وليد الجاسم: يعرف من أين تؤكل.. الفقار

يردد العرب كثيرا المقولة الشهيرة «يعرف من أين تؤكل الكتف» لوصف انسان صاحب دهاء وفطنة ويعرف كيف يستخلص مصالحه لنفسه وكيف يستأثر لنفسه بالافضل دوماً سواء على الموائد.. أو في التجارة أو في أي أمر فيه مصلحة له.
لكن ربما العرب فاتهم ان يضربوا مثلا آخر يبدو أكثر دلالة على المقصد، فليتهم قالوا «يعرف من أين تؤكل.. الفقار».
و.. «الفقار» لمن لا يعرفها هي كتلة اللحم الطويلة المستقرة على ظهر البعير أو الحاشي الذبيح (فتيلة الظهر) وهي تقع على عظام الظهر مباشرة وفوقها يستقر السنام.. وهو كتلة دهنية كبيرة زاكية الطعم والرائحة تدلل اللحم المستقر أسفلها.
في تجربتي الأولى قبل سنوات في أكل لحم الجمل «الحاشي» فوجئت بقساوة لحمه وصعوبة انتزاعه ثم صعوبة اقتطاع قطعة بحجم ملائم للفم.. والقدرة على المضغ والابتلاع.
بعدها صرت اتفاداه في الولائم.. واذا عُزِمْت على مأدبة يتصدرها «حاشي» ووجدت بالقرب منه صينية «المفطح» فانني.. اتوجه فوراً باحثاً عما لذ وطاب من لحم الضأن، وتاركاً ما قسا وصعب من لحم الجمل.
لكن، احد الاصدقاء ممن يتمتعون بحس انساني رفيع استشعر ورطتي في يوم من الايام، وقرأ من خبرته في تعابير وجهي عدم ارتياحي، فعلمني كيف آكل لحم «الفقار».. وهي تلك القطعة الزاهية الطرية من اللحم في الموقع الموصوف اعلاه.
وبالفعل تعلمت وأكلت اول قطعة جاد بها عليَّ الصديق فوجدت لحماً طيباً اطرى من الزبدة الساخنة ولا يضاهيه في اللحم لحم، بعدها أكلت القطعة الثانية التي انتزعها لي أيضاً صديقي، ثم تعلمت، وتحملت قسوة الحرارة التي تماثل حرارة «الفرن» عندما تدس يدك في هذا الموقع لانتزاع اللحم المميز، فالشحم الملاصق الذي يعلوها لا يبرد سريعاً، وتضطر الى اختراق المنطقة ما بين الشحم واللحم لتحظى بلحمة الفقار المشبعة بالدهون الطيبة التي سالت عليها وخالطتها وتشربت فيها طوال فترة الطهي التي تمتد لعدة ساعات. وهنا يجب اولا ان تعرف اين تتخذ موقعك الهجومي على الصينية التي يزينها الحاشي، ثم تصنع لنفسك فجوة تشبه الكهف اسفل شحم السنام وتدس فيها يدك الجافة لتخرج براقة لامعة من الدهون… حمراء من الحرارة حاملة اللحم الذي ظفرت به، وتكرر العملية بالتتابع لتستخرج كل ما لذ وطاب من اللحم الطري الطيب حتى الشبع، ثم تحمد الله كثيراً على طيب نعمه.
كل السياسيين الكويتيين تقريبا تعلموا «من اين تؤكل الكتف» وفق المدرسة الكلاسيكية التي ترعرعوا فيها، ولكن قلة قليلة منهم تعلموا «من اين تؤكل.. الفقار».. ذات الخير الوفير، السياسيون الذين يركزون على لحم الكتف من الضأن هم الاكثرية فيضيق الصحن بهم ويقل اللحم عليهم وتعلو أصواتهم وصراعاتهم وهم يتنافسون، غير مدركين كم في هذه البعارين من «فساد محمول»، ولا يعلمون ان الفقار تحمل صفوة الصفوة، ومن يظفر بها كمن ظفر بالالماس تاركا قطع الزجاج للآخرين.
تعلموا من اين تؤكل الفقار، واسمحوا لي ان استعيد المقولة التي كان يختم بها الاستاذ محمد مساعد الصالح رحمه الله مقالاته، وأقول: والله من وراء القصد.
٭٭٭
الصديق بوصقر وهو من اصدقاء انستغرام نبهني إلى مقولة جميلة جادت بها قريحة الشاعر الكويتي مرشد البذال رحمه الله واسكنه فسيح جناته دلل عبرها على سخاء العطاء ورقيه مقابل البخل وسوئه، عندما قال:
حقة الطيب تجيك من الفقار
.. والردي يعطيك كرسوع البعير

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
@waleedjsm

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.