كيف يمكن النظر الى احداث مصر الأخيرة، والتي توجت يوم 3 يوليو 2013 بتجريد اول رئيس مصري منتخب من سلطته الشرعية، وإنهاء حكم الإخوان المسلمين؟
ويمكن بالطبع اعتبار ما جرى «انقلاباً عسكريا» على نهج ما عرفه العالم العربي من الانقلابات ولا يمكن لأي مؤمن بالديموقراطية والقانون والدستور وحق الناخبين وسلطة الأمة، ان يقر خطوة عنيفة كهذه لتغيير نظام الحكم، بعد ان اختارت الجماهير بارادتها الحرة د.محمد مرسي، المنتمي الى جماعة الاخوان، رئيساً للجمهورية قبل عام. غير اننا ملزمون كذلك ان ننظر كالقاضي الذي يريد الحكم والعدالة، في حقائق ووقائع اخرى، لابد أن تؤثر في الحكم. فكم كنا نود ان تنجح هذه التجربة الديموقراطية وتستقر امور مصر وتواصل هذه الدولة الاساسية في المنظومة العربية مسيرتها، ولكن الاحداث تطورت في مسار آخر.
واول هذه الحقائق السياسية المؤثرة في التحليل والحكم، ان قطاعاً واسعاً بمثابة الاغلبية من الجماهير المصرية التي لا يمكن تجاهل حجمها وموقفها، تظاهرت واحتشدت ضد الرئاسة والنظام، مما زعزع شرعية الوضع القائم، وحتم على النظام اللجوء الى شكل من اشكال استفتاء الجماهير، مهما كانت شرعية السلطة القائمة.
ونحن نرى في كل الأنظمة الديموقراطية الراسخة، مهما كانت درجة تأييد الناخبين لها في البداية، أنها تلجأ الى بعض اشكال الاستفتاء او غالباً الانتخابات المبكرة، كي يقول الشعب كلمته إما بتأييد الرئيس والحزب والخطوات القادمة، او يعلن عبر نسبة الاصوات موقفه منها. وهذا ما رفضه الاخوان المسلمون، رغم حجم الجماهير المعارضة وتأزم الأوضاع، حتى وصلت البلاد الى حافة الانفجار والحرب الأهلية. ولو كان الاخوان واثقين من استمرار التأييد الشعبي لهم لدعوا الى مثل هذه الانتخابات المبكرة التي كانت ستحسم الأمر.
ولنا هنا الحق ان نتساءل: هل نجاح رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء في اية انتخابات، وبأي نسبة، يعطيه تفويضاً بأن يعمل بالبلاد والعباد ما يشاء مدة حكمه؟
ماذا لو تخبط في سياسات مغامرة تهدد مصالح البلاد وحقوق ومستقبل الدولة او الشعب؟ او تبين انه يوظف منصبه لخدمة حزبه السري او ظهر فشله للقاصي والداني؟
ولقد فاز «هتلر» بمنصبه كزعيم عبر وسائل ديموقراطية في البرلمان الألماني، ولكن أما كان يحق للشعب الألماني أو المعارضة حتى العسكرية أن تعزله عن الحكم، وتفسح المجال لانتخابات ديموقراطية جديدة؟
وبالطبع لم يكن د.مرسي فوهرر مصر ولا مشعلاً للحروب، ولكنه كذلك لم يكن خير مترجم لحزب عمره نحو ثمانين سنة. وحتى لو كان صاحب رؤية فان الحزب لن يدعه وشأنه. ذلك أن أولويات زعامة الاخوان المسلمين ليست أولويات مصر بالضرورة ولم ينجح الرئيس مرسي في استخدام التفويض الجماهيري بالحكم، ولا توظيف قدرات الاخوان المسلمين، ولا تهدئة مخاوف مناوئيه وتحييد خصومه، وظلت مشكلة الاخوان في الحكم كما هو متوقع، سرية الحزب، وعدم ملاءمة افكاره لهذا الزمن، وعدم قدرته على بناء جسور قوية مع الاطراف المقابلة، وتفضيل تمكين «الحزب» و«أخونة» البلاد.. على أولويات الشعب والبناء الديموقراطي.
وفشل د. مرسي في اقناع الشعب المصري بأنه رئيسهم المنتخب، وبأن رؤاه مستقلة عن اولويات حزبه، وبأن لديه ما يقدمه لنهضة بلاده.
ومن المؤسف ان اعلام جماعة الاخوان وكتبها يركزون حديثهم على «الانقلاب العسكري» الذي جرى، وكأن د. مرسي قد تعرض لما تعرض له رئيس وزراء ايران د.محمد مصدق عام 1953 او الرئيس سلفادور ألندي في تشيلي عام 1973 وما عقبهما من قمع وقتل. ولا يشير هذا الاعلام الى الاسباب الحقيقية لغضب ملايين المصريين على الحركة وفرحتهم العارمة بالخلاص من هيمنته.
لا يفكر احد بحرمان الاخوان المسلمين او الاسلاميين عموماً من حقوقهم السياسية فهم مواطنون لهم نفس حقوق الآخرين، ونحن جميعا بانتظار الانتخابات القادمة التي نأمل أن تكون مفتوحة لكل التيارات والتوجهات، آملين ألا ينزلق الاخوان المسلمون الى ما يدمر فرصة مشاركتهم.
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق