إبراهيم العوضي: لماذا الاستغراب

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية لاختيار ممثلي الأمة بنظام الصوت الواحد، ولعل ما يميز هذه الانتخابات بجانب أنها تجري للمرة الأولى في شهر رمضان المبارك، انتشار ظاهرة شراء الأصوات لتعود مرة أخرى من جديد، ولكن هذه المرة بقوة لدرجة تناقلها عبر وسائل الاعلام المحلية والعربية أيضا، حيث أفردت لها مساحات واسعة من النشر والتحليل. أدهشني كثيرا حجم الاستغراب في وسائل التواصل الاجتماعي حول انتشار هذه الظاهرة، دون البحث عن أسبابها ودوافعها؟ فلماذا الاستغراب؟
لماذا الاستغراب؟ ونظام الصوت الواحد يعتبر من أهم الأسباب الذي عزز مفهوم شراء الأصوات، حيث انه يساهم في خفض نسبة الأصوات لتحقيق النجاح وحصر التصويت في مرشح واحد ضمن دائرة سينجح فيها عشرة مرشحين وهو نظام حديث لم تعتد به النظم الديموقراطية، فتطبيقه يكون فقط اذا كان النجاح لمرشح واحد فقط.
لماذا الاستغراب؟ اذا كانت الحكومة ذاتها استخدمت المال السياسي في مرات سابقة للتلاعب في نتائج الانتخابات من خلال دعم مرشحين على حساب آخرين! تذكرت كثيرا حديث النائب السابق المرحوم أحمد الربعي خلال احدى مقابلاته في قناة «الراي» عندما ذكر أن نجاح الانتخابات يأتي من خلال ايمان الحكومة بدور المجلس وأن تبتعد عن أسلوب (البربسة) في تعاملها مع الانتخابات.
لماذا الاستغراب؟ والمرشحون يمارسون في كل انتخابات، وأمام مرأى ومسمع الحكومة وبمساعدتها، هوايتهم في تخليص المعاملات طمعا في كسب صوتهم وكل هذا يعتبر رشوة وان كانت رشوة غير مالية!
لماذا الاستغراب؟ والحكومة لم تطبق القانون بحذافيره أمام الحالات السابقة التي تم تحويلها الى النيابة العامة للتحقيق دون أن تستمر القضية بسبب عدم كفاية الأدلة أو بسبب خطأ في اجراءات تقديم البلاغ، فالقاعدة تقول، من أمن العقوبة أساء الأدب.
لماذا الاستغراب؟ اذا كان الموضوع قضية مبدأ ومستقبل وطن، واذا كان هناك أفراد لا يعون مفهوم المواطنة ودورهم في بناء الوطن ورسم مستقبله. لماذا الاستغراب؟ اذا كان الدين وحرمة الشهر الفضيل ولعن الله هي آخر همه ولم تكن رادعا له.
لماذا الاستغراب؟ من أن ظاهرة شراء الأصوات ستؤثر على مخرجات المجلس المقبل، اذا كانت الحكومات السابقة أصلا لعبت دورا مؤثرا في دعم مرشحين وفي تزوير الانتخابات وفي ممارسة التجنيس السياسي لاسقاط خصومهم، ففتحت الباب بذلك أمام كل ساقط لتسول له نفسه شراء ضمائر الناس بثمن بخس.
لماذا الاستغراب؟ والحكومة ذاتها لم تقف أمام الفرعيات وتحاسب كل من شارك فيها، فساهمت بذلك في تعزيز الطائفية والقبلية. الأمر لا يحتمل القسمة، فحماية النظام الديموقراطي والحياة البرلمانية ونزاهة الانتخابات يجب أن تشمل جميع الجوانب من كبح للفرعيات ووقف للمعاملات وفوق ذلك كله، محاسبة الراشي والمرتشي وفضحهم أمام الجميع.

Email: boadeeb@yahoo.com
تعليق على المقال
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.