هنا جمهورية إشارة رابعة العدوية.
بوسعك إذا شئت أن تطلب موعدًا، مع فخامة الرئيس الدكتور محمد البلتاجي، لبحث التعاون المشترك، أما إذا كان فخامته مشغولا، فيمكنك أن تلتقي رئيس الوزراء، الدكتور صفوت حجازي، فالرجل بعد أن ينتهي من خطبته اليومية «العصماء» إلى «شعب الله الإخوان» الذين استوطنوا الأرض، يصبح بلا عمل.
الجمهورية التي أقيمت حديثًا، تملك كل مقومات الدولة الحديثة، ولا يعيبها إلا أن مساحتها محدودة، ولا تزيد على مساحة «إشارة المرور»، لكن تتسع كل الذين حلموا بأرض الميعاد الإخوانية.
ثمة جيش، ليس نظاميًا، لكن ألم تقم دولة الاحتلال الإسرائيلي بجيش من عصابات الصهيونية مثل الأرجون وشتيرن؟
إنه استيطان إذن.. أتى بالمؤمنين بأنهم مختارون، وبأن خصومهم أغيار، تلعنهم السماء، ولا تتنزل عليهم الرحمة؟
تأسيس الدولة، بدأ بنصب الخيام، في وسط «أرض الميعاد»، بوضع اليد، أو بسياسة الأمر الواقع، فكلا الأمرين لا يخلو من قوة، وليس على السكان الأصليين، إلا أن يقبلوا بمن يزاحمهم في القوت، أو أن يصبحوا لاجئين، ترميهم الموانئ إلا الموانئ، وتلعنهم البلاد.
وبعد إقامة الخيام، وبناء المراحيض، التى تعتبر ضرورة حتمية، فى الدولة الناشئة، بدأ تنفيذ استراتيجية التأمين، فتأسست وزارة الداخلية، وتم إعلان فتح باب التطوع للأفراد، وتمت تسمية المتحدثين الرسميين، ووزراء التموين، والصحة، والخارجية.
شعب مختار
وماذا عن أحوال الشعب المختار؟
إنهم ساكنو الخيام، ممن أتوا من كل حدب وصوب، ليس لهم من هدف، إلا عودة المخلوع رئيسًا، وقد اشتروا الأوهام من قياداتهم، بأن النصر آت لا ريب فيه، فالسماء ترسل الإشارات، فها هى العذراء تتجلى، والروح القدس ينزل من السماء، والخضر يزف البشارة، وموسى يحثهم على الصبر، ومحمد بن عبدالله، يصلى خلف مرسى، فالله أكبر ولله الحمد.
حدود الدولة، لا يجب أن تبقى على وضعها الحالي، ومن ثم لا بد من كسب مساحات جديدة، ولا بأس من شن غزوات، على «الأمصار المجاورة»، فإما أن تسدد الجزية صاغرة، أو أن يدخل مواطنوها إلى حظيرة المرشد العام أفواجًا.
أما الشرطة، فتتكون من ثلاثة أجهزة رئيسية، هى فرقة «مشروع شهيد»، وأفرادها هم الأشد حماسة وولاءً.
أفراد «مشروع شهيد»، يقفون فى المقدمة، ووظيفتهم الاطلاع على البطاقات الشخصية، لكل من يقترب من حدود دولتهم، سواء كان راغبا فى الانضمام إليهم، أو حتى يمر بمحض الصدفة.
ويرتدى هؤلاء زيًا موحدًا، توفره لهم الدولة، أما رواتبهم فهى غير معلومة، ويتسلح كل منهم، بأسلحة بيضاء، منها العصى والشوم، كما يرتدى هؤلاء خوذات، ويحتمون بدروع حديدية، لوقايتهم فى حال اشتبكوا مع «الأعداء».
أما الجهاز الثانى فهو ما يطلق عليه خط المنتصف المكلف بالتفتيش الذاتى لمن يسمح لهم بالعبور من الصف الأول، بعد الاطلاع على تحقيق الشخصية لكل منهم.
أفراد هذا الصف يرتدون «الخوذات» ولا يحملون أى سلاح، وربما يضطرون إلى تفتيش بعض المارة ذاتيًا.
الصف أو الجهاز الثالث والأخير، يطلق عليه «لجنة الردع» وهو ما يوازى فى الدول القمعية، جهاز أمن الدولة، وهو المكلف بمعاقبة أى شخص مريب، علمًا بأنه لا توجد معايير حاسمة، تحدد الحكم على شخص، بأنه مريب أو غير مريب.
أفراد هذا الجهاز، هم الأكثر شراسة وقسوة، وقائدهم يكاد يكون وزير الداخلية، يشرف على تدريبهم تدريبات قتالية، ويتفقد مستويات جاهزيتهم، فهم خط الدفاع الأخير، ورجال العمليات الصعبة والمواقف الحرجة، ورغم أنهم لا يتصدرون المشهد طوال الوقت، فإنهم فى حال تفجرت الأوضاع، يصبحون في الصف الأول.
