قال لي صاحبي: لماذا لم ترشح نفسك للمجلس المقبل، لقد كان أداؤك جيدا، وقفت ضد الكثير من القوانين العبثية، ولم تساوم كغيرك، وتقدمت ببعض القوانين المهمة، ولو ان بعضها لم ير النور، لأن دورها لم يأت لقصر مدة هذا المجلس؟!
قلت له: لقد وزنت الامور فوجدتها لا تستحق الجهد. فالمنافسة شديدة، والنيابة ليس فيها من المغريات شيء يذكر بالنسبة الي، فلم استفد من المجلس غير التجربة الثرية التي عشتها بين القوانين والتشريعات ومعرفة بعض الشخصيات الفريدة، علاوة على ان المنافسة في الغالب ليست نزيهة، حيث ان كلمة الحق لا تشفع لك امام المجاملات والانتماءات العائلية والحزبية البغيضة، وجبروت المال الذي يتدفق هذه الايام كسبا للصوت، فرأيت ان أنأى بنفسي عن هذا الجو. يا صاحبي ان للفساد انيابا، اننا نعيش عصرا، وصفه وتحدث عنه كثيرا، ابو القاسم التميمي، الذي عاش في القرن الرابع الهجري في عصر انحطاط الدولة العباسية، حين ارتفع قدر الافاقين والعيارين والمفسدين، وكما وصفهم ابو حيان التوحيدي «ان لا همّ لهم الا الكذب والتجديف وحب جمع المال على حساب البسطاء».
قال لي صاحبي: يعاب عليك في العمل البرلماني انك لا تخفي شيئا، وانت تضع اوراقك جميعها امام الناس، انت مكشوف شفاف، وهذه سذاجة سياسية. ان البراءة في العمل السياسي خطيئة كبيرة. يجب ان تشك في كل كلمة تقال لك، وان تحتفظ لنفسك بالكثير مما يجب الا يقال، فالعمل السياسي لعبة كبيرة ليس فيها من الاخلاق شيء يذكر، لذلك فالحذر واجب. قلت له: من قال لك انني سياسي؟ انا صادق مع نفسي وليس لدي شيء أخفيه، ولا أتكلم الا بما أعلم، اما من يحب الظهور بوسائل الاعلام فهو الذي يتحدث بكل مجال، اما انا فلست بحاجة الى ذلك.
قال صاحبي: انت لا تعلم ان الناس يحبون ذا الصوت العالي، الذي يهاجم الفساد باستمرار، حتى ولو كان جزءا منه، وهذا هو سر نجاح المعارضة واستمرارها سنوات طويلة في المجالس! ألم تتعلم منهم؟! قلت له: لقد تعبت على نفسي سنوات طويلة، ولا اريد ان ابتذلها الآن. العمل البرلماني هو في اللجان وليس في الجلسات العلنية التي يكثر فيها الصراخ والاستعراض لاجتذاب وسائل الاعلام، فاللجان هي التي تزود المجلس بالقوانين والتشريعات، وانا – ولله الحمد – فارس في هذا المجال، حتى لو لم يعلم الناس بذلك، فقد أقسمت امام الله بان أؤديها بأمانة، وقد فعلت.
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق