خبراء: 70% من الهدر الغذائي في الخليج

لم يتبق على رمضان سوى أيام معدودات، ويتسم السلوك الاستهلاكي في السعودية والخليج بشراء الأغذية التي قد يكون هدفها إشباع العين قبل البطون، ويظهر تقرير صادر عن معهد المهندسين الميكانيكيين عن إسراف نصف إنتاج الغذاء العالمي دون الحاجة، والذي يقدر بأربعة مليارات طن، كما أن نسبة الأغذية المهدورة دون استخدام يكون مصيرها الإتلاف.

ومع اندفاع آلاف المستهلكين إلى الأسواق التجارية ومنافذ التوزيع المختلفة في البلاد، بهدف تنفيذ عمليات شراء لسد الاحتياجات الغذائية الموسمية لشهر رمضان، في صورة تتكرر كل موسم، يصف اقتصاديون وخبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» هذا الفعل من المستهلكين بتكريس النمط الاستهلاكي العشوائي الذي يفتقر لطرق التسوق الذكي.

وفيما يزعم التقرير أن الغذاء المنتهي مصيره إلى النفايات يصل في الخليج إلى نحو 70 في المائة، علقت جمعية حماية المستهلك بجملة قصيرة، مفادها التذكير بأن «الإسراف سبب كل جفاف».

وحذرت الجمعية من اعتماد الأنماط الاستهلاكية الخاطئة في رمضان.

وبحسب التقرير الغذائي، تختلف أسباب هدر الأغذية بين الدول المتقدمة والنامية. ففي الدول المتقدمة، حيث تقنية الزراعة والحصاد والنقل والتخزين عالية الكفاءة تتعلق الأسباب الرئيسية لهدر المواد الغذائية بسوء التصرف من جهة الباعة والمستهلكين، حيث يرفض الباعة خضراوات وفواكه لا تتوافق مع معايير الشكل والحجم، أي لأسباب لا علاقة لها بجودتها.

ويقدر أن نحو ثلث المحاصيل الزراعية في الدول المتقدمة لا تصل إلى المستهلك بسبب رفضها بناء على أسباب جمالية فقط، وهذا يسبب خسارة 1.6 مليون طن من المنتجات الزراعية في المملكة المتحدة وحدها.

ويتخلص المستهلكون من 30 في المائة إلى 50 في المائة من الأغذية التي اشتروها نتيجة عدم فهمهم لتواريخ الصلاحية، وما يقارب 10 في المائة من الأغذية التي يرميها المستهلكون صالحة للأكل في الحقيقة.

وأفاد التقرير أن خسارة الغذاء في الدول النامية ترتبط بضعف تقنية الزراعة والنقل والتخزين، أما نسبة الأغذية التي يرميها المستهلكون فمنخفضة. وتصل نسبة الخسارة بسبب نقص كفاءة إنتاج الأغذية والمحافظة عليها بين 37 في المائة و80 في المائة من الإنتاج.

وأوضح الاقتصادي عصام خليفة أن التخفيضات هي أكثر الوسائل الترويجية استخداما في تجارة التجزئة، وأن بعض المتاجر الكبيرة تستغل المواسم والمناسبات لتقديم هذه التخفيضات.

وبين أن المحلات التجارية والسوبر ماركت والمجمعات الاستهلاكية تهدف من خلال تخفيض الأسعار إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستهلكين لشراء السلع، وتحقيق أعلى ربح من هامش الربح القليل الذين يفرضونه على السلعة، وفي النهاية تحصل على هامش الربح الأصلي الذي تريده.

وكمفهوم اقتصادي أكد خليفة أن العروض والتخفيضات تنشط في حالات الانكماش والركود الاقتصادي، والعكس صحيح حينما يكون هناك ازدهار، وأن الأمر يحتاج إلى التركيز على التخفيضات، معتبرا العروض وتخفيض الأسعار وسيلة ناجحة لتسويق السلع، خصوصا في المجتمعات النامية التي تتضاءل فيها ثقافة الاستهلاك، ويحتاج فيها المستهلك إلى من يدله على ماذا يشتري، وتكاد رغبته في الشراء تكون مرتبطة بالسلع التي يجري فيها التخفيض دون غيرها لكي يبني قراره في الشراء، وعلى المستوى الفردي فإن العنصر النسائي هو الأكثر انقيادا والأسرع تجاوبا للعروض والتخفيضات.

وبين خليفة أن العروض والتخفيضات تصب في مصلحة المستهلك من خلال حصوله على السلعة بسعر أقل من سعرها السابق، كما تأتي العروض في مصلحة التاجر في الوقت نفسه ، إلا أن التاجر يحظى بالنصيب الأكبر من الاستفادة، وذلك بتحقيقه أكبر قدر ممكن من الأرباح لأنه يحقق في هذه المواسم هامش ربح يتراوح ما بين 10 إلى 30 في المائة.

وأضاف أن العروض تختلف من مكان إلى آخر حسب جودة المنتج، ففي الأماكن الشعبية تكون نسبة التخفيضات عالية والسلع ليست من الدرجة الأولى لضمان جذب انتباه المستهلك البسيط، وتحفيزه على الشراء، أما الأماكن الراقية مثل المولات والهايبرات، فإن التخفيضات تكون على حسب مستوى المستهلك الذي لا يلقي بالا إلى التخفيض أو العروض ليشتري.

ولفت الاقتصادي السعودي استغلال المحلات التجارية نقاط الضعف عند المستهلكين وزيادة قوة شرائهم في المواسم والمناسبات وأنهم يلعبون على هذه الأوتار لتحقيق أكبر ربح ممكن.

وقال: «على الرغم من التسابق الذي تشهده المتاجر بشكل محموم في استقطاب المستهلكين بإعلانات التخفيضات، إلا أن كثيرا من المتاجر تمارس العروض والتخفيضات بأساليب تبتعد عن المصداقية والأمانة وأخلاقيات العرف التجاري، ومنها التركيز على خداع المستهلك عن طريق عرض سلعة واحدة بأقل من سعرها المعتاد، ووضعها في صدر الإعلان بهدف اصطياد المستهلك، لعلمهم أنه يكفيهم أن هذا المستهلك سيحضر للتسوق، أما الخسارة التي قد تلحقهم جراء تخفيض سلعة واحدة فإنها ستعوض من أرباح السلع الأخرى، أو يتحملها وكيل السلعة ذاتها مقابل الترويج».

وتابع خليفة: «كثيرا ما يفاجأ المستهلك عند الحضور للتسوق بأنه لا يسمح له إلا بشراء كمية محدودة من السلع المعلن عنها بتخفيض، رغم أن الإعلان لم يتضمن مثل هذا القيد، وهو أسلوب خداع تنتهجه معظم المحلات التجارية، وتركز فيه على اصطياد المستهلك بأي وسيلة».

واعتبر المواسم فرصة لتصريف بضائع لم يستطيعوا من تصريفها طيلة العام، إما لرداءتها، أو لتأثرها بسوء التخزين والتبريد، أو لقرب انتهاء تاريخ صلاحياتها، مبينا أنه في هذه الحالات تعمد المحلات إلى انتهاج أسلوب (1+1 مجانا)، في حين أن السلع الضرورية لا تخضع لتخفيضات، بل على العكس يتم رفع أسعارها لتعويض ما يمكن أن ينتج من نقص في الربح نتيجة مواسم التخفيضات.

ولفت إلى ما تعلنه بعض المحلات التجارية عن تخفيضات لا تذكر نسبتها، وتكتفي بوضع ملصقات على المحل عليها علامة النسبة المئوية، وهي تستخدمها كمصيدة للمستهلكين غير المتعلمين، وهناك محال تعلن عن تخفيضات على كميات قليلة من البضائع، وتدعي بعد حضور الزبائن انتهاءها، إضافة إلى إعلان البعض عن تخفيض بنسبة 80 في المائة، مبينا أن هذا الأمر يحمل على التشكيك في مصداقية النسبة، أو دليل على المبالغة في الأسعار قبل التخفيض، بحيث يكفي المحل تصريف البضاعة بنسبة 20 في المائة من سعرها، وأنه في كلتا الحالتين فإن الأمر يكتنفه الشك.

ومن بين الأساليب الاحتيالية ذكر خليفة أسلوبا آخر تلجأ إليه بعض المحلات التجارية وهو رفع أسعار السلع عن ثمنها الحقيقي، ثم قيامها إلى تخفيض السعر مرة أخرى؛ لتوهم المستهلك أن هناك تخفيضا، أو أنها تستغل جهل المستهلكين ويطرحون سلعا بأسماء مقاربة من الأسماء العالمية، وهذا يعتبر فسادا واحتيالا يجذب المستهلكين إلى السلعة.

ورأى خليفة أن المحلات التجارية تمارس التخفيضات بحرية لا توجد حتى في الدول المتخلفة، وأن المحلات تخفض ما تريد، وتضع ما تريد من عبارات التدليس والخداع، وهي تعلم أنها ليست مجبرة على الالتزام بها، وتعلم أيضا أنه ليس هناك من يتابع من الجهات الحكومية أو الأهلية، وتعلم كذلك أن موقف المستهلك أضعف من أن يطالب بحقه أو يجد من يسانده بسبب ضعف نظام العقوبات، فضلا عن انعدام ثقافة المطالبة بالحقوق في المجتمع، بحيث صار البائع دائما على حق، «ومن هنا يمكننا القول بثقة: إن عروض التخفيض تحتاج إلى ضبط ومراقبة من النواحي الأخلاقية والمصداقية».

من ناحيته أوضح الدكتور ناصر التويم، رئيس جمعية حماية المستهلك أن الإعلانات المضللة التي تكثر في رمضان والمناسبات لا بد من التصدي لها وتقديم البلاغات عن طريق الاتصال بالأرقام المجانية الخاصة بوزارة التجارة وحماية المستهلك والأمانات والبلديات، والاحتفاظ بفاتورة الشراء التي تؤكد التلاعب، وسيتم بعد ذلك اتخاذ الإجراءات العقابية.

وعن هذه الإجراءات أوضح التويم أن نظام الغش التجاري ولائحة الغرامات البلدية تمنع التلاعب في الأسعار أو بيع السلع منتهية الصلاحية وأن من ثبت عليه ذلك سيطبق عليه النظام الذي يبدأ بالإنذار ثم الغرامات انتهاء بالإغلاق.

وتجدد في كل موسم وزارة التجارة، على أهمية تفاعل المستهلكين عبر التبليغ عن حالات الغش التجاري والمغالاة في الأسعار، عبر تخصيصها رقما مجانيا لتلقي البلاغات، إلا أنه لا يجد تفاعلا واسعا من المستهلكين، فيما يشير بعضهم إلى محدودية التفاعل مع بلاغاتهم، إلى جانب عدم تقبل البلاغات المطلقة، عن حالات الغش أو رفع الأسعار، حيث في حال عدم رصد المستهلك لمعلومات تفصيلية دقيقة عن السلعة، لا يستلم البلاغ، ويطلب منه التوجه إلى فرع الوزارة في منطقته.

ويرى التويم أن المجتمع الخليجي يشتري أكثر مما يحتاج، وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي أوصى بعدم الإسراف في الأكل والشرب، إلا أن حجم الإسراف كبير جدا مقارنة بالغرب، لافتا إلى أن هذا الإسراف يأتي من خلال شراء سلع غير ضرورية تصل نسبتها إلى 70 في المائة يكون مصيرها النفايات في النهاية.

