المقاطعون للانتخابات الراهنة – اذا صح – صنفان، صنف يعلم جيدا انه اذا شارك في الانتخابات ففرصته في الفوز ضئيلة، والصنف الآخر قد يرى ان فرصته في الفوز جيدة أو مضمونة لكنه ورط نفسه في تعهدات سابقة عندما اعلن مقاطعته للانتخابات حتى وان حصنت المحكمة الدستورية الصوت الواحد..!!
هؤلاء واولئك.. وباختصار شديد راحت عليهم وخيرا لهم ان يجلسوا في بيوتهم، فالفرصة لئن كانت تمر مر السحاب لكنهم فاتهم ان يستغلوها، اما غرورا واما خطئا في الحسبة..!!
والآن، مهما علا زعيق هؤلاء فالانتخابات ثابتة وستجري في موعدها.
لذا.. لا ينبغي ان نقيم وزنا الى جعجعة المقاطعين طالما لا تأثير لهم على المشهد الانتخابي الا على انفسهم.
ان مبررات المقاطعة التي يسوقها المقاطعون لا تخرج في كونها تكرارا ممجوجا لذات الاسباب التي صدعوا بها رؤوس المواطنين، الآن فالخريطة السياسية بعد تحصين الصوت الواحد قد تغيرت، ولم يعد بمقدور أي كان حجمه الشعبي ان يفرد عضلاته ويزعم انه يمثل ضمير الامة، وانما الصوت الواحد هو الاختيار الجديد والحقيقي لقياس الشعبية.
من هنا فقد بات معلوما ان الكثير من المقاطعين لن يستطيعوا اجتياز الاختبار طالما ان آلية الانتخاب قد اختلفت، فالمتمسكون بالاربعة اصوات لا يتمسكون به لكونه هو النظام الانتخابي الدستوري المثالي ويحقق العدالة، ويمكن التمثيل الحقيقي للشعب، وانما لأن الاربعة اصوات تخدم فئات محددة كالقبائل ولا سيما الكبيرة والطوائف والاحزاب في حين تحرم الفئات الصغيرة وغير الطائفية وغير الحزبية والمرأة من التمثيل في قبة عبدالله السالم.
نحن لا نقول ان نظامنا الانتخابي أو البرلماني مثالي لكننا نقول: ان دستورنا ونظامنا البرلماني قد باتا متأصلين ولا رجعة عنهما، فالتاريخ لا يعود الى الوراء، فالنظام والشعب متمسكان بالدستور، وبالنظام الديموقراطي، بل لعلي ازعم ان الحكم بات اكثر تمسكا واصرارا من الشعب على الدستور والديموقراطية، فلا مكان للتفرد بالسلطة في زمن باتت الشعوب هي مصدر السلطات.
ان الاصلاح السياسي والبرلماني ربما قد يكون مشواره طويلا ومضنٍ، ولكن الاصلاح ليس مكانه قطعا الشارع ولا المقاطعة السبيل الانجع، فمن يريد الاصلاح فليشارك بإيجابية، ويحترم الرأي الآخر، خصوصا ان الاصلاح السياسي ليس بنظرية هندسية أو مسألة حسابية (واحد زائد واحد يساوي اثنان) لكن الاصلاح السياسي عملية اجتهادية، وطرائق مختلفة وآلية متطورة، وعليه فلكل مجتمع خصوصيته التي قد لا تقاس بالجزم بالمجتمعات الاخرى، والغاية من العملية الديموقراطية هي المشاركة الشعبية في الحكم ومراقبة اعمال السلطة التنفيذية وتطبيق مبدأ الشفافية والحكم الرشيد ومحاربة الفساد وبما ان المبادئ الاساسية للديموقراطية لا تتغير من نظام الى نظام، فليس المهم اذا اختلف الاسلوب أو الطرائق.
ينبغي أخيرا القول، ان المشاركة في العملية الانتخابية (ترشحا أو انتخابا) واجبة كمبدأ وطني، وواجبة حتى نثبت للعالم اننا مجتمع متحضر يؤمن بالمبادئ الديموقراطية وبالحقوق والمكتسبات الشعبية، والتي ينبغي الاصرار عليها وعدم التفريط أو التنازل أو التهاون إزائها.
لقد أخطأ المقاطعون وهو خطأ بحجم الانتحار السياسي وفرصة لن تتكرر…!!
ان الثقة اذا تجاوزت العقل كانت غرورا، والمقاطعون يبدو قد انخدعوا بأنفسهم ويدفعون ثمن الغرور..!!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق