جاءت الزيارة التاريخية لسمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك إلى بغداد نهاية الأسبوع الماضي والالتقاء بقادتها وفعالياتها السياسية تتويجاً لجهود مضنية ولسنوات من الدبلوماسية الهادئة التي قادها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد – حفظه الله – بخبرته وحنكته وحكمته السياسية الراسخة، التي تعتمد على رؤية سموه بضرورة ترسيخ أواصر التعاون مع دول العالم وخاصة دول الجوار، وقد لمس الجميع ترجمة رؤية سموه من خلال تثبيت قواعد سياستنا الخارجية المبنية على دعم دول الجوار والاقليم سياسياً واقتصادياً بما يعود بالخير على تلك الدول وشعوبها، وبالنسبة للعراق فقد عادت العلاقات الكويتية معه إلى مجاريها بعد سقوط نظام طاغية العصر صدام حسين في العام 2003، وكان لحرص سمو الأمير على خلق علاقات صحية وطيبة وطبيعة مع العهد العراقي الجديد بالغ الأثر في النأي بنا عن المشاكل مع العراق الجديد، واستهل هذا التوجه بفتح الحدود بين البلدين لتعود العلاقات بين الشعبين إلى مجاريها الطبيعية،
كما ان التبادل والتعاون التجاري بدأ يأخذ مجراه الصحيح بين رجال الأعمال من الدولتين الجارتين، لتتوج توجيهات سمو الأمير بهذا الشأن إلى اقتراب خروج العراق من البند السابع، وهو ما سيجعل العراق معافى بأقرب وقت ممكن، فان يكون جارك معافى وقوياً اقتصادياً خير لك من جار هزيل يعاني من الفقر والجهل كما كان عليه الوضع أيام الطاغية صدام، إلا أن الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير للعراق للمشاركة في القمة العربية التي عقدت في بغداد تعد خطوة شجاعة وجبارة خاصة أنها أتت وسط تحديات أمنية الصعوبة والتعقيد، ولكن سمو الأمير آثر على نفسه أن يدشن العلاقة مع العراق الجديد ليثبت أن ما جرى في صيف 1990 كان من فعل طاغية لم يراع ديناً ولا ذمةً ولا جيرة، وان الشعب العراقي ليس له ذنب في كل ما جرى للكويت، لأن الشعب العراقي قد ذاق الأمرين من القتل والتعذيب والتشريد على يد ذلك الطاغية، وقد كان من تأثير الزيارة التاريخية لسمو الأمير لبغداد بالغ الأثر في نفوس العراقيين قاطبة وليس أدل على ذلك سوى الحفاوة التي لقيها سموه هناك من كل المستويات بالاضافة للترحيب الاعلامي الواسع لمقدم سموه وتثمين العراقيين بجميع أطيافهم لتلك الزيارة.
وتأتي الزيارة التي قام بها سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، استكمالاً لما شهدته حقبة سمو الشيخ ناصر المحمد من تقدم كبير في العلاقة بيننا وبين العراق، دللت عليها الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الشيخ ناصر المحمد لبغداد، وزيارات عدة لمسؤولي وزارة الخارجية كتعبير عن حسن نوايا الكويت تجاه عراق ما بعد زوال الطاغية صدام حسين، الأمر الذي قابله العراقيون برد التحية من خلال كثرة زيارات مسؤوليهم الكبار من رؤساء الدولة ورؤساء الحكومات والوزراء وكذلك كبار المسؤولين من شتى التخصصات لترسية العلاقات على أسس جديدة ومتينة تقوم على أواصر التعاون المشترك والاحترام المتبادل واحترام السيادة، وكان أبرز تلك الزيارات الرسمية زيارتين قام بهما رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي للكويت التقى فيهما كل القيادات الرسمية وبحث معها سبل التعاون المشترك بين البلدين، كما أنه لم يستثن الشخصيات الكويتية البارزة من أهل المال والأعمال ورجال الفكر والاعلام ليعلن لهم ان العراق يفتح أبوابه لاشقائه الكويتيين للعمل في شتى المجالات، وهو ما انعكس على تبادل الزيارات الرسمية والشعبية بين الشعبين، وشهدنا تدفقات مالية نحو العراق لمشاريع كويتية قامت على أرض العراق.
ومثلت زيارة سمو رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك تأكيداً عملياً على حرص الكويت ورغبتها في معالجة كل الملفات العالقة مع العراق وسعيها الدؤوب إلى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع جارتها الشقيقة ولعل تسوية قضية مستحقات شركة الخطوط الجوية الكويتية وتوقيع ست اتفاقيات مشتركة بين البلدين تعبر أفضل تعبير عن عمق العلاقة بين البلدين.
ولعل ما يؤكد رصانة السياسة الكويتية كلمات سمو رئيس الوزراء في زيارته حينما أكد «أن الكويت لن تلتفت إلى الوراء في علاقاتها مع العراق وأن هذه العلاقات سارت إلى الأمام وأن مصلحة الكويت والعراق فوق كل شيء»، انها كلمات معبرة لخصت بأمانة وصدق الموقف الكويتي تجاه الشقيق العراق ورغبته في أن تتسم علاقات المستقبل بين البلدين بالوضوح والشفافية والحرص المتبادل على المصالح المشتركة.
وحتماً فإن الجولات التي قام بها سمو رئيس الوزراء في بغداد ولقاءاته مع رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية في العراق فاتحة خير على البلدين حيث أكد الجانبان أهمية التعاون في جميع المجالات وفتح آفاق جديدة للاستثمار تسهم في رقي ونماء البلدين وتعزز تقاربهما وتدفع علاقاتهما نحو أرحب الآفاق. وليس أدل على ذلك من الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى المستثمرين ورجال الأعمال الكويتيين لتنفيذ مشاريع استثمارية فردية أو مشتركة مع رجال الأعمال العراقيين.
لقد أثبتت الأيام أن الكويت والعراق لا يمكن لهما إلا أن يتفقا ويتعاونا لما فيه مصلحتهما وخير شعبيهما، وها هو الوقت قد حان لبدء صفحة مشرقة واعدة بالأمل والرخاء للجارتين اللتين تجمع شعبيهما أواصر القربى والمحبة والعلاقة التاريخية المشتركة.
المصدر جريدة النهار
قم بكتابة اول تعليق