ولفت إلى ضرورة أتباع القواعد الذهبية التي أوصى بها الإسلام وهي (محاربة الغلاء بالاستغناء)، من خلال البحث عن بديل حتى تكون ضربة موجعة للتاجر المتلاعب، و(أن لا تشتري كل ما تشتهي)، مشددا على ضرورة التخطيط المسبق وتحديد الميزانية والسلع الضرورية.

وبين أن عدم تطبيق قاعدة الشراء الرشيد يتسبب في هدر مالي كبير وإسراف يصل في بعض الأحيان إلى التبذير وهو أعلى درجات الإسراف، وإعطاء فرصة للتجار استغلال مثل هذه المناسبات.

ورأى رئيس جمعية حماية المستهلك أن شهر الصوم من المفترض أن تقل فيه فاتورة الغذاء، إلا أن ما يحدث غير ذلك تماما، مشيرا إلى حجم الموائد المليئة بالطعام والتي لا يستهلك منها سوى لقيمات قليلة تصل نسبتها 30 في المائة بينما يذهب المتبقي منها والذي يعادل 70 في المائة إلى النفايات.

وجزم التويم بأن التجار يستغلون ثقافة «الشراء في آخر لحظة» المتأصلة بدورها لدى المجتمع. وأوضح أن جمعية حماية المستهلك رصدت أن المراكز التجارية تتعمد التخفيضات قبل رمضان وعند حلول هذا الشهر الكريم تعود الأسعار لما هي عليه، معتبرا هذا الأسلوب استغلالا للضغط على منافذ البيع من خلال ترويج للسلع التي يكون بعضها معاب أو قرب وقت انتهاء صلاحيتها.

ودعا التويم المستهلكين إلى قراءة تاريخ انتهاء الصلاحية، والإحجام عن شراء ما لا يلزمه إلى جانب الشراء في آخر أيام شعبان والانتظار حتى الأيام الثلاثة الأولى في رمضان والتي لا تزال تحتفظ بالأسعار المخفضة، مشددا على أن هذا التعامل يقطع على التجار فرصة استغلال بيع منتجاتهم المعابة أو منتهية الصلاحية، والاستظلال بالإعلانات والعروض المظللة والتي تكثر في مثل هذه المناسبات الفضيلة.

من جهة أخرى شدد الدكتور سالم الحريري الاستشاري النفسي على ضرورة التقيد بالقواعد الأساسية لضمان ترشيد التسوق، وينصح المستهلكين بجملة نصائح قائلا: «لا تذهب لتسوق سلع غذائية وأنت جائع، وأحضر معك قائمة السلع التي تحتاجها فعلا، وتسوق في الوقت المناسب، ولا تنس اختيار سلة صغيرة لتحميل السلع بدلا من عربة التسوق».

وبين الدكتور الحريري أن واقع الحال يكشف عدم تقيد الغالبية بأدنى بنود هذه القاعدة، وهذا ما يؤكده المشهد السنوي المتكرر لاكتظاظ عشرات الآلاف من المتسوقين الذين يشترون ما تحتاجه موائدهم بمناسبة حلول رمضان الذي لن يتأخر أكثر من 48 ساعة، وهو ما يعني أن هؤلاء المتسوقين يخالفون واحدا من أبرز بنود دليل التسوق الصحيح والذكي.

وأوضح الاستشاري النفسي أن كثيرين يعيدون ارتكاب أخطاء التسوق التي لم يتخلصوا منها رغم تكرر التجربة في مثل هذا الوقت من كل عام، مرجعا ذلك إلى ضعف ثقافة التسوق الذكي التي لم تجد من يسوقها بين المستهلكين، أو عدم العمل بمقتضيات هذه الثقافة الغائبة إلى حد كبير، وهو ما يجعل المستهلكين في استجابة تلقائية لتحقيق أهداف خطط صاغها محترفون في مجال التسويق لصالح التجار، وهو ما يقود أيضا إلى تكرار الخطأ، بل وتفاقم المشكلات المادية خاصة لذوي الدخل المحدود

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.