يختلف المصريون حول مرسي والسيسي والإخوان وتمرد والإنقاذ والجيش، ويتفقون على العداء للإدارة الأميركية، وخصوصًا لباراك أوباما، الذي نجح في سياسته نحو الأزمة المصرية باستعداء جميع الأطراف.
نشر الإعلامي المصري عبد اللطيف المناوي قبل أيام مقالًا على موقع “العربية”، تحدث فيه عن مؤامرة ضد مصر، متهمًا السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسن بالضلوع فيها، من خلال توجيه قناصة الإخوان المسلمين لقتل الجنود المصريين.لكن هذه الرواية على جموحها تبدو أليفة على حد وصف مجلة فورين بولسي، مقارنة بالشائعات والاتهامات التي تعجّ بها وسائل الإعلام المصرية وبين الجمهور المصري. وأبدى خبراء متمرسون في متابعة البلاغة الخطابية المصرية دهشتهم إزاء حدة الموجة الحالية من العداء للولايات المتحدة وقسوتها.ويلاحظ هؤلاء الخبراء امتلاء الشوارع بالمنشورات واللافتات والملصقات والكتابات التي تندد بالرئيس باراك أوباما، متهمة إياه بدعم الإرهاب، مع تصويره بلحية أو ملابس مطرزة بشعار جماعة الإخوان المسلمين.
وتزيّن ميدان التحرير لافتة كبيرة تعلن المحبة للشعب الأميركي والكراهية للرئيس أوباما.باترسون شريرة تؤكد مجلة فورين بولسي أن كل ألوان الطيف السياسي المصري تشارك في هذه الحملة، من اليساري المخضرم جورج إسحاق، الذي قال إن باترسن سيدة شريرة، إلى الجبهة السلفية، التي دعت إلى تظاهرات أمام السفارة الأميركية احتجاجًا على التدخل الخارجي في شؤون مصر، مرورًا بالإذاعي التلفزيوني توفيق عكاشة وتحريضه على الأميركيين الغرباء وقادة حركة تمرد، الذين رفضوا لقاء مساعد وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز، لأن الولايات المتحدة “تدعم الإرهاب”، وقادة الإخوان المسلمين، الذين يحمّلون الولايات المتحدة مسؤولية عزل الرئيس محمد مرسي بقرار من الجيش.يُبرَّر تسونامي العداء لأميركا الذي يجتاح مصر بوصفه ردًا مشروعًا على دعم واشنطن لحكومة الإخوان المسلمين خلال سنة مرسي في الرئاسة، كما ترى أوساط عريضة من الرأي العام المصري. ولا شك في أن الكثير من المصريين، سواء أكانوا مؤيدين أو مناوئين للرئيس المعزل، يشعرون بالغضب تجاه السياسة الأميركية تجاه مصر.
ولا شك أيضًا في سعة المعارضة للإخوان المسلمين، التي اتُهمت واشنطن بالتواطؤ معهم. وأخيرًا، لا أحد يماري في أن الولايات المتحدة أخفقت في التواصل بفاعلية أو شرح موقفها للجمهور المصري المستقطب والمعبأ، بحسب مجلة فورين بولسي.عداء متصاعد والحق أن الحملات الإعلامية ومشاعر العداء للولايات المتحدة تعود إلى فترة طويلة قبل صعود مرسي والإخوان المسلمين، خصوصًا بسبب مواقفها من القضايا العربية. وأورثت هذه التركة عادات راسخة في الفكر السياسي، كما ترى مجلة فورين بولسي، منوهة بأن الجديد في الموجة الحالية هو شدة العداء لآراء الإخوان المسلمين.وتذكي هذا الاستقطاب، على الأقل بين الأوساط السياسية المصرية، وسائل إعلام تستخدم لغة نارية معزَّزة بمؤثرات التضخيم والتسريع على مواقع التواصل الاجتماعي. وتنطلق أصوات ليبراليين وثوريين قدامى داعية إلى استخدام لغة أهدأ، لكنها تسبح ضد تيار جارف في الوقت الحاضر، لا سيما أن خطابية العداء للولايات المتحدة التي تتدفق بحرية في وسائل الإعلام المصرية انعكست في أوساط الرأي العام المصري، وهو اتجاه سابق على الثورة المصرية أو فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات.ففي مايو 2008، قال أربعة بالمئة فقط من المصريين إن الولايات المتحدة ستترك شعوب المنطقة تقرر مستقبلها السياسي بإرادتها من دون تدخل أميركي مباشر، في حين أبدى ستة بالمئة فقط من المصريين رأيًا إيجابيًا في القيادة الأميركية في واشنطن، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في حينه.تغيّر هذا الاتجاه لفترة قصيرة بعد انتخاب أوباما وخطابه في جامعة القاهرة في يونيو عام 2009. ولكن ما ناله أوباما من تعاطف بعد ذلك الخطاب، انهار في غضون عام واحد إلى مستوى أدنى من مستوى شعبية جورج بوش، التي كانت أصلًا في الحضيض. وفي أواخر العام 2011، قبل صعود الإخوان ومرسي، رفض 70 بالمئة من المصريين المساعدات الاقتصادية الأميركية.الإخفاق الأميركي كان واضحًا أن واشنطن أخفقت في التعامل بفاعلية مع هذا العداء، الذي اقترن باستقطاب شديد بعد صعود الإخوان وتسلمهم مقاليد الحكم.
وعلى امتداد أشهر، لا سيما حين أصدر مرسي إعلانه الدستوري في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مانحًا نفسه سلطات مطلقة، كانت طائفة واسعة من المحللين المصريين والأميركيين تحث الإدارة على اتخاذ موقف أوضح دفاعًا عن القيم الليبرالية، وتشديد الضغط على مرسي من أجل الالتزام بحقوق الإنسان ومبادئ التسامح والشراكة الوطنية.لكن محاولة واشنطن التحرك بعيدًا عن الأضواء واتخاذ موقف متوازن أفلحت في استعداء الطرفين عليها. إزاء هذه الأخطاء، يتعين على الولايات المتحدة أن تولي اهتمامًا أكبر بما تسمعه من المصريين عن الولايات المتحدة. فإن الإصرار على الاستهانة بالانتقادات المتداولة ضدها لن يجدي في تصويب المواقف المعادية.يتمثل الدرس الأول من أحداث السنوات الأخيرة في أن للرأي العام تأثيره وثقله على اختلاف تلاوينه وتناقضاته الداخلية، حتى إذا صعب التنبؤ بالطرق التي سيتبدى بها هذا التأثير وأين سيتبدى. وينبغي أن تكون الدبلوماسية العامة استثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد وليست علاجًا سريعًا.ومن المؤكد أن على إدارة أوباما أن تتواصل على نطاق أعرض مع قطاعات أوسع من الرأي العام المصري، وأن تستخدم لغة أكثر وضوحًا وإقناعًا، لإفهام سياساتها التي تبدو متضاربة. وعليها أن تفعل ذلك، حتى وإن أدركت أن لا شيء تقوله أو تفعله سيحدث فارقًا آنيًا في هذا الوضع من استقطاب المجال العام والتسيس العارم، حيث العداء لأميركا يحقق كسبًا سياسيًا مضمونًا من الرصيد الشعبي، بحسب مجلة فورين بولسي.
قم بكتابة اول تعليق