بين صيحات الملايين فى ميادين مصر بهتاف “يسقط..يسقط حكم المرشد”، ومشهد كرسي الحكم وهيبة السلطة، والتفكير في مصير قياداتها والتنظيم، بدت جماعة الإخوان المسلمين في ارتباك شديد قبل الساعات الأخيرة من إعلان القوات المسلحة، ودارت وقتها اتصالات بين القيادات التي انتشرت في أماكن متفرقة هرباً من الجماهير من ناحية، وخوفاً من الاعتقال أو تحديد الإقامة من ناحية أخرى.
الساعات الأخيرة لقيادات الإخوان كان همها محاولة حشد أكبر عدد من المؤيدين لهم في الشارع لمنع أى تنكيل أو استهداف من جانب القوات المسلحة والشرطة، خاصة بعدما انحازت أجهزة الأمن للشارع وإرادة الجماهير.
وما بين الغردقة التى تواجد فيها خيرت الشاطر وعدد من مساعديه، ومرسى مطروح التي احتمى بها المرشد العام للجماعة محمد بديع، كانت هناك قيادات مثل محمود عزت نائب المرشد، الذى اختفى عن الأنظار وابتعد نهائياً عن القاهرة قبل 48 ساعة، كانت هناك غرفة العمليات المركزية التي تم تشكيلها بين جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية التي تدير خططها وتحركاتها بحسب ما هو متفق عليه سابقاً، وهو البقاء فى الشارع لأطول فترة والتركيز على عدم شرعية عزل مرسى وتسميته بانقلاب عسكرى.
أما جميع العاملين بالرئاسة من الإخوان فتم عزلهم في الساعات الأخيرة، بداية من عصام الحداد مساعد مرسي للشئون الخارجية، وأيمن علي مستشار شئون المصريين بالخارج، وخالد القزاز وأحمد عبد العاطي، وسامح العيسوي، وجميع طاقم الرئاسة، الذين لم يستطيعوا التواصل مع قيادات مكتب الإرشاد.
وشهدت ساعات الارتباك الأخيرة اجتماعات عبر مواقع “سكاى بى” الإلكتروني، التي أنشأتها الجماعة للهروب من الاتصالات التليفونية التي كانت مرصودة ومراقبة بواسطة الأجهزة الأمنية، وهرباً من المراسلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تم وضعها تحت الرقابة أيضاً.
ومن ضمن الاتصالات التى تمت هو محاولات الاستنجاد بالإخوان في اليمن الذين تواصل معهم محمود عزت نائب المرشد، وكذلك إخوان ليبيا عن طريق محمد بديع المرشد العام للجماعة، الذي كان مقرراً له أن يدخل ليبيا في حال عزل مرسي، وجهز له الإخوان على الحدود الليبية موكباً مجهزاً بالسلاح والعتاد والرجال لنقله إلى منطقة أمنة، إلا أن التحفظ على بديع ومحاصرته في مطروح أنهى هذه الخطة.
لكن التنظيم الدولي للإخوان لم يسرع في نجدة قيادات الإخوان فى مصر بسبب التعنت الذي أظهره قيادات الإخوان في الأيام الماضية بعدما طلب التنظيم الدولي، ممثلاً فى مكتب الإرشاد العالمي بتنحى محمد مرسي طالما أن هناك رفض جماهيري، حماية للجماعة وسمعتها ويكون بيده ليظهر أن الإخوان فضلوا حقن الدماء وحماية أرواح المصريين على الكرسي والسلطة، مما يضمن لهم فيما بعد مشاركة سياسية جديدة، مؤكدين أن ما يحدث يضر بالتنظيم الدولي للإخوان.
إلا أن قيادات الإخوان في مصر رفضوا، خاصة خيرت الشاطر ورشاد بيومي نائبى المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد العالمي، في ظل تصويت 8 من أعضاء مكتب الإرشاد العالمي لصالح تنحى مرسي واتقاء المواجهة مع الجيش، إلا أن الشاطر نفى أن يكون هناك مواجهة مع الجيش والشارع معهم، وأن الجيش الآن أضعف بعد عزل المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، وأن القيادات الحالية لا تستطيع اتخاذ إجراء بدون موافقة الرئيس محمد مرسي.
وبعد إعلان الجيش بيانه الذى أعطى فيه مهلة 48 ساعة للقوى السياسية إجتمع الشاطر مع قيادات الجماعة الإسلامية ومنهم عاصم عبد الماجد وطارق الزمر في فيلا خاصة، وعرض الموقف، فأعلنت الجماعة الإسلامية قدرتها على المواجهة وتولى الشارع واستخدام السلاح ولو ضد الجيش، فتم كتابة المبادئ الأساسية للخطاب الذى ألقاه مرسي الثلاثاء الماضى، وفي ذات الاجتماع تم الاتفاق على تنفيذ خطة الانتشار في الشارع وبدء تفعيل غرف العمليات المنفصلة في كل محافظة التي كان الإخوان شكلوها مع الجماعة الإسلامية لإدارة كل غرفة وضعها في المحافظة على حسب الوضع على الأرض.
و كشفت مصادر من داخل الجماعة عن خطة وضعتها عقب مساء 30 يونيو الماضى أدارها خيرت الشاطر نائب المرشد، تمثلت في الخروج بكثافة في كل الميادين سواء من الجماعة نفسها أو مؤيديها، وذلك لهدفين رئيسين، الأول يتمثل في إظهار إن ما يحدث في الشارع لم يكن للشعب المصري كله وانحيازه ضد الإخوان، ولكن لتثبت أن هناك فريقين أحدهما مؤيد والآخر معارض، ومن ثم يكون هناك مفاوضات.
أما الهدف الثاني فكان سياسة التخويف والتهديد للشعب المصري بأن القادم أسوأ حين رحيل مرسي، وأن الجماعة لن تسكت بل ستطيح في كل مصر وتكون حرباً دموياً بلا هوادة واستقدام عدد من أفراد الجماعة الإسلامية والإرهابيين والمتطرفين، وخرج عدد من قيادات الجماعة البارزة بتصريحات تبلور هذا المخطط، حيث أكد عصام العريان أن الشهادة أسمى أماني الجماعة للدفاع عن هذا النظام، ولكنه السيناريو الذى سرعان ما باء بالفشل بعد إحكام الجيش قبضته على كل محافظات الجمهورية بدعم الشعب والشرطة.
وفي الوقت نفسه كانت أفكار التحرك للرئاسة منفردة، وهو ما نتج عنه الخطاب الذى أذاعوه عبر الإنترنت بكاميرا وتصوير مهزوز لمحمد مرسي، وأعده أحمد عبد العاطي، مدير مكتب مرسي ليظهر فيه أنه ما زال قوياً ومتماسكاً، ويعلن تمسكه بالشرعية ورغبته في الحوار حتى إنه طرح كل المطالب التى طالما نادت بها المعارضة من قبل.
كما بدأ عصام الحداد مساعد مرسي بالاتصال بكل سفارات العالم في محاولة لدعم الرئيس ونظام جماعته والاستقواء بالخارج من ناحية، وتصوير المشهد من ناحية أخرى على أن الجيش يحاول الانقلاب على الرئيس المنتخب.
وشهدت الساعات الأخيرة تراجعاً واضحاً من عدد كبير من مؤيدى الإخوان أبرزها ما خرج على لسان طارق الزمر القيادى بالجماعة الإسلامية أنه لا يمانع من طرح الرئيس مرسي نفسه للاستفتاء وإعلانه أن هذا الطرح لاقى استجابة من التيار الاسلامي ولكن سرعان ما كذبت جماعته موافقتها عليه.
قم بكتابة اول تعليق