صلاح العتيقي: لتاريخ أوروبا نكهة

حين تزور أوروبا حاول أن تأخذ رحلة إلى معالم هذه المدن، ستجد قصصا، وتاريخا جميلا، ومتعة ما بعدها متعة، حيث توجد في اغلب المدن الأوروبية باصات مخصصة للسياح تأخذهم وتجوب بهم أرجاء المدينة، وهي ما عرفت تسميتها بـ Sightseeing buses. هذه الرحلات تفوق كثيرا طرقنا التقليدية في اكتشاف المدن، كذهابنا للتسوق وزيارة المطاعم الشهيرة ودور الملاهي وغير ذلك، بل انها تعطيك ثقافة واطلاعا واسعين على التاريخ، والاشخاص والمدن، حين تزور متاحفهم وكنائسهم تستطيع ان تستنتج وتسمع عن حوادث حصلت، ومعارك مورست، ومشاهير مروا بهذه المباني العظيمة والساحات المهيبة. لنأخذ واحدة من هذه القصص حول نشأة البروتستانتية.

المكان: الواقع الايطالي. الزمن: 1500 سنة بعد الميلاد. في هذا الوقت كان القساوسة يهتمون بالبناء والمبالغة في الفخامة لكنائسهم ودور سكنهم ويحضرون لها اشهر المهندسين والفنانين، كالمهندس الشهير رفائيل، والرسام مايكل انجلو وغيرهما، ولم تكن الكنيسة المعتمدة في ذلك الوقت تلبي هذا الطلب، وهي كنيسة القديس بيتر، على الرغم من ان قسطنطين الأكبر هو الذي شيدها، وهي التي توج بها شرلمان امبراطورا، لذلك فهم يتطلعون لبناء كنيسة جديدة لم يسبقهم أحد في فخامتها، ولكن المال شحيح في ذلك الزمان، لذلك اخترعوا ما يعرف بصكوك الغفران، واجبروا العامة على الدفع مقابل المغفرة من الذنوب، ولم يستثنوا أحدا من هذه الضريبة، وحيث ان كنيستهم قامت على افتراض باطل دينيا، ظهر راهب اسمه مارتن لوثر، كان هذا الراهب عازماً على إبطال هذا الاسلوب المنافي لما جاء في الانجيل، لذلك قام بحملة مضادة وكتب المناشير وعلقها على الكنائس قائلا إن رحمة الرب لا يمكن شراؤها بالمال. أصبحت الأجواء مشحونة، والمناقشات كثيرة، والتكفير على أشده، كان يصر في خطبه على انه ليس للرهبان فضل او وساطة بين الله والعبد، وكان يقول ان القسيس معلم فقط، وله ان يعيش مثل بقية خلق الله، وأن يتزوج ايضا. انتشرت افكار لوثر في اوروبا، وخصوصا في ألمانيا، وكان اختراع الطباعة في ذلك العهد قد ساعد كثيرا في انتشار هذه الافكار، قام البابا الاعظم بعزله كنسيا، ولكنه قد اكتسب تأييدا عظيما، بل انه انفصل واتباعه عن الكنيسة الأم. وفي عام 1521م أمر الامبراطور تشارلز الخامس بمحاكمة الراهب لوثر امام البرلمان الألماني، واحضر امام الرهبان والأمراء في مجلس مهيب، فأمره الامبراطور بنبذ تعاليمه، فما كان منه إلا ان طلب يوماً للتفكير. في اليوم التالي حضر وقدم خطابا طويلا باللغة اللاتينية لم يفهم الأمبراطور الشاب شيئا منه، وختم خطابه بـ «أن ضميري مرتبط بالرب ولا يمكن التراجع وليساعدني الرب، آمين». اصدر الأمبراطور مرسوما بان مارتن لوثر طريد العدالة، واذا قُتِل فسوف تعتبر هذه الفعلة غير مجرمة، غير ان فريدريك الحكيم نصيره أخفاه في قلعة وارتنبيرغ، حيث عاش متخفياً تحت اسم مستعار، ترجم خلال هذه الفترة الانجيل الى الألمانية وتوفي ولم يعلم أحد عن جثته شيئا، وانتشرت البروتستانتية بعد ذلك.

وهكذا اذا كانت الافكار تخاطب العقل والمنطق فلا بد ان تنتصر، وكما تقول الأمثال: «اذا ظهر للمذهب اعداء بدأت به جرثومة الانتصار».

د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.