قبل أن يزايد أحد على الإعلاميين في موضوع الانحياز إلى الحريات العامة وحق التعبير للشعوب والتداول السلمي للسلطة، وقبل ان يتخيل السياسيون أنفسهم أوصياء على السلطة الرابعة التي تحيا بالديموقراطية وتختنق بأنظمة الحكم الواحد، وقبل أن تبدأ الاتهامات يمينا ويسارا من الذين لا يرون من العمل الوطني سوى الهجوم والدفاع، وقبل أن يبدأ البعض بتصنيفنا أو توزيع شهادات الوطنية… قبل ذلك كله نقول إن ما يجري في الكويت على صعيد الحملة الشعبية لدعم تسليح الثوار السوريين هو سابقة خطيرة بكل ما تعني الكلمة من معنى وقد يكون لها ارتدادات سيئة على الداخل الكويتي.
مواقف الكويت مع الشعب السوري مشهود لها خصوصا وهي تقود اليوم العمل العربي الضاغط على النظام للقبول بخطة كوفي أنان، إضافة إلى أنها من أكثر الدول التزاما بالإجماع العربي في ما يتعلق بالخطوات التي تتخذ لإجبار النظام على إيقاف الحل الأمني في التعامل مع مطالب السوريين المحقة. زد على ذلك أن البرلمان الكويتي كان سباقا بين كل البرلمانات العربية في اتخاذ خطوات ملموسة لمصلحة الشعب السوري كما كانت رئاسة البرلمان العربي «الكويتية» الأعنف في مواجهة النظام ودعم المعارضة. الكويت طردت السفير السوري ولم تبعد المعارضين الذين اقتحموا سفارة بلادهم.
ترافق ذلك مع بدء الحملات الشعبية للتبرع للمنكوبين السوريين، بعضها كان وفق الأطر المعروفة ومن خلال الهيئات المرخص لها، وبعضها الآخر خضع «لمعايير المرحلة» فصار يتم عبر التيارات السياسية والقبائل بتشجيع من بعض النواب، وهذا الأمر دونه طبعا مثالب وسلبيات حيث إن دولاً أخرى مثل الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، وهي صاحبة المواقف الأكثر تطرفا اليوم من النظام السوري، رفضت فتح باب التبرعات الشعبية في المساجد أو من خلال الهيئات الدينية والشعبية وحصرتها بقنواتها المعروفة.
ومع ذلك، بدا الموضوع الأكثر خطورة هو موضوع التسليح، فالكويت المعروفة تاريخيا بلعب الأدوار التوافقية الرصينة بين الدول وداخل الدول لا يمكنها أن تنحو في اتجاه لم تسلكه حتى أكثر الدول «الثورية» أو تلك التي تملك خصومة مباشرة مع النظام السوري. فعندما طالب مثلا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل نحو سنتين من الأمم المتحدة تطبيق الفصل السابع على النظام السوري لأن العراق يمتلك أدلة واثباتات على تورط ذلك النظام في الإرهاب داخل العراق فانه في الوقت نفسه لم يطالب علنا بتسليح جماعات داخل سورية… مع التمييز طبعا بين الصراع السياسي وبين الثورة.
ثم إن الثائرين السوريين لا يحتاجون إلى قطع سلاح خفيفة كالتي يتم تجميع المال لشرائها فهم يملكون الإرادة ويملكون هذه الأسلحة، أما السلاح النوعي الذي يمكن أن يغير المعادلات على الأرض فلا يمكن لأي حملة شعبية أن تسد جزءا يسيرا منه… وأصحاب الخبرة العسكرية يعرفون ماذا نقصد.
وقبل ذلك كله وبعده، هل يمكن في ظل سطوة الخطاب الطائفي والقبلي أن تمر عملية تجميع السلاح لإرساله إلى سورية وغير سورية مرور الكرام في الكويت. إذا كنا شاهدنا حملات تبرع مالية تعقد باسم تيارات دينية وسياسية وباسم قبائل وفروع قبائل، فكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى السلاح؟ واذا كانت السعودية صنفت قيام هيئات غير مرخص لها بجمع المال بانه افتئات على الأمن الوطني فكيف ستصنف الكويت جمع السلاح؟
بصراحة أكبر، ولا خير فينا إن لم نقلها ولا في السلطة إن لم تسمعها منا. إن هيبة الدولة في الكويت مجروحة اليوم. نقول مجروحة كي لا نقول تترنح. البعض يأخذ حقه بيده لا بالقانون. والبعض يقتحم المخافر من أجل الإفراج عن موقوف. والبعض يقتحم مرافق عامة تعبيرا عن احتجاج أو تنفيذا لأجندات سياسية. البعض يرى قوته وعزوته الطائفة والقبيلة قبل الدولة والبعض يلبي نداء الواجب الطائفي أو القبلي قبل الوطني.
هذا هو الواقع، ولا نريد أن نكذب على أنفسنا كما لا نريد لغيرنا ان يكذب علينا بتبريرات واهية، وأكبر دليل على تراجع هيبة الدولة ان السلطات المعنية تفكر حاليا بتغليظ العقوبات المالية للمسيئين للوحدة الوطنية، فلو كانت الهيبة موجودة لكانت القوانين الموجودة كافية واكثر من كافية لردع المتجاوزين… ولما تجرأ كثيرون بالزحف على المؤسسات
للذكرى، وهي ليست ذكرى بعيدة، فإن دولا قريبة وبعيدة سمحت بجمع السلاح لمساعدة «المجاهدين» في أفغانستان على مواجهة «الغزو السوفياتي»، فإذا بجزء من هذا السلاح يبقى داخل هذه الدول نفسها ويستخدم لاحقا في عمليات تخريب وإرهاب داخلية هزت أمن واستقرار هذه الدول.
لا نريد لدعم عسكرة هذه الثورة أو تلك راهنا أن يصبح دعما لعسكرة الكويت لاحقا… والله من وراء القصد.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق