القصير مدينة أشباح .. لا شيئ سوى رائحة الدم والبارود والمباني المهدمة

تنبعث رائحة من البارود والحريق لدى دخول مدينة القصير في محافظة حمص في جنوب سوريا التي سيطرت عليها قوات النظام السوري وحزب الله: أبنية مهدمة، متاجر تحمل آثار القنابل والشظايا، وركام في كل مكان في مدينة خالية من أي ساكن.

ويقول شاهد يرفض الكشف عن اسمه كان من أوائل الذين دخلوا المدينة بعد سماح الجيش السوري بذلك، “للوهلة الأولى بدت كمدينة أشباح لا يوجد فيها إلا جنود سوريون مع آلياتهم وسط دمار هائل، مع أبنية منهارة بالكامل”.

في ساحة المدينة الرئيسية التي كانت مركزا لحركة تجارية ناشطة قبل الحرب، تعمل جرافات على ازالة الركام الذي يغطي كل طريق وزاوية ومكان. ويمر جنود سوريون في المكان، مع ابتسامات عريضة، يعلقون هنا وهناك اعلاما سوريا تحمل صورة الرئيس بشار الاسد، وهم يهتفون “بالدم، بالروح، نفديك يا بشار”

ويقول الشاهد إن الطلقات الرشاشة في المكان لم تتوقف. “للوهلة الاولى، تظن انك في ميدان معركة… لكن الجنود كانوا يعبرون عن فرحتهم ويطلقون الرصاص ابتهاجا”. في المدينة ايضا، مقاتلون من حزب الله باللباس العسكري، يبقون بعيدين عن آلات التصوير والصحافيين من وسائل الاعلام التابعة للنظام وتلك المتحالفة مع حزب الله التي كانت اول من دخل المدينة الاربعاء بعد سقوطها.

إلا أنّ المدينة التي يحتفي النظام بدخولها، ويدعو سكانها للعودة اليها، هي مدينة شبه ميتة. في وسط البلدة، مبنى البلدية الذي كان يتمركز فيه مقاتلو المعارضة والمؤلف من طبقات عدة، منهار على الارض نتيجة قصف من الجو على الارجح. على اطراف الساحة، تتدلى اغصان مكسرة من اشجار نخيل لم توفرها شظايا القنابل والصواريخ.

ولا تزال ساعة القصير المعروفة تنتصب على عمودها الحجري، لكنها تحمل آثار شظايا وحريق. وبثت قناة “الاخبارية” السورية الخميس صورا لحشد من الرجال يصلون سيرا على الاقدام في مجموعة واحدة الى مدينة القصير، مشيرة الى انهم من سكان المدينة العائدين.

إلا أن ظروف الحياة في القصير لا يمكن أن تستقيم في رمشة عين. ويروي الشاهد ان كل منزل، كل متجر يحمل آثار العنف والقصف. والملفت أن المتاجر والمنازل خالية من كل شيء حتى من الاثاث والادوات المنزلية الاساسية، ما يعطي انطباعا بان العديد من ابناء هذه المدينة التي حوصرت لمدة سنة نظموا خروجهم منذ فترة طويلة، او غادروا المدينة مع اغراضهم الشخصية على مراحل.

على الطرق التي حفرتها سلاسل الدبابات، اختفى الزفت، وحل الحصى والردم والتراب. وفي أحد الشوارع ايضا، كنيسة لا تزال قائمة، لكنها تحمل آثار المعارك. أما الجسر المعلق عند مدخل المدينة من جهة لبنان، فتملاه الدشم والمتاريس، ما يوحي انه كان خط قتال.

في مشفى المدينة، بقع دماء على الارض وبعض الشاش والقطن، لكن لا أجهزة ولا ادوية ولا تجهيزات. ويقول ناشطون إن مئات الجرحى عولجوا في هذا المكان. ويروي جاد يماني عبر سكايب ان “الجرحى اخرجوا من مدينة القصير امس على دفعات، عبر ممرات لا يعرفها إلا الجيش الحر”، رافضا اعطاء مزيد من التفاصيل.

ويقول جاد الموجود حاليًا في منطقة قرب القصير رفض أن يحددها “تم إخراجهم سيرًا على الاقدام، وقد ساروا طيلة الليل” الذي سبق سقوط المدينة. ويشير إلى أنّ بعض الجرحى وصلوا إلى البويضة الشرقية الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من القصير، الان البعض الآخر الذي كان يسير ببطء أكبر، اضطر للتوقف خشية التعرض للقصف، ثم واصل طريقه ليلا.

ويضيف “في الوقت الذي كان المقاتلون يخرجون من المدينة مع الجرحى، كان القصف عنيفًا ومتواصلا”. ويؤكد جاد ان الساعات الاخيرة قبل سقوط المدينة “كانت لا تحتمل”، ثم يضيف “كان الثوار ممزقين بين واجبهم العسكري بالبقاء على الجبهة، وواجبهم الاخلاقي باخلاء الجرحى”.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.