سقوط إخوان مصر المدوي ينذر بأزمة التيارات الدينية

يلاحظ مراقبون أن ناشطين سياسيين ومواطنين، من تونس إلى سوريا التي تمزقها الحرب الأهلية، بدأوا يعبرون عن استيائهم من الأحزاب الدينية التي ركبت موجة الحريات، التي اطلقتها الانتفاضات. وإن كان الاستياء بلغ ذروته في مصر تحديدًا، مهد جماعة الاخوان المسلمين حيث نشأت قبل 80 عامًا، فمن المرجح أن تتردد أصداؤه أبعد من مصر، ربما بأعلى صوت في سوريا.

وفي هذا الشأن، قال الكاتب والمحلل السياسي الاردني لبيب قمحاوي: “ما يحدث للاسلاميين في مصر سيحدد وضعهم في بلدان المنطقة الأخرى”.

واضاف أن هذا يثير قلق الاسلاميين لأنهم يعرفون أنهم إذا خسروا في مصر سينتهي بهم المآل خاسرين في كل مكان، ومن السابق لأوانه نعي الإسلام السياسي كقوة يُحسب حسابها في المنطقة، ولكن دور الجيش المصري في عزل الرئيس محمد مرسي يخلق سابقة قد لا تُحمد عواقبها على الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا.

وقد يحتج متطرفون اسلاميون في مصر وغيرها بأن ما يسميه كثيرون انقلابًا عسكريًا يبرر استخدام القوة لتحقيق اهدافهم، في حين أن الأنظمة الاستبدادية التي ما زالت تقاوم الدعوات المطالبة بحريات أوسع ستتعلل بمثال مصر دليلًا على أن الانتخابات التي تأتي بالاسلاميين تقود إلى الفوضى، كابحة امكانية التقدم نحو الاصلاح السياسي.
ولكن لا شك في أن انتفاضة أكبر البلدان العربية سكانًا بحشود لم يُعرف لها نظير من قبل ضد رئيس اسلامي، قوض جهود سنوات طويلة حاول فيها الاخوان المسلمون أن يصوروا انفسهم بديلًا صالحَا عن الأنظمة القمعية، وكبدهم خسارة سيجدون صعوبة بالغة في تعويضها.
وقال شادي حامد، مدير الأبحاث في مركز بروكنز بالدوحة، إن هذه من أكبر ازمات الاسلاميين في الذاكرة الحديثة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ملحم الدروبي، القيادي في جماعة الاخوان المسلمين في سوريا اعترافه بقلق الاخوان مما حصل في مصر.

دافع الدروبي عن سجل مرسي، مشيرًا إلى انه لم يُمنح إلا سنة واحدة فقط لمعالجة المشاكل الكثيرة التي تواجه مصر. وبالرغم من ذلك، بعث الدروبي الثلاثاء رسالة إلكترونية لمرسي يدعوه فيها إلى القبول باجراء انتخابات جديدة، خشية أن يعطي رفضه التنازل عن الحكم “مؤشرًا خاطئًا على أننا لا نختلف عن أي حاكم آخر، ونريد البقاء في السلطة حتى إذا كان الشعب لا يريدنا”.

وأضاف: “نحن في سوريا نتمنى لو اثبت الاخوان المسلمون في مصر انهم حقًا ديمقراطيون”.

وقد لا تكون تداعيات ما حدث في مصر أبلغ اثرا في أي مكان منها في سوريا، حيث دفع لجوء نظام بشار الأسد إلى الجيش لقمع التظاهرات بالقوة المحتجين إلى رفع السلاح، واشعال حرب أهلية جرَّت متطوعين سنة وشيعة على السواء من عموم المنطقة إلى القتال باسم الجهاد.
وينظر النظام السوري، الذي حاول دائمًا أن يصور بطشه بالانتفاضة على انه صراع ضد متطرفين اسلاميين، بشماتة إلى الضربة التي تلقاها الاخوان المسلمون في مصر. واعلن الأسد في تصريحات الخميس أن ما يجري في مصر يجسد سقوط ما يُسمى الاسلام السياسي. ودعا وزير اعلامه عمران الزعبي الأربعاء مرسي إلى الاعتراف بأن الغالبية الساحقة من الشعب المصري تريده أن يرحل، فيما حرص التلفزيون السوري الرسمي على تقديم تغطية واسعة لحشود المتظاهرين في ميدان التحرير.

في هذه الأثناء، بدأ السوريون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة يتذمرون من تصرفات الجماعات الاسلامية التي بسطت هيمنتها ببأس مسلحيها في ساحات القتال، وتريد الآن فرض سلطتها على هذه المناطق. وأثار غضب الأهالي في حلب إعدام فتى في الرابعة عشرة في الشهر الماضي بتهمة الكفر، والحكم الذي اصدرته محكمة شرعية نصبت نفسها وصية على الشريعة الاسلامية بحظر المكياج. وفي الرقة، خرج مواطنون في تظاهرات ضد الاسلاميين الذين يسيطرون على المدينة. وقال مواطن من سكان الرقة لصحيفة واشنطن بوست عبر سكايب، طالبا عدم ذكر اسمه، إن الأهالي في الرقة تابعوا باهتمام بالغ احداث القاهرة، “والوقت سيأتي عندما يدرك الناس أن هذه الجماعات لا تمثل الاسلام وستطردهم”.
وفي تركيا، التي جرى تصويرها نموذجا للديمقراطيات العربية، فجرت التظاهرات الأخيرة مشاريع لاقتلاع الأشجار في حديقة عامة وسط اسطنبول ولكنها تطورت إلى احتجاج أوسع على النزعة التسلطية في سياسة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وتوجهه نحو الأسلمة. وفي تونس اتخذ حزب النهضة الاسلامية الحاكم موقفًا وسطيًا بين السلفيين الذين هددوا باستخدام القوة لفرض الشريعة الإسلامية والعلمانيين، في مظهر آخر من مظاهر الانقسامات التي تشهدها المنطقة.
وقال حامد، من معهد بروكنز بالدوحة: “هناك انقسام اساسي في العالم العربي حول قضايا كبرى مثل دور الدين في الحكم وهوية الدولة، وهو انقسام اساسي حقيقي والرهانات فيه كبيرة”.

 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.