المجلس التأسيسي يرسخ الديمقراطية الكويتية

تعيش دولة الكويت أجواء ديمقراطية متميزة على أعتاب انتخابات مجلس الامة (27 يوليو الجاري) في تجربة غير مسبوقة تجرى فيها انتخابات برلمانية كاملة في شهر رمضان المبارك.

وشكل المجلس التأسيسي اللبنة الاولى في طريق ترسيخ الديمقراطية الكويتية ووضع الدستور وأسسه وأحكامه اذ لم تكد الكويت تستكمل في 19 يونيو 1961 استقلالها بانهاء أحكام اتفاقية 23 يناير 1899 التي وقعها الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت مع بريطانيا حتى أعلن الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم ال11 اعتزامه استكمال قيام المؤسسات الدستورية والحكومية بأقرب وقت.
وما إن مضى شهران على توقيع معاهدة الاستقلال حتى أصدر الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه مرسوما أميريا في 26 أغسطس 1961 بتأليف هيئة تنظيمية تضم 11 شخصا للعمل على انشاء هذا المجلس جاء وذلك “رغبة منا في اقامة نظام الحكم على أسس واضحة متينة وتمهيدا لاصدار دستور للبلاد يستمد أحكامه من ظروفها ويستند الى المبادئ الديمقراطية ويستهدف رفاهية الشعب وخيره”.
وحدد المرسوم في مادته الثانية أن يتكون من أعضاء المجلس الاعلى الثمانية (وهم رؤساء الدوائر الحكومية وأعضاء هيئة التنظيم) مجلس مشترك يتولى الى جانب الاعمال التي يقوم بها وضع مشروع قانون لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي يتولى عند تأليفه اعداد دستور للبلاد.
وفي السادس من سبتمبر 1961 صدر قانون نظام انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي وبمقتضاه قسمت الكويت الى عشر مناطق انتخابية على أن تنتخب كل منطقة نائبين عنها في المجلس بالاقتراع العام السري واشترط القانون ألا تقل سن النائب عن 30 سنة وأن يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة وأن يستمر المجلس قائما لمدة سنة واحدة من تاريخ اعلان نتيجة انتخابه ما لم يقرر الدستور غير هذا.
وأجريت الانتخابات في 30 ديسمبر 1961 لاختيار أعضاءالمجلس التأسيسي وفاز بعضويته 20 مرشحا وتم الاحتفال بعقد أولى جلسات المجلس بخطاب للشيخ عبدالله السالم الصباح أكد خلاله مفهومه للديمقراطية بوصفها ركنا أساسيا من أركان بناء الدولة الحديثة وانه تقع على عاتق المجلس مهمة وضع أسس الحكم في المستقبل.
وانتخب المجلس في أولى جلساته عبداللطيف ثنيان الغانم رئيسا له بالتزكية وفي الثالث من مارس 1962 شكل المجلس لجنة خماسية من أعضائه ضمت كلا من يعقوب الحميضي وحمود الخالد وعبداللطيف ثنيان الغانم والامير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح طيب الله ثراه وسعود العبدالرزاق.
وعنيت تلك اللجنة باعداد مشروع الدستور فأنجزت مهمتها في 23 جلسة وقدمته للمجلس لمناقشته حيث تم اقراره ورفعه الى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه في الثامن من نوفمبر 1962 وصدق عليه وأصدره بعد ثلاثة أيام بالصورة التي أقرها المجلس.
وقال رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف ثنيان الغانم أثناء تسليمه مشروع الدستور للشيخ عبدالله السالم “انه لشرف كبير لزملائي أعضاء لجنة الدستور ولشخصي أن نقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي مشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت وكل رجائنا أن يأتي هذا الدستور محققا لآمالكم الكبيرة لخير شعبكم الوفي”.
من ثم رد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه بكلمة جاء فيها “نحمد الله العلي القدير أن أتاح لنا في هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا العزيز تحقيق أمنيتنا في وضع دستور للبلاد يقوم على أسس ديمقراطية سليمة ويتفق وتقاليدنا ويتجاوب وآمال أمتنا ونحن اذ نبارك له اليوم هذه الخطوة ونصدر الدستور نشكر لكم جميعا ما بذلتم من جهود مخلصة وما أظهرتم من روح الاخوة الصادقة في أثناء عملكم”.
وفي 15 يناير 1963 عقد المجلس التأسيسي جلسته الختامية التي انتهت بها مهمته وقد ألقى نائب رئيس مجلس الوزراء بالوكالة آنذاك الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه كلمة الحكومة أكد خلالها ان المجلس كان موفقا في تحقيق رغبة الشيخ عبدالله السالم.
وقال ان نصوص الدستور جاءت محققة للديمقراطية في أكمل صورة ومتفقة مع واقع البلد وظروفه ومساهمة في دفعه الى ركب الحضارة مضيفا ان الحكومة تقدر كبر المهمة التي ألقيت على عاتق المجلس التأسيسي في وضع دستور للبلاد والقيام بأعمال المجلس التشريعي أثناء فترة الانتقال وقد قام المجلس بالعبء على أحسن وجه فكان مثلا رائعا في فهم الأمور وحسن تناولها والتعاون الكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للسير بالبلاد قدما نحو ما تصبو اليه من مكانة.
وأكد الشيخ جابر الاحمد طيب الله ثراه في تلك الكلمة ان أبناء هذا البلد ليرقبون العهد الدستوري القادم بتفاؤل الراغبين في الاصلاح الحريصين على مصلحة البلاد العليا المتعاونين على الخير والكل يشعر أن هذا العهد القريب جديد في نصوصه وحدها..قديم في جذوره الراسخة بأعماق هذه الامة الكريمة.
في سياق مواز وبعد مضي سبعة أيام فقط من انتهاء أعمال المجلس التأسيسي تم اجراء الانتخابات لاختيار أعضاء أول مجلس للأمة في دولة الكويت.
ويتألف دستور البلاد من 183 مادة موزعة على خمسة أبواب الاول عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات.
ويتضمن الدستور خمسة فصول يشتمل الاول على أحكام عامة ويعنى الثاني بسلطات رئيس الدولة والثالث بالسلطة التشريعية والرابع بالسلطة التنفيذية والخامس بالسلطة القضائية في حين ضم الباب الخامس أحكاما عامة ومؤقتة.
ونصت المادة السادسة من الدستور على أن “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للامة ومصدر السلطات جميعا وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور”.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.