«الجيش»
الرابعة جيش يحميها، فهناك قوات مسلحة، من المليشيات، وما من دولة، إلا تحتاج إلى القوة.
جيش رابعة، يتكون كالجيوش النظامية من كتائب «حماية الشرعية» كما يطلق عليها، وتتواجد الكتائب داخل الاعتصام ولا تقوم بأى أعمال تأمين للميدان، ولكن فقط هى تراقب الاعتصام، وترصد العناصر المندسة، وإذا وجدت «جاسوسًا»، تسلمه لأمن الدولة، فيبدأ التحقيق، والتعذيب، والصعق بالكهرباء.
أفراد كتائب حماية الشرعية يرتدون زيًا أقرب لعمال النظافة وبأيديهم «شوم» لصد أى هجوم على «الجمهورية» ذلك بالتنسيق مع الثلاثة صفوف الأولى التى تحاصر الميدان من كل الجهات.
«وزارة الصحة»
مع وجود حشد كبير من الناس، ومع ارتفاع درجة الحرارة، تبدو الحاجة ماسة، لتأسيس وزارة صحة، فالأوبئة قد تؤدى إلى زوال الدولة، خاصة أن عدد سكانها محدود، وقد يحدث أن ينقرض سكانها، إن لم يحظوا بالعلاج المناسب.
وتضم المستشفى قسم الطوارئ الذى يقدم خدمات الإسعافات الأولية، ويطلق على المسؤول الأول بالمستشفى، «أمير الأطباء» وله مكان مخصص فى مسجد رابعة يأتى إليه من الصباح وحتى الساعة الرابعة عصرا حتى يدير أمور المستشفى من داخل الجامع.
وزارة التموين
اتخذت من مدرسة عبدالعزيز جاويش للتعليم الأساسي مقرًا لها، ويعمل بها طهاة يطبخون يوميًا وجبتى الإفطار والسحور، ويتولى موظفون آخرون مهمة توزيع الوجبات على المعتصمين.
وخصصت الوزارة عددًا من الغرف، «الفصول الدراسية سابقًا»، لتربية الدواجن، وحسب تصريحات المسؤولين، فإن جمهورية رابعة تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتى من الثروة الداجنة والبيض.
وفيما يتعلق بالطاقة الكهربائية، هناك وزارة، تتكون من فريق من الفنيين، تخصصوا فى مد الخطوط، من أعمدة الإنارة، وسرقة الخطوط من العمارات المجاورة، تمامًا مثلما يسرق الاحتلال الإسرائيلى الغاز، أو المياه.
«البنية التحتية»
طالما هناك دولة قد تأسست وأرست قواعدها فلابد أن يكون لها الشكل الطبيعى للدولة وبنية تحتية وهى المتمثلة في «دورات المياه» التي قام المعتصمون ببنائها بشكل عشوائى وبدائى خلف أسوار المنازل والمدارس.
ولحل أزمة دورات المياه، استعانت الدولة، بزجاجات بلاستيكية، ومواسير مياه، وأقيمت دورات عمومية، فى الشوارع دون ساتر أو حاجز.
ثمة دورات مياه للرجال أما السيدات فقد لجأن إلى مدرسة عبدالعزيز جاويش، وجامع رابعة، مؤقتًا لحين بناء دورات مياه خاصة لهن، وهو الأمر الذى تم تأجيله بعد اعتراض السكان الأصليين لرابعة على بنائها.
ولأن لكل دولة علمها الخاص والنشيد الوطنى المعبر عنها، فقد استولت جمهورية «رابعة» على علم، وقامت بإجراء تعديلات عليه وكان هو علمها المعبر عنها.
المعتصمون بميدان رابعة اتخذوا من علم مصر علما، لكن بعد إزالة صورة النسر واستبدالها بالشهادتين، حتى يصبح العلم معبرا عن «الدولة الإسلامية»، أما عن النشيد فعنوانه «مصر إسلامية.. لا علمانية لا علمانية.. قولوا للعالم مصر إسلامية» هذا النشيد الذى يردد في ميدان رابعة ليل نهار دون كلل أو ملل هذا هو أيضاً الذى يردده رجال الأمن أثناء تأدية تدريباتهم اليومية.
الإعلام
ويعتبر الإعلام من أهم مقومات جمهورية إشارة رابعة، لأن الدولة، تحتاج دائمًا إلى الدعم الخارجى عموماً، والأمريكى على وجه التحديد.
واختارت جمهورية رابعة العدوية أحمد عارف متحدثًا رسميًا، للدولة، ويلتزم عارف بشكل دورى بإصدار بيانات تخص هذا الاعتصام، مخاطبا سكان المنطقة الأصليين كان آخرها البيان الذى صدر يطلب منهم اللجوء إليه فى حالة وجود أى شكاوى تخصهم ووعدهم بحلها، وتعتبر المنصة هى المنبر الذى يتحدث القادة عبره إلى الشعب، أو إلى العالم الخارجى، والبركة فى قناة الجزيرة، التي لا تترك شاردة أو واردة، إلا تنقلها