إذن.. الحكومة غير.!!
هكذا نستطيع أن نقرأ خطوات الحكومة الراهنة…
ويبدو بعد الصدمات العنيفة والمتلاحقة أدرك سمو رئيس الوزراء أنه سيؤكل كما أكلت حكومة سلفه الشيخ ناصر المحمد، جيد، وأعتقد محظوظ الشيخ جابر المبارك أن الصدمات العنيفة التي أصابت حكومته جاءت في وقت مبكر ولم تمض على تشكيلها إلا بضعة شهور هي أقل من أصابع اليد الواحدة، ولذلك فهو في وضع سليم يتيح له أن يتعامل مع الأحداث على نحو استباقي انتهازي يضرب خصومه ومعارضيه وخاصة من المتربصين له في قاعة عبدالله السالم من نواب الشعبوية والغوغاء والعابثين بالدستور…!!.
لا ريب أن خروج وزير المالية السابق على ذلك النحو الدراماتيكي شكل صدمة ليس لرئيس الوزراء وإنما للدوائر المالية فلقد كان مصطفى الشمالي إلى جانب كونه وزيراً لمالية دولة الكويت كان خبيراً في اختصاصه، لذلك خسرته الحكومة وخسرته الدولة في وقت حرج أحوج ما تكون فيه الدولة الكويتية إلى أشخاص في مثل خبرة وكفاءة مصطفى الشمالي، ثم كانت الصدمة الأعظم حكم تعويض الداو، وهي أكبر غرامة تسجل على الكويت التي حرصت أن يبقى سجلها نظيفا في الدوائر المالية والسياسية العالمية، فمسألة الداو لا ينبغي أن تؤخذ من كونها غرامة مالية وإنما أيضا حسبان سمعة الدولة الخارجية فيما للكويت من شبكة مصالح مالية ونفطية واستثمارية، هذه الصدمة «صدمة الداو» كانت الضربة الموجعة التي نزلت على رأس الحكومة، فأعادت إليها الوعي، فأدركت فداحة التراخي والخمول وفداحة الزحف على سلطاتها من قبل البرلمان الذي يهم اعضاؤه تسجيل البطولات والإنجازات الفارغة بغية كسب المزيد من الناخبين وضمان العودة للكرسي حتى لو كان ذلك على مطال خسارة الدولة وتلطيخ سمعتها…!!.
رد الحكومة إلى مجلس الأمة مجموعة القوانين التي أقرها أخيراً، في تصوري يشكل اللبنة الأولى للفصل بين سلطة الحكومة وسلطة المجلس، فالحكومة التي تراخت كثيراً في السنوات الأخيرة، وتركت للمجلس الزحف على سلطاتها عليها أن تعيد الأمور إلى الوضع السليم، فتراخي الحكومة جعل المواطن يشعر أن مجلس الأمة هو الكل بالكل ، وأن الحكومة بوزرائها وسلطاتها ما هي إلا جهاز ملحق لمجلس الأمة.!!.
لا نريد هنا أن نعيد شريط اخطاء الحكومة وتراخيها، فذلك الشريط مليء بالأخطاء المأساوية، على الرغم مما توافرت أمامها من فرص الإصلاح، ورغم المطالبات الشعبية الواعية بوقف زحف المجلس على سلطاتها الدستورية وأنه لابد من التحكيم على الدستور بفصل السلطات مع تعاونها، ولو أدركت الحكومة مبكراً مغبة الرضوخ للمجلس لما توقف حال البلد ولما أوقعوا علينا غرامة «الداو»، ولا تأخرت عجلة التنمية أو صدور قوانين «حلمنتيشية» مضحكة التي أرجعت البلد قروناً إلى الوراء، ولا كان هناك نواب على الشاكلة الحالية قد احتلوا مقاعد السلطة التشريعية..!!.
عودة الوعي للحكومة بعد ضربة «الداو» نرجو ألا تكون حالة مؤقتة فتعود لسيرتها الأولى من التراخي والرضوخ وقبول الزحف على سلطاتها وألا تخيفها الأصوات العالية والحناجر المفتوحة والتهديدات الفارغة، وأي وزير لا يرى في نفسه قوة المواجهة فالأجدر أن يجلس في بيته وحتى إذا كانت الحكومة عاجزة عن المواجهة فالأجدر أن ترحل، فكفى الكويت قتلا وتقطيعا وتدميرا..!!
إن الكويت لا تعود إلى سابق عهدها إلا بوجود حكومة قوية واعية مدركة لسلطاتها ومدركة لواجباتها ولدورها القيادي والتنموي، إن ضعف الوزراء وخوفهم من المواجهة كان أحد أسباب التراجع والتدمير المنظم للبلد.
رئيس الوزراء أمام تحد كبير، فإما أن يخوض المعركة حتى النهاية وينتصر وإما أن ينسحب مبكراً ويسلم الراية لمن هو أجدر.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق