عدم الاستقرار السياسي يُفقد الحكومات شرعيتها.. فكيف لها أن تكتّف يديها أمام عناصر تدعو إلى شق الوحدة الوطنية.
نشأت الدول في بداياتها نتيجة لتجمعات بشرية عبر التاريخ، واكتسبت الحكومات شرعيتها مراهنة على نجاحاتها في تطوير هذه التجمعات البشرية وتنميتها في دولها، فمتى لم تؤدّ هذه الحكومات دورها المطلوب وفشلت، اتجهت الى دمار مجتمعاتها، فتلاشت هذه الحكومات بفقدان شرعيتها.
إذاً الشرعية هي قبول الشعوب، أفراداً وجماعات، من دون إكراه، لسلطة وهي الحكومة التي تحمل قيم المجتمع وتطوره وتنميته، ومتى ما أدت هذا الدور استقرت هذه المجتمعات، وأصبحت هذه الشرعية مستقرة.
هذه المقدمة كانت ضرورية قبل الدخول في واقع الحال التي تعيشها دول المنطقة، وهي في حقيقتها تمثل واقعا مأساويا، أدى الى ضياع شعوبها في حال عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها.
نعيش اليوم حالة من الصراعات نتيجة للشقاق الذي بدا واضحاً بين أطياف مجتمعاتنا، حيث سادت ثقافة التمترس، التي ترسّخت في الكثير من النفوس خلف المذهب بدلاً من المواطنة، فساد التعصّب والعنف والفوضى في مجتمعاتنا الاسلامية، حيث أصبحت هذه السلوكيات معوقة للتطور والتنمية ولترسيخ روح المواطنة الصالحة.
هل يعني ذلك أن أسلافنا كانوا أكثر حكمة وفطنة وعناية منا نحن ابناء هذا الوطن اليوم؟ إذا ما تصفّحنا التاريخ نرى أنه على مر السنين كان هناك أناس في الكثير من المجتمعات ديدنهم بث الكراهية والعصبية، ومتعطشين الى الدم وارتكبوا مجازر بشرية وعمليات إبادة وحشية، وقد تمكنت أغلبية الدول الأوروبية من التخلّص من ذلك أوائل القرن الماضي.
نعيش اليوم حياة التقدم التكنولوجي الذي اخترعه الغرب، لكننا – نحن العرب – نستخدم هذه التكنولوجيا والتطور لهدم مجتمعاتنا العربية بالاستخدام السيئ لها بدلاً من استخدامها لتطورنا، نتيجة لعدم وعينا، ومثال واضح على ذلك استخدامنا السيئ لوسائل التواصل الإلكترونية لبث الفتن والشقاق، مما أدى إلى الاقتتال، الذي بات سمة للوطن العربي من شرقه الى غربه، وهذا بحد ذاته لعبة خطرة بدأنا ننزلق فيها باستعمال هذه الوسائل من المتطرفين الذين أصبحوا يستعملون هذه الوسائل لبث أفكارهم الشريرة لشق مجتمعاتنا الآمنة، وهنا بات دور الحكومات ملحا لوضع حد لهذه الممارسات البشعة التي تقوم بها هذه المجموعات الخارجة على القانون. فكيف لحكومة أن تدعي الشرعية وهي صامتة عمن يهددون السلم الاجتماعي للبلد، ويحرّضون على العنف وبث الكراهية، بل المصيبة الكبرى أن يظهر بعض الأساتذة ودكاترة الجامعة ممن يدعون الى نحر من يختلف معهم في المذهب، وهم مسلمون، ولا يطبق القانون بحزم على هذه الشاكلة من البشر، التي تهدد أمن الوطن وأمانه؟
ومتى ما غضت أي حكومة النظر عن هذه الممارسات وتراخت في تطبيق القانون فقدت شرعيتها، وسادت الفوضى مجتمعاتنا، وفي نهاية الأمر تلاشت الحكومة وانتهت بانقلاب هذه المجموعات الإرهابية عليها واختطاف سلطتها.
موسى معرفي
mousamarafi@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق