – تحتم أن يدعى المجلس إلى الانعقاد خلال خمسة عشر يوما ولا يمكن خلالها إجراء انتخابات جديدة ، كما أنه لا يمكن تعطيل حكم الدعوة خلال الخمسة عشر يوما ما دام المجلس قائما . ولكن إذا كان المجلس منحلا فلا مانع من تعديل قانون الانتخاب بمقتضى مرسوم بقانون ، على أن يترك تقدير قيام الضرورة التي أوجبت هذا التعديل للمجلس الجديد عند انعقاده . (٢)

ونعتقد أن الرأي الأول ، أولى بالاتباع ، فالمرسوم بقانون لا يستطيع أن يعدل قانون الانتخاب ، سواء كان المجلس منحلا أو غير منحل .

فإذا كان مجلس الأمة غير منحل ، فإن الدعوة لإجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن قوله دستوريا والمجلس لا يزال قائما ، كما أنه يجب دعوة المجلس إلى الانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور المرسوم بقانون . ولا يمكن تعطيل حكم الدعوة خلال هذه الفترة.

أما إذا كان مجلس الأمة قد صدر مرسوم بحله ، فإن تعديل قانون الانتخاب يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحكم عملية الحل . ذلك لأن حل المجلس التشريعي قد يكون نتيجة خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وعلى السلطة التنفيذية أن تعود إلى الشعب لتحتكم إليه في هذا الأمر . فلو عاد الشعب واختار أعضاء المجلس المنحل ، أو أعضاء يمثلون الاتجاه ذاته ، فهذا دليل على أن الشعب يؤيد سلطته التشريعية في الخلاف الدائر بينها وبين الحكومة . أما لو اختار الشعب أعضاءاً جدداً في مفاهيمهم وأفكارهم ، فإنه بذلك يقف موقف المؤيد للسلطة التنفيذية ، فيما اتخذته من قرار بحل المجلس التشريعي.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.