شهد الوضع الأمني العراقي خلال الأسابيع الماضية ما يشبه الانهيار التام نتيجة قيام جهات مسلحة مختلفة باستهداف المصلين في المساجد والحسينيات في مختلف المحافظات العراقية بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فضلاً عن قيام جهات أخرى باستهداف المقاهي والملاعب الشعبية في بغداد وبعض المحافظات بالأسلحة ذاتها، في حين قامت عصابات الجريمة المنظمة بابتزاز وقتل عدد من العائلات والمواطنين الآمنين في منازلهم بالمسدسات الكاتمة للصوت أو بالسكاكين، الأمر الذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من العراقيين الذين تواجدوا في تلك الأماكن
رغم تأكيد الأجهزة الأمنية العراقية على تغيير خططها في مواجهة الهجمات، إلا أن الأمر الملموس على أرض الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث بات منظمو تلك الهجمات هم الذين يختارون الأوقات والأماكن لتنفيذ عملياتهم المنسقة والمنظمة، مما يؤكد أن هناك جهات داخلية وخارجية تقوم بالتخطيط لذلك وتختار الوقت والمكان المناسبين للتنفيذ وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقاف تلك الهجمات . ونتيجة لهذا التراجع الخطر في الملف الأمني أصبح العراقيون يقعون في مرمى الموت بشكل يومي، الأمر الذي جعل الكثيرين منهم يقللون خروجهم من المنازل حتى لا يصطادهم الموت المتنقل في عموم الشوارع، حيث إن ما حصل جعل الكثير من القوى السياسية تحذر من خطورته .
وشدد ائتلاف “متحدون” الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي على أن ما يحصل في العراق اليوم من تفجيرات واغتيالات، لو حدث في أي دولة في العالم لكان غير الخريطة السياسية وأحدث هزة بحجمه، معتبراً ما يعيشه العراق انهياراً أمنياً حاداً لا يمكن السكوت عنه .
وبيّن الائتلاف أنه في كل ليلة يشهد العراقيون عمليات التفجيرات في شتى محافظات ومناطق العراق، ومنها العاصمة بغداد والموصل وكركوك وبابل وديالى الجريحة . لافتاً إلى إن الحكومة باتت تفقد السيطرة بشكل شبه تام ويجب اتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز مواطن الخلل فيها . ودعا الائتلاف إلى وقفة مسؤولة بحجم التحدي الحاصل، متسائلاً: كيف نرضى بسفك دماء أهلنا، وإلى متى نبقى نودع أحبتنا الذين يدفعون ثمن حقد الخصوم الأعمى؟ مشدداً على أن تعدد وتنوع مواطن الاستهداف إنما يؤشر أن العراق كله مستهدف بلا تمييز وعلى أبناء شعبنا التكاتف لإفشال تلك المخططات الخبيثة
من مسلمات الأمور في الوضع العراقي الراهن أن أية خلافات سياسية بين الفرقاء تنعكس سلباً على الوضع الأمني في عموم البلد، وهذا الانعكاس بات معروفاً عند أغلبية العراقيين، لأن الكثير من السياسيين العراقيين هم نتاج واضح جداً لميليشيات متطرفة معروفة في بلاد ما بين النهرين أو هم من الداعمين سراً أو علناً لتلك المليشيات . وهؤلاء السياسيون ورغم إدانتهم لكل موجة تفجيرات تحصل في البلد فإن لهم دوراً كبيراً في حصول تلك الخروقات، وهذا الدور يتمثل بإحباطهم المستمر للأجهزة الأمنية في وسائل الإعلام عبر اتهامها بالتقصير أحياناً أو عدم العمل بمهنية في أحيان أخرى . لذلك فإن ما حصل خلال الأسابيع الماضية هو نتيجة واضحة جداً لقضية تشكيل الحكومات المحلية وفق قاعدة الأغلبية السياسية وليس عبر بوابة التوافق السياسي التي كانت متبعة في تشكيل الحكومات المحلية، وكذلك في مسألة تشكيل الحكومة المركزية أو تقاسم المناصب العليا في البلد وفق نظام المحاصصة . إذ إن تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات من خلال توليفة الأغلبية السياسية أدى إلى حصول تنافر كبير جداً بين القوى السياسية الفاعلة في تلك المحافظات وهذا التنافر انعكس سلباً على الوضع الأمني نتيجة للشحن الإعلامي الكبير من قبل المبعدين عن المشاركة في الحكومات المحلية، حيث حشد هؤلاء المبعدون جماهيرهم وشارعهم بخطاب “سياسي” متشنج جداً وأيضاً بخطاب “طائفي” ليس أقل من سابقه في محاولة منهم لتأليب أنصارهم ضد الحكومة الجديدة في هذه المحافظة أو تلك . وهذا الخطاب ترجم فوراً إلى هجمات ضد أبناء تلك المحافظات عبر السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة أو العبوات، حتى إن محافظات كانت تتميز بالأمن التام ومنها محافظة السماوة على وجه التحديد التي لم تشهد أي تفجير يذكر منذ دخول قوات الاحتلال الأمريكي للعراق في عام ،2003 شهدت مؤخراً تفجيراً بسيارة ملغمة، بينما محافظات أخرى كانت أيضاً تنعم بالاستقرار النسبي مثل محافظات واسط والناصرية وميسان تعرضت هي الأخرى إلى هجمات دموية
قم بكتابة اول تعليق