“هنا الكويت” تنشر وثيقة منتدى سامي المنيس الثقافي للإصلاح السياسي


أصدر منتدى سامي المنيس الثقافي وثيقة أكد خلالها على إحترام دستور 1962 وعدم المساس بالضمانات السياسية والحقوق الاجتماعية والشخصية والخاصة الواردة في نصوصه ،و التأكيد على أهمية ما ورد في المادتين الرابعة والسادسة من الدستور، بحيث تكون الإمارة لذرية المغفور له مبارك الصباح ،و التأكيد على مبادئ  الشرعية الدستورية والفصل بين السلطات.. وهنا نص الوثيقة

مرت الكويت خلال السنتين الماضيتين بأزمات سياسية غير مسبوقة، وتفاقمت الأزمات بعد صدور المرسوم رقم 20 /2012  المتعلق بتعديل قانون الانتخاب رقم 42/2006  الخاص بانتخابات مجلس الأمة . وقد أدى صدور ذلك المرسوم إلى تعديل آلية التصويت بحيث أصبح من حق الناخب أن يصوت لمرشح واحد بدلا من أربعة  مرشحين في الدائرة الواحدة التي تنتخب عشرة أعضاء لمجلس الأمة . وقد انشغل المواطنون، وخصوصا أولئك النشطاء في العمل السياسي، بتبعات ذلك المرسوم، وقرر البعض منهم مقاطعة انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2012، في حين شارك ما يقارب 39% من الناخبين في تلك الانتخابات التي تمخض عنها  مجلس الأمة للفصل التشريعي الحالي . وقد كان من وجهة، نظرنا نحن المنتمين إلى هذا المنتدى، وعدد آخر من المنتمين إلى التيار الوطني الديمقراطي، أن تشارك القوى الوطنية والتقدمية في الانتخابات ترشيحا وتصويتا، من أجل الوصول بقوة إلى المجلس، ومن ثم تعديل النظام الانتخابي بما يتماشى مع الأنظمة الانتخابية المتبعة في البلدان الديمقراطية العريقة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها .

بطبيعة الحال لم تكن مخرجات الانتخابات الأخيرة مثالية  كما كنا نأمل ،  وإن كان أداء المجلس المنتخب قد سمح بإنجاز عدد من التشريعات المستحقة، والبعض منها تشريعات  بقوانين ذات صبغة شعبوية مكلفة ماليا ومضرة اقتصاديا واجتماعيا . بيد أن هذا الأداء لا يختلف كثيرا عن أداء مجلس الأمة في الفصول التشريعية السابقة والذي اتسم كذلك بالشعبوية ومحاولات التكسب من خلال تبني قوانين وطروحات تمكن من شراء الود السياسي. كما أن  أداء مجالس الوزراء المتعاقبة لم يكن مواتيا لإنجاز مشروع تنموي يمكن من توظيف الموارد البشرية والمالية من أجل خلق مجتمع منتج ومسؤول يؤكد على أهمية تنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد.

الآن، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية المتعلق بالمرسوم رقم 20/2012، وهو مرسوم الصوت الواحد، وخروجنا من نفق الأزمة السياسية التي مرت بنا، وبعد الخطاب السامي الذي وجهه سمو الأمير إلى الشعب مساء يوم الأحد 16 يونيو (حزيران) 2013، فإننا ندعو إلى  خلق توافق وطني يعيد كافة الأطراف للحوار الجاد والعمل من أجل إدارة البلاد، دون شعور أي طرف بالتهميش أو الإقصاء من مراكز صناعة القرار . لكن عملية الإصلاح السياسي تستدعي تبني أهداف واضحة المعالم يتم تحقيقها من خلال تبني تشريعات تفضي إلى قوانين ملزمة لتنظيم العمل السياسي ، ولذلك فإننا نؤكد على أهمية الأمور التالية:

أولا :- احترام دستور 1962 وعدم المساس بالضمانات السياسية والحقوق الاجتماعية والشخصية والخاصة الواردة في نصوصه .

ثانيا :- التأكيد على أهمية ما ورد في المادتين الرابعة والسادسة من الدستور، بحيث تكون الإمارة لذرية المغفور له مبارك الصباح ، والحكم للأمة مصدر السلطات جميعا .

ثالثا :- ممارسة الشعب سيادته بواسطة مجلس الأمة، كمؤسسة دستورية نيابية منتخبة، بموجب قانون انتخابات متوافق عليه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويتولى المجلس مهمات التشريع والرقابة على سياسات وأعمال الحكومة بموجب ما قرره دستور البلاد .

رابعا :- التأكيد على مبادئ  الشرعية الدستورية والفصل بين السلطات، وتأكيد قيم دولة المؤسسات، والتعددية السياسية، وتداول السلطة ديمقراطيا، واحترام حقوق الإنسان، وتطبيق القانون، بالعدل والمساواة  بين المواطنين جميعا.

خامسا :- العمل على إنجاز قانون استقلال القضاء، مع تنظيم مخاصمة القضاة، وضمان حماية المبلغ عن أي تجاوزات مالية أو إدارية، وذلك للتأكيد على أهمية دور المرفق القضائي في بناء دولة القانون والمؤسسات .

سادسا :- تثبيت أسس الدولة المدنية وحقوق الأفراد والجماعات، دون تمييز ديني أو عرقي أو أي شكل من أشكال التمييز، والنأي بالدين عن الحياة السياسية حفاظا على رسالة الدين الهادفة إلى تقويم النفوس البشرية، والتأكيد على حق كل الأفراد من مختلف الطوائف والجماعات في ممارسة العبادات والطقوس الدينية دون تدخل من السلطات، إلا بما يحمي حقوقهم  ويؤكد على النظام العام .

سابعا :- ضرورة إصدار قانون للأحزاب أو الجماعات السياسية، يتم التأكيد من خلال نصوصه على أن تكون مرجعية هذه الأحزاب أو الجماعات السياسية مرجعية مدنية تعتمد على قيم ونصوص دستور البلاد، وبحيث تكون هذه الأحزاب أو الجماعات خاضعة لإشراف جهة رقابية متخصصة بموجب القانون ، ويتم التأكيد على أن تكون مصادر تمويلها محلية، وأن تعقد اجتماعاتها دوريا وتحت إشراف تلك الجهة. كما ينتظر أن تطرح هذه المؤسسات السياسية برامجها التي يمكن أن تنافس بموجبها في الانتخابات النيابية وغيرها ، وتؤدي إلى جذب  الأعضاء إليها حسب قناعاتهم الفكرية والثقافية .

ثامنا :- لا شك أن الكويت قد تأثرت كثيرا بالصراعات الدائرة في هذه المنطقة من العالم منذ بداية الثورة الإيرانية في عام 1979، وما تبعها من حرب طويلة ومقيتة بين العراق وإيران، ثم تجربة الاحتلال العراقي البغيض للبلاد . ثم تأتي الآن المتغيرات الجارية بفعل  الانتفاضات والثورات في بلدان عربية عديدة، أو ما يطلق عليها الربيع العربي . إن النتائج التي تمخضت عن كل هذه الأحداث قد أدت، مع الأسف،  إلى استقطابات متخلفة وتشوهات في منظومات القيم الاجتماعية والثقافية في أكثر من بلد عربي، والكويت ليست استثناء منها، ولذلك فقد تأثرت الوحدة الوطنية، وبرزت نزاعات ذات طابع طائفي وقبلي في البلاد. ولذلك فإننا نؤكد على أهمية قيام الحكومة والقوى السياسية والمجتمع المدني بالتصدي للتجاوزات، وخصوصا تلك الناشئة عن الاستقطاب الديني والطائفي، والعمل على نزع فتيل الأخطار الناجمة عنها. وغني عن البيان أن توظيف التعليم والإعلام لتعزيز الوحدة الوطنية يعتبر من أهم الأدوات التي يمكن أن تساعدنا في هذا المجال، مع تكريس قيم احترام سلطة القانون والتصدي لمحاولات توريط الشباب الوطني في أتون الحروب الطائفية والدينية التي تدور خارج الوطن.

تاسعا :- تعزيز دور منظمات المجتمع المدني التي أصبحت تشكل اليوم أحد المرتكزات الرئيسية في بناء الدولة الحديثة، وفي تقويم توجهاتها باعتبارها شريكا في حركة التغيير نحوتطوير المسار الديمقراطي، وتقديم إسهاماتها في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والنهوض بالقطاع الصحي وقطاع التعليم، ومجالات الإغاثة الإنسانية، وتعميق قيم المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتسامح، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، والمساواة بين المواطنين، وغيرها من المهام المنوطة بالمجتمع المدني.

من جانب آخر نرى، نحن في منتدى سامي المنيس الثقافي، أن إصلاح الحياة السياسية يجب أن يتوازن مع إصلاحات مستحقة في الناحية الاقتصادية، تتمثل في ما يلي :

أولا :- العمل على ترشيد الإنفاق العام، والتأكيد على التنمية المستدامة، والعمل على الحفاظ على الثروة النفطية، وهي المصدر الأساسي للدخل السيادي للبلاد .

ثانيا :- تطوير آليات الإنفاق الإستثماري بما يؤكد على تعزيز التراكم الاقتصادي المعتمد على معايير الجدوى الاقتصادية والمنافع الاجتماعية .

ثالثا :- توظيف الموارد الاقتصادية المتاحة ومنها ثروات القطاع الخاص في مختلف القطاعات، وبما يسهم في التخفيف من دور الدولة، ويؤدي إلى الارتقاء بالأداء والفعالية من خلال آليات التخصيص الحيوية والمبنية على معايير قانونية وبما يعكس شفافية مقنعة .

رابعا :- تطوير دور العمالة الوطنية، وتمكينها من لعب دور أساسي في مختلف الأعمال والأنشطة في القطاعين العام والخاص، ورفع مساهمة هذه العمالة من المستوى المتدني الحالي (17% من إجمالي قوة العمل ) إلى مستويات أعلى وقابلة للإرتفاع، وبحيث يتم تطوير الأنظمة التعليمية لتتناسب مع الأهداف الاستراتيجية للتنمية البشرية .

خامسا :- ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص ليكون شريكا فعليا في عملية التنمية، وليقوم بالدور المطلوب منه الذي يستحقه، مما سيدفع بعجلة التنمية في البلاد إلى الأمام، ويؤدي إلى تنويع مصادر الدخل الوطني، وتوسيع مساحة فرص العمل الحقيقية أمام الشباب الكويتي من ذوي الكفاءات.

سادسا :-  تظل قضية الإسكان، أوالرعاية السكنية، من أهم عناصر المعاناة التي يواجهها عدد كبير من المواطنين. تكمن المعضلة في محدودية القدرات التنفيذية لدى الجهاز الحكومي، وعدم توفر الأراضي الصالحة للسكن، والتي يمكن أن تقابل الطلبات المتزايدة بفعل التزايد المطرد في أعداد السكان من الكويتيين. ويجب أن تكون الحلول خلاقة وتؤدي إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب. لا بد أن تقوم الدولة  باستصلاح الأراضي الصالحة للسكن وطرحها على شركات من القطاع الخاص، وجلب شركات عالمية، لتهيئة البنية التحتية لمناطق سكنية جديدة، وإقامة المساكن عليها بموجب مواصفات مناسبة ومتعارف عليها عالميا. في ذات الوقت يجب تمكين المواطنين من الحصول على التمويل اللازم من خلال آليات ائتمان كفؤة، ومنها تمكين النظام المصرفي المحلي من إصدار أدوات تمويل طويلة الأجل،   لتمويل عمليات اقتناء المساكن من قبل المواطنين. كما أنه لا بد من وضع حد لاحتكار الأراضي من قبل البعض دون استخدامها مما يؤدي إلى ارتفاع مفرط في أسعارها. لا يمكن الاستمرار في السياسات الإسكانية الراهنة التي أدت إلى تراكم الطلبات السكنية، حيث جاوزت الآن المئة ألف طلب سكني، وتتجاوز فترة انتظار المواطنبن لها العشرين عاما.

سابعا :-  إن المبادئ و الأفكار النبيلة التي أدت إلى قيام الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في الكويت، مكنت من توفير السلع الأساسية للمواطنين والمقيمين بأسعار مقبولة، وعززت من نظام التوزيع السلعي على أسس عادلة. لكن هذا النظام التعاوني قد جرى توظيفه من أجل التكسب السياسي واللجوء إلى الاستقطابات القبلية والطائفية للتحكم به. كما انتشرت ظاهرة التنفيع والتكسب، وهي من ظواهر الفساد، بين مجالس إدارات العديد من الجمعيات التعاونية، مما دفع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى حل بعضها وتعيين مجالس إدارة مؤقتة بدلا منها، ثم إعادة إجراء الانتخابات في تلك الجمعيات. ويبدو أن النظام التعاوني يتطلب مراجعة شاملة، وقد يكون العلاج بتخصيص الجمعيات وتحويلها إلى شركات مساهمة تخضع لقانون الشركات، ويسمح لسكان المناطق بالمساهمة فيها وإدارتها على أسس تجارية. كذلك فإن القانون الذي أقر مؤخرا من قبل مجلس الأمة والذي رفع المستوى التعليمي لعضو مجلس الإدارة، ورفع السن إلى الثلاثين عاما،  وحدد مدة العضوية بدورتين، قد يكون خطوة بالاتجاه الصحيح، لمعالجة المشكلات الراهنة التي يعاني منها النظام التعاوني.

تظل هناك قضايا هامة جرى إهمالها خلال العقود والسنوات الماضية، بفعل ضعف الإدارة السياسية، وتخلف منظومة القيم الثقافية، نبرز أهمها :

أولا :-  تمكين المرأة من لعب الدور الحيوي في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، خصوصا بعد نيلها حقوقها السياسية الكاملة في عام 2005، وبلوغها  مراكز حيوية في مجالات الأعمال  والأنشطة الحكومية والخاصة، في ظل تزايد أعداد  المتعلمات في البلاد وتفوقهن. إن وجود بعض الأوضاع الاجتماعية غير السوية التي تقلل من شأن المرأة ودورها التنموي يعكس  تخلفا في الذهنية المهيمنة سياسيا واجتماعيا، مما يؤدي إلى تعطيل طاقات وطنية هامة. ولا تزال هذه الذهنية مسيطرة، حيث يطرح المشرعون قوانين تهدف إلى اختزال دور المرأة، وقبعها في المنازل، من خلال إغراءات مالية لا تغني ولا تسمن من جوع . إن المجتمعات الحية لا تستطيع التطور والتحديث دون تفعيل دور المرأة والارتقاء بالمفاهيم المجتمعية بشأنها.

ثانيا :-  حظي الشباب باهتمام متزايد خلال الفترة الأخيرة، وعقدت بشأنهم اجتماعات ومؤتمرات بإشراف من الديوان الأميري، كما أن القوى السياسية المختلفة أخذت تتغنى بدور الشباب وأهمية الانتباه لمتطلباتهم وطموحاتهم واحتياجاتهم. ولا شك أن هذا الاهتمام المباغت جدير بالإشادة به، فالكويت تتمتع بمجتمع شبابي بارز في تركيبته السكانية، حيث يقدر عدد الكويتيين الذين تقل أعمارهم عن الأربعين بثمانين في المئة من المواطنين، وأولئك الذين تقل أعمارهم عن العشرين بخمسين في المئة. ولذلك فإن هناك أهمية بالغة لتطوير إمكانيات هؤلاء الشباب من خلال الارتقاء بمستوى التعليم وجودته، وتطوير المناهج الدراسية، وتعزيز الروح الوطنية بينهم، وإبعادهم عن التعصب القبلي والطائفي، من خلال مناهج تعليمية صالحة وإعلام واع. كما يجب النظر لدور الشباب في عملية التنمية وخلق فرص العمل الحقيقية لهم، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، دون توظيفهم في وظائف حكومية مصطنعة تزيد من البطالة المقنعة بينهم. كذلك لا بدمن توفير حقوق التعبير وإبداء الرأي لهم من خلال مختلف الوسائط الإعلامية المشروعة ووسائل التواصل الاجتماعي، دون التجاوز على حقوقهم في المشاركة في صناعة القرارات ذات الصلة بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

ثالثا :-  إن التعليم في الكويت يواجه أزمة حقيقية، حيث ثبت أن نظامنا التعليمي أصبح عاجزا عن تطوير القدرات المهنية للمواطنين لكي يتمكنوا من المشاركة في العمل الإنتاجي الحقيقي. ولا شك أن التعليم الأساسي في البلاد قد تراجع بدرجة غير مسبوقة خلال العقود الخمسة الماضية، ومنذ بداية الحياة الدستورية، نتيجة للذهنية الشعبوية التي تحكمت في كافة الأمور، ومن أهمها التعليم. وقد تراجع دور المعلم بعد أن أصبح إعداد المعلمين متواضعا بفعل السياسات التي اعتمدت في هذا المجال، ولذلك أصبح الكثير من خريجي الثانوية غير قادرين على مواصلة التحصيل العلمي في مستويات التعليم العالي. وقد أكدت دراسات متخصصة أن المناهج المعتمدة في التعليم الأساسي لا تتوافق مع متطلبات التحصيل العلمي المناسب، أو تلك المعتمدة في بلدان متقدمة أو ناشئة. يضاف إلى ما سبق أن التعليم المهني قد تم إهماله، ولم يعد بالإمكان توفير الكويتيين للعمل في أعمال تتطلب مهارات وقدرات مهنية ملائمة بما يعزز القدرة على رفع نسبة العمالة الوطنية في سوق العمل. ولذلك فإن التعليم يتطلب إعادة النظر في الفلسفة الحاكمة فيه، والنهوض بكافة النظم التعليمية، ومراجعة الآليات والأدوات المستخدمة في برامج التعليم، والاهتمام بالمدرسة وقدرات المعلمين، والتأكيد على أهمية توجيه الطلبة إلى مجالات يمكن لهم تحقيق التفوق فيها، والاهتمام بأنظمة التعليم العالي لتتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتعزيز مسارات التنمية البشرية.

