الذكرى الثالثة والخمسين لإستقلال الكويت غدا

تمر على دولة الكويت غدا ذكرى استقلالها عن بريطانيا وتبوئها مكانة مرموقة بين دول العالم الحر مؤمنة بالديمقراطية منهجا لإدارة شؤونها ورفعة ورفاهية مواطنيها باعتبار ذلك عنوانا لمسيرة دولة آمنت ايمانا راسخا بهذه القيم الانسانية. وكانت الحرية هاجس المجتمع الكويتي منذ نشأته قبل اكثر من قرنين وبفضلها استطاع ايجاد الحياة الكريمة فوق هذه الرقعة من الأرض العربية واقام مجتمعا اتسم بوضوح العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وتشهد وقائع التاريخ الكويتي ان الكويتيين هم الذين اختاروا حاكمهم صباح الاول فى عام 1757 وحددوا الموارد المالية للدولة فى تلك الفترة المبكرة وصاغوا قانونا للغوص لتوزيع العائد الاقتصادي لأهم نشاط او عمل كانوا يقومون به وكان هذا القانون فريدا من نوعه فى ذلك الوقت.
لقد كان ذلك نتاجا لايمان الكويتيين بحريتهم وحرية مجتمعهم لاسيما ان مجتمعات العبيد لم تصمد أمام حركة التاريخ بل اندثرت وانهارت وأصبحت أثرا بعد عين لعجزها عن التكيف مع المستجدات والتطورات المتلاحقة .
وكانت حرية الأرض والانسان هي التى دفعت الكويتيين الى الحرص على أن يؤسسوا مجلسا للشورى فى عام 1921 لمعاونة الحاكم على تصريف أمور الوطن ومجلسا تشريعيا فى عام 1938 لصياغة دستور للبلاد اضافة الى المجلس البلدي فى عام 1931 ومجلس المعارف فى عام 1936 وغيرهما من المجالس وكلها تشير الى مشاركة الكويتيين قبل اعلان الاستقلال فى تسيير أمور بلادهم سواء على مستوى التشريع او الخدمات. وتكللت هذه الجهود باعلان المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح فى كلمته الى الأمة يوم 19 يونيو 1961 باستقلال الكويت كدولة عربية ذات سيادة وكان مطلبه الرئيسي الى المواطنين ان يطلعوا على الاتفاقية الخاصة بالاستقلال وأن يبدوا الرأي بشأنها .
وكانت الاتفاقية الجديدة تلغي اتفاقية عام 1899 وتضع الاسس لعلاقات متكافئة بين دولتين مستقلتين تتمتع كل منهما بكامل حريتها وسيادتها .
وبعد حوالي ستة أشهر من اعلان الاستقلال كان أول قانون وقعه الشيخ عبدالله السالم يختص بانشاء مجلس تأسيسي لاعداد وثيقة دستور “يبين نظام الحكم على اساس المبادىء الديمقراطية ” وجاءت وثيقة الدستور بالفعل حريصة على حرية الوطن والمواطن وعلى الفصل بين السلطات مع تعاونها وعلى كل ما هو ضروري لبناء مجتمع ناهض ومتحضر .
ووقف المغفور له الشيخ عبدالله السالم فى عام 1964 الى جانب الديمقراطية والحرية عندما انتصر لمجلس الأمة فى خلافه مع السلطة التنفيذية حول المادة 131 من الدستور .
وشهدت تلك الفترة من مسيرة الاستقلال والتى انتهت بوفاة الشيخ عبدالله السالم يوم 24 نوفمبر 1965 ارساء أسس الدولة الدستورية بمؤسساتها وأجهزتها المعروفة وقوانينها الحديثة كترجمة لمبدأ الحرية و الديمقراطية ولكنها فى الوقت نفسه شهدت نضالا على طرف آخر للقيمة ذاتها او المبدأ ذاته .
فقد وقف أمير الاستقلال بصلابة فى وجه أطماع عبدالكريم قاسم حاكم العراق العسكري فى تلك الفترة التى أطلقها ضد الكويت فى عام 1961 وحظى موقف الشيخ عبدالله السالم بمؤازرة شعبية واسعة نبعت عن ارادة حرة مستعدة لافتداء الوطن بالروح والمال والبنين مما جعله يخاطب الكويتيين بقوله ” فى هذه الأونة من تاريخ الكويت المجيد وقد هببتم جميعكم كتلة متراصة تعربون عن شعوركم الطيب الجياش واستعدادكم بالنفس وبالنفيس فى سبيل الذود عن حياض الوطن مندفعين غير مدفوعين وطائعين غير مكرهين أشكركم يا أبنائي الأعزاء وأحييكم فرادى وجماعات ” .
ولم يكن قدر الشيخ عبدالله السالم وحده مواجهة الأطماع الخارجية التى استهدفت الكويت وطنا ومواطنين ولكن ثاني أمراء الاستقلال المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح واجه تحديا مماثلا وان كان قد انتقل من خانة التفكير والتهديد الى خانة الحركة والفعل.
ففي عام 1973 تعرضت منطقة الصامتة للعدوان وانتفض الكويتيون للدفاع عن حريتهم وحرية وطنهم والحفاظ على منعة حدودهم مما ادى الى تسوية الأمر بما يكفل الحرية للكويت وطنا وشعبا.
لقد وقعت المعركة والكويتيون مشغولون بتشييد خدماتهم واقتصادهم وتسليح المواطنين بالمعرفة والعلم الحديث غير ان ذلك الانشغال لم يصرفهم عن الحفاظ على حرية الكويت وسلامتها وسيادتها.
اما فى الثاني من اغسطس عام 1991 فقد كتب على الكويت وأميرها سمو الشيخ جابرالاحمد الصباح ان تواجه أخطر عدوان تعرضت له دولة قرب نهاية القرن العشرين لكن ذلك العدوان لم يستهدف قطعة أرض او منطقة خلافية وانما استهدف الكويت من أساسها وحرية وطن وشعب . وبفضل التراث المتراكم من العلاقات الحرة بين الحاكم والمحكوم فى الكويت والتى عبر عنها كأفضل ما يكون عبدالعزيز حمد الصقر فى كلمته امام مؤتمر جدة الشعبي فى اكتوبر 1990 بقوله ” فى لقاء كهذا رسمي الدعوة شعبي الاستجابة ليس الهدف أبدا مبايعة آل الصباح ..ذلك أن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوما موضع جدل لتؤكد و لا مجال نقض لتجدد ولا ارتبطت بموعد لتمدد بل هى بدأت محبة واتساقا واستمرت تعاونا واتفاقا ثم تكرست دستورا وميثاقا “.
وبفضل هذا التراث الذى تحول الى واقع وقفت الكويت شعبا وقيادة صفا واحدا ضد العدوان وضد مخطط المحو والالغاء وبفضل وقفتهم النابعة عن ارادة حرة كسبت قضيتهم العادلة اجماعا دوليا غير مسبوق داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الاقليمية وعلى الأرض تحررت بلادهم بعد أقل من سبعة أشهر من العدوان .
واستكمالا لمسيرة الديمقراطية والوحدة الوطنية القائمة على العلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكوم في دولة الكويت اكد سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح في اكثر من مناسبة انه لا بديل للحياة الديمقراطية والنظام الدستوري في حكم البلاد. وجاءت الزيارات الأخيرة التي قام بها سمو أمير البلاد للقبائل الكويتية تتويجا للعادات الأصيلة القائمة على التواصل بين سمو أمير البلاد وشعبه والاستماع لمشكلاته وهمومه بشكل مباشر دون أي وسيط وهو أمر ليس بجديد على الواقع الكويتي بل هي علاقة خاصة توارثها حكام الكويت جيلا بعد جيل .
ويؤكد المراقبون لتطورات الساحة المحلية أن الزيارات التي قام بها سمو أمير البلاد لأطياف المجتمع الكويتي حملت رسالة واضحة مضمونها أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية وحرمة التعرض للنسيج الوطني القائم على الإخاء والتلاحم مع تأكيده على دعم القضاء واحترام احكامه وتأتي هذه الزيارات ايضا تعزيزا لروح المواطنة ونبذ الطائفية والقبلية والفئوية اذ اكد سموه أهمية القبائل حين قال “الكويت من دون القبائل ليست الكويت ” كونها جزءا أصيلا من المجتمع الكويتي المترابط أمام كل ما من شأنه زعزعة الأمن وشق الصف الواحد.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.