يصادف يوم 19 رمضان ذكرى رحيل مؤسس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ومهندس حضارتها، الذي يطلق عليه لقب رجل التاريخ وحكيم العرب الغائب الحاضر، الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. فقد توفي الشيخ زايد في 2 نوفمبر 2004 ميلادية، الموافق 19 رمضان 1425 هجرية، وتولى من بعده ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئاسة الإمارات وحكم إمارة أبوظبي.
ولد الشيخ زايد في عام 1918 في مدينة أبوظبي بقصر الحصن، وهو أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة أبو ظبي. وقد سمي على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان والذي حكم إمارة أبوظبي منذ العام 1855 إلى عام 1909. خلفه في حكم إمارة أبو ظبي إبنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وانتخبه المجلس الأعلى للاتحاد رئيسا للدولة.
حقق الشيخ زايد في حياته العديد من الانجازات الضخمة في كل المجالات، ساهمت في تبوء الامارات مكانة كبيرة وراسخة بين دول العالم، نتيجة اتباعه سياسة خارجية متزنة لا تقوم على العداء مع أحد. فحققت الإمارات عددًا من الإنجازات الضخمة الملموسة على أرض الواقع في عهده، في مقدمتها تحويل الصحراء إلى بساط أخضر. فصحراء الإمارات كان من المستحيل زراعتها لكنها أصبحت في عهد زايد ومشروعه الحضاري والنهضوي مزارع تحتضن ألوانًا شتى من المنتجات الزراعية. وليس ذلك فحسب بل وبفضل عزيمته شملت تلك الإنجازات الاهتمام بالحياة الفطرية والمحميات الطبيعية والموارد البيئية وشتى عناصر التنوع الحيوي من نباتات وفطريات وحيوانات برية.
صنع الشيخ زايد، مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي الأسبق، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت باتحاد بين إماراتيهما أبوظبي ودبي، على أن يدعوا باقي حكام الإمارات لهذه الوحدة، فلبوها في 2 ديسمبر 1971 باتحاد الإمارات السبع في كيان واحد ضم أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة والفجيرة وأم القيوين. تولى الشيخ زايد حكم مدينة العين في العام 1946 ولم تكن ندرة الماء والمال وقلة الإمكانيات حجر عثرة أمام تطوير العين، فقد افتتحت في العام 1959 أول مدرسة بالعين حملت اسم المدرسة النهيانية. كما تم إنشاء أول سوق تجاري وشبكة طرق ومشفى طبي، ولعل أبرز ما تحقق في تلك الفترة الصعبة من تاريخ العين القرار الذي أصدره الشيخ زايد بن سلطان والقاضي بإعادة النظر في ملكية المياه وجعلها على ندرتها متوافرة للجميع، بالإضافة إلى تسخيرها لزيادة المساحات الزراعية.
ومضى زايد على طريق الإصلاح الداخلي، فلم يترك ميدانًا دون أن يطرقه، حتى عرف بأنه رجل الإصلاح الكبير. وكانت كل تلك الإصلاحات والانجازات تبشر بأن زايد هو الرجل الموعود لحكم أبوظبي. وعندما تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في أبوظبي في العام 1966، خلفًا لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، وضع برنامجًا ضخمًا لعملية الانماء، وبدأ بدفع ابناء شعبه للمساهمة بكل طاقاتهم في هذه العملية، كما دعا الكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات. ولم تمض أيام على تسلمه الحكم حتى أعلن زايد عن إقامة حكومة رسمية ذات إدارات ودوائر وأسند إليها المهام اللازمة لتسيير الدولة. وكانت الأولوية لإقامة المدارس والمساكن والخدمات الطبية وإنشاء ميناء ومطار وشق الطرقات وبناء جسر يربط بين أبوظبي واليابسة. وانطلقت أصوات آلات البناء تدق في كل مكان، وانتقل الآلاف من البيوت القديمة إلى البيوت الصحية النظيفة، وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء، ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت، وانتقل التعليم من نظام الكتاتيب إلى المدارس العصرية التي انتشرت على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد، وفتحت عشرات الفصول الجديدة لمحو أمية من فاتهم قطار التعليم، وبدأت العيادات في تقديم خدماتها الطبية للبدو في الصحراء، بعد أن حرموا من الرعاية الصحية طويلًا. ونجحت المسيرة في تعويض قرون من التخلف والجمود.
وكما يقول الشيخ زايد: “إن عملية التنمية والبناء والتطوير لا تعتمد على من هم في مواقع المسؤولية فقط، بل تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكل مواطن على أرض هذه الدولة”.
على الصعيد الدولي، عرف الشيخ زايد بأنه رجل المواقف، وكانت أشهر مقولة له تلك التي أطلقها في العام 1973 في أكتوبرحين قال: “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي”. ومن ثم بادر إلى قطع النفط عن دول العالم، ما شكل ضغطًا فاعلا على القرار الدولي بالنسبة للحرب تلك. وكان قد بدأ التعرف على العالم الخارجي في أول زيارة له إلى بريطانيا في العام 1953، ومنها إلى دول أخرى كأميركا ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وإيران. وعلى الصعيد الخليجي، كان لدى الشيخ زايد والشيخ جابر الأحمد أمير الكويت الأسبق توجه وحدوي، بدأ بفكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحقق ذلك في 25 مايو 1981 في إمارة أبوظبي.
قم بكتابة اول تعليق