لم تمضِ أشهر قليلة على مغادرته منصب رئيس الحكومة الكويتية في نوفمبر 2011، برهن الشيخ ناصر المحمد بأنه صاحب حضور طاغٍ في الداخل الكويتي، وأن التجريح السياسي الذي ناله إبان شغله للمنصب لم يؤثر في شعبيته.
و في اليومين الأخيرين من شهر نوفمبر 2011، لاحظت أوساط كويتية رفيعة الشأن أنه خلافًا لقرار ورغبة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد ، فإن رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد أصر على مغادرة موقعه، مؤكداً أنه سيرتضي القواعد الديمقراطية، وأنه سيخلي موقعه السياسي ليس خوفًا من التجريح والإستهداف السياسي الذي احتمله مسامحًا الجميع بلا أي حقد أو كراهية، بل لأنه يرى أن من حق آلاف الكويتيين الذين طالبوا برحيله تجريب شخصية جديدة ترأس حكومة بلادهم، مؤكدًا أنه أدى قسطه لعلى الوطن، ويريد أن يتأمل المشهد السياسي من بعيد
وبالرغم من احتفاء المعارضة السياسية في الكويت لحكومات المحمد التي بدأت في العام 2006 بهذا القرار، إلا أن المعارضة التي سيطرت على أول برلمان كويتي بعد المحمد لم تستطع أن تثبت أي أدلة أو براهين على دفع الشيخ المحمد أموالًا سياسية لموالين له، قبل أن تتعثر هذه المعارضة سياسيًا مع رئيس وزراء جديد هو الشيخ جابر المبارك ، الذي أبدى تشددًا حيال المعارضة بلغ حد تسهيل قرار السلطة تعديل قانون الإنتخاب، وعقد إنتخابات جديدة من دون المعارضة. ويقول معارض كويتي إن خيارات الشيخ المبارك كانت مطروحة أمام المحمد قبل سنوات، لكنه كان يرفضها، شارحًا وقتذاك أن فيها الكثير من التعسف مع معارضة وطنية، وأن السبيل الوحيد هو إرتضاء المزيد من تعقيدات الديمقراطية.
رئيس وزراء الكويت السابق الذي ترشحه أوساط كويتية لمستقبل سياسي آتٍ للرجل المُتقِن للغات عدة، من بينها الفرنسية والتركية والفارسية، لا يزال يُواظِب على عادة فتح ديوانه يومًا كل أسبوع لإستقبال الكويتيين والتحدث إليهم، أقام أمسية رمضانية في ديوانه يوم الخميس الماضي، إذ فاجأ حضور هذه الأمسية “الغبقة” كل التوقعات من حيث عدد الحضور، ما دفع الناشطة السياسية الكويتية سارة الدويش إلى القول إن عدد حضور غبقة الشيخ المحمد فاق عدد حضور بعض مسيرات المعارضة التي طالبت برحيل الشيخ المحمد عن منصب رئاسة الحكومة، إذ تكشف الدويش أن الشيخ المحمد منذ خروجه من الحكومة ينتصر سياسيًا لأكثر من سبب، لافتة إلى أن عجز مروجي الإتهامات ضده من إثبات إتهاماتهم، كما أن مشاكل الكويت السياسية لم تحل برحيل الشيخ المحمد، وتشير الدويش أيضًا إلى أن المعارضة السياسية في ورطة حاليًا، بسبب غياب الشيخ المحمد المعروف عنه نهجه التسامحي حتى مع أشد خصومه.
لفت الصحافي الكويتي سالم الواوان إلى أمر مهم، لاحظه في غبقة الشيخ المحمد، إذ شاهد بعضًا من وجوه المعارضة الكويتية الذين حملوا يافطات وشعارات تنادي برحيل المحمد، يأتون للسلام عليه ، مؤكدا انه منذ أن كان موظفًا رسميًا صغيرًا قبل عقود، وأنه لا يحمل حقدًا لأي من خصومه، وأنه لا يزال يبادر إلى التواصل الإنساني مع خصومه، بالرغم من كل التجريح السياسي الذي ناله في السنوات الأخيرة.
قالت الشيخة هيا الصباح: إنها تعرف المحمد منذ أن كانت طفلة، وهو لم يتغيّر حتى الآن، “فهو رجل بسيط جدًا، إنساني إلى أبعد الحدود، دمعته قريبة جدًا على أي موقف مؤثر، وهو سخي على الحالات الإنسانية، ويقوم مكتبه الخاص بإيفاد العديد من الحالات الطبية للعلاج في الخارج على نفقته الشخصية قبل وأثناء وبعد شغله منصب رئاسة الحكومة”.
وتؤكد الشيخة هيا أن المحمد خلافًا لما تم ترويجه عنه إبان حملة التجريح السياسي، فهو زاهد بالمناصب السياسية، ولا يحب قيود الموقع الرسمي، واستقال مرارًا من منصبه راجيًا الأمير قبول إستقالته، إلا أن الأمير كان يعيد تكليفه تشكيل الحكومة.
وتقول فضيلة العمر: أن الشيخ المحمد رجل فاضل، وسجاياه يصعب حصرها، لكنها تؤكد أن حكوماته ونهجها السياسي كان ضارًا جدًا، “وكان عليه أن يستفيد من التمسك الأميري به، وإحترام المعارضة له وقت تكليفه بتشكيل حكومة قوية ونظيفة، وخلفها سياسات قوية لتحويل الكويت إلى ورشة بناء وإعمار، لا السماح لوزراء ومستشارين له خلق صورة غير طيبة أسهمت سريعًا في توفير غطاء شعبي للمعارضة وقت المطالبة برحيله”.
يشار إلى أن المحمد، الذي باتت تنظر إليه أوساط كويتية كثيرة على أنه بريء من العديد من التهم التي تتعلق بذمته المالية، لا يزال مقربًا من القيادة السياسية، إذ تعتقد أوساط كويتية أن المحمد نسج في العامين الأخيرين بعد مغادرته منصبه السابق علاقات صحيحة ومباشرة مع فعاليات شعبية كانت تستغل الهجوم عليه، وأنه سيواصل تحركاته العفوية في الداخل الكويتي للتأكيد أنه جزء من المشاركة في بناء مستقبل الكويت، لا المغالبة على نيل المناصب والمواقع مهما إرتفعت، مؤكدًا لأوساطه وزواره أنه منذ أن شغل أول وظيفة حكومية قبل 50 عامًا فإنه لم يكن يستعجل الترقية إلى الدرجة التالية، بل كان يستمتع في إنتظارها، لأنه يعتقد أن ترقيات المجاملة والإسترضاء لا تدوم طويلًا.
للمحمد وزوجته الشيخة شهرزاد الحمود الصباح، إبنة عم والده، إبنان هما الشيخ صباح ويعمل في الديوان الأميري، والشيخ أحمد الذي يعمل مدير إدارة مكتب وزير الخارجية الكويتي. والمحمد شغل مناصب وزارية عدة منذ عقد السبعينات، قبل أن يستقر في منصب وزير شؤون الديوان الأميري منذ العام 1991. وفي العام 2006، عُيّن رئيسًا لأول حكومة في عهد الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الحالي.
قم بكتابة اول تعليق