رابعا :- ظلت قضية ” البدون ” أو عديمي الجنسية مهملة خلال عقود وسنوات طويلة، حتى أصبحت من القضايا الإنسانية التي استدعت الاهتمام العالمي بشأنها . وبالرغم من انخفاض أعداد  أفراد فئة “البدون” من 250 ألفا إلى ما يقارب المائة ألف بفعل الغزو العراقي الغاشم، إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ تحرير البلاد ظلت عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة لهذه القضية . لقد أكد الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية أن هناك 34 ألفا من أفراد فئة البدون يستحقون مبدئيا حقوق التمتع بالجنسية الكويتية بموجب القانون ، ولذلك فإن من الضروري حسم أمر  تلك الفئة بما يتماشى  مع مقتضيات القانون والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي وقعت عليها دولة الكويت ، وكذلك  مع القيم الدينية والإنسانية. إن  تمكين أفراد “البدون” دون استثناء من الحقوق الأساسية المتمثلة بالتعليم والرعاية الصحية والعمل والحصول على الوثائق الثبوتية، يجب أن يتم تأكيدها دون أي تردد من قبل السلطات المختصة . يضاف إلى ذلك أنه لا بد من توفير حق التوظف أمام أفراد هذه الفئة ، ومنحهم أولوية بعد الكويتيين، وفقا لمؤهلاتهم وقدراتهم التي تنسجم مع احتياجات الوطن، بدلا من جلب عمالة أجنبية من مشارق الأرض ومغاربها .

خامسا :- ظلت الحكومات والمجالس النيابية عاجزة عن معالجة الإختلال في التركيبة السكانية منذ بداية عهد الاستقلال قبل أكثر من خمسين عاما. لكن هذا الإختلال السكاني ما هو إلا نتاج للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدت منذ بداية عصر النفط، باللجوء إلى آليات وأدوات الاقتصاد الريعي، وعطلت دور المواطنين في الحياة الاقتصادية . وبتقديرنا أن معالجة هذه الإشكالية لن تتحقق دون التحرر من فلسفة الاقتصاد الريعي وسياسات التنفيع والانتفاع، وتطوير آليات  التوظيف للمواطنين، وتطوير النظم التعليمية الملائمة، وتعزيز دور القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية، والانتباه للسلوكيات الاجتماعية غير المسؤولة  التي تؤدي إلى زيادة الاعتماد على العمالة الهامشية .

إن ما سبق ذكره يمثل عددا من القضايا والمواضيع ذات الصلة بالحياة الوطنية والتي تتطلب معالجات سريعة وناجعة من قبل  السلطات المعنية والمجتمع السياسي، ولكن تلك المعالجات تتطب كذلك توافقا مجتمعيا وتعاونا بين فعاليات المجتمع المدني. إن ما نتوق إليه هو أن يؤدي حكم المحكمة الدستورية، وبعد خطاب سمو الأمير، إلى تحقيق قناعات سياسية لدى مختلف الأطراف بأهمية احترام الأحكام القضائية، وخصوصا أحكام المحكمة الدستورية، وبناء عليه التوافق على سيناريوهات وطنية تؤدي إلى الخروج من مأزق التأزيم السياسي ، والانطلاق باتجاه إصلاح سياسي واسع النطاق بتوافق وطني ، كما أكد على ذلك دستور البلاد، دون تجاوز أو تقصير.ونأمل أن تأتي الفترة الزمنية القادمة بتطورات إيجابية تعزز حركة الإصلاح الوطني الشاملة ، وتعزز للكويت وأهلها الدورالحيوي والمتميز في هذه المنطقة من العالم . ونود في هذا المجال  أن نشيد بما جاء في وثيقة “مبادرة الإصلاح والتوافق الوطني”  الصادرة في التاسع من يونيو  2013، ونؤكد  على ترحيبنا بها وبكل مسعى وطني صادق.

 إننا نؤكد أن هذه الوثيقة وإن كانت تمثل قناعاتنا واهتماماتنا ، فإنها مفتوحة لمشاركة أي  من المواطنين لاعتمادها وتوقيعها .

حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه ،في ظل حكم الدستور والمبادئ الديمقراطية وقيم الدولة المدنية .

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.