صالح الشايجي: رحلة الموت الأصغر

أحيانا تكون التجارب المريرة والخطيرة، ضرورية رغم مرارتها وما تسبب في النفس من أذى وأسى وخوف ورعب!

في رحلة العودة من المغرب الى الكويت كان مقررا أن تهبط الطائرة في تونس لتحميل بعض الركاب، وبعد ان تم هذا الأمر على الوجه المعتاد عادت الطائرة للتحليق من جديد، ولم تكد تستوي بعد في مسارها المنشود حتى دوى صوت يشبه الانفجار في الطائرة التي اهتزت على اثره هزة عنيفة أربكت الركاب والطاقم وأدخلت الرعب إلى قلوبهم وتطور الأمر وازدادت العصبية بين الركاب وطاقم الضيافة واستدعى الأمر الطلب إلى الركاب لبس أطواق النجاة، ما يعني أن الموت بات وشيكا جدا، وعلت الأصوات وانعكست حالة الرعب على الأطفال، فعلا بكاؤهم وبين النساء والرجال فزاد صراخهم ممزوجا بالبكاء، وبقي الوضع هكذا لمدة تزيد على نصف الساعة، وكانت الأدعية والابتهالات الى الله والتكبير وطلب النجدة الربانية، على أشدّها.

وانتهى الموقف بسلام حيث قرر قائد الطائرة الهبوط مجددا في مطار تونس، وتمكن من ذلك بكل هدوء وطمأنينة، ما دفع الركاب وبمجرد ملامسة عجلات الطائرة الأرض إلى التصفيق له.

ما استخلصته من هذه التجربة المريرة أمور عدة، أولها كيفية مواجهة الموت، والتي تختلف من إنسان إلى آخر، فبينما رأيت كيف كان طاقم الطائرة متماسكا ويؤدي دوره في توجيه الركاب للمحافظة على سلامتهم، رأيت كيف أن بعض الركاب كاد يفقد صوابه من الهلع والرعب!

والمفارقة أن الطاقم ـ وأخص النساء ـ كن من غير المسلمات، أما الأكثر رعبا فكن النساء الشديدات الالتزام الديني مثل تلك السيدة التي كانت تجلس في المقعد السابق لي مباشرة وكانت من ذلك النوع الشديد الالتزام الديني بحيث كانت تسبل على جسدها أردية من قمة رأسها حتى أخمصي قدميها، والتي كانت الأخوف والأبكى والأعلى صوتا في التعبير عن خوفها والتي أقسمت وأغلظت بالأيمان من أنها لن تركب طائرة أبدا أبدا، رغم أنها كانت في طريقها إلى زوجها المهاجر.

أيقنت في داخلي أن هذه المرأة ستبر بقسمها ولن تعود إلى ركوب الطائرة مجددا، ولكنني فوجئت بها في اليوم التالي موجودة معنا في المطار لاستئناف الرحلة.

أما المتوازنون من الركاب، وأقولها بكل صدق، فقد كانوا من غير المسلمين والذين كانوا أكثر طواعية وانسياقا للحالة القدرية، ثم نحن الذين لا تبدو علينا مظاهر الالتزام الديني المتشدد.

katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.