تفتقد الأمة اليوم مؤسسات مجتمعية فاعلة ومنابر ثقافية تنبذ التعصب والشحن الطائفي، وتوجِّه نحو التعايش والتسامح.
يشعر المرء بالألم والحسرة لما آلت اليه الامور في أمة الإسلام من مظاهر الفرقة والفتن ونشر الكراهية بين مكونات مجتمعاتنا، لقد غُيب العقل بالتنقيب في كتب التاريخ التي مضى عليها أكثر من ألف وأربعمائة سنة، سادت خلالها الصراعات السياسية تحت غطاء المذهبية من قبل أولئك الذين ديدنهم التناحر وتعميق الشروخ، نشهد اليوم من يستغلها من السياسيين باثارتها ببراعة لتحقيق اهدافهم واجنداتهم الخاصة، والمؤسف في الأمر كله ان هناك جمهورا من العقليات الساذجة التي تقبل وتتجاوب مع هذه الطروحات، وهناك من امتهن اصدار الفتاوى التكفيرية بالتحريض على كراهية من يختلف معه في الفكر والاجتهاد والمذهب، هم مشايخ الفتنة والجهل الذين يستغلون الدين ليثيروا المشاعر، ويتفننوا في غسل عقول الشباب وزرع نفوسهم بالكراهية والعصبية.
(يقول الإمام علي (ع) «إنما أخشى عليكم من جاهل متنسك وعالم متهتك».
تواجه الأمة الإسلامية تحديات خطرة في ظل الظروف التي نعيشها اليوم، فإذا كان لنا ان نلخصها، فهي تبرز كالتالي:
أولاً:
لقد دأبت بعض الجهات على نشر ثقافة الفرقة والكراهية بين أطياف المجتمع إلى حد التحريض بقتل الآخر تحت شعار المرجعية الدينية، في حين ان المرجعية تتطلب ممارسة الحكمة في حقن دماء المسلمين.
ثانيا:
سادت الممارسات التمييزية بين مكونات المجتمع، نتيجة لعدم تطبيق مبادئ العدل والمساواة بين المواطنين بمقتضى الشريعة والدستور التي ترسخ مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان.
ثالثا:
انتشر تأجيج الشارع بإثارة الاحقاد، ونشر الخطاب الطائفي بالنبش في الكتب المذهبية التي شوهت الاجتهاد المذهبي، والتي انحرفت عن الاعتدال والوسطية، وباتت تهدد حالة الاستقرار وتؤدي إلى الانقسام والشقاق.
ان القصور الذي تعانيه الأمة الإسلامية اليوم هو عدم وجود المؤسسات المجتمعية الفاعلة والمنابر الاعلامية والثقافة الفكرية التي تنبذ التعصب والتطرف والشحن الطائفي، والتي تؤسس للخطاب الوحدوي الذي يستند إلى تعاليم القرآن وسيرة النبي محمد (ص) ومنهج آل البيت وصحابته، لتبرز مساحات الاتفاق المشرقة التي ستؤدي إلى التوافق والتعايش والتسامح والتآخي بين اطياف المجتمع، وتقلل من مساحات الاختلاف المظلمة.
عندما نستعرض الساحة عندنا في الكويت، نرى العشرات من علماء الدين والدعاة الذين ابتعدوا عن التصدي لحالة الانشقاق، بل ان هناك بعضا منهم اصبحوا اطرافا في عمليات الشحن الطائفي من خلال الكتابات الصحفية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ونحن هنا لا نقصد طرفا من دون آخر، في حين ان الحالة مختلفة في الأمم والمجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة، فهناك مؤسسات مجتمعية تتصدى لمن يثير الصراعات والنزاعات التي تهدد أمن الوطن وأمان المواطن، كما وللعلماء والمفكرين والواعين في تلك المجتمعات دور اساسي ومحوري في التصدي لمحاولة النيل من وحدة المجتمع باتخاذ المواقف الجريئة في مواجهة الاصوات الشريرة، وذلك من خلال المؤتمرات واللقاءات الاعلامية والندوات، بدلا من مواقف التفرج وعدم التدخل التي باتت سائدة في مجتمعنا.
لابد من وجود مؤسسات مجتمعية ومنابر إعلامية وثقافة فكرية، لنبذ التعصب والتطرف والشحن الطائفي.
موسى معرفي
mousamarafi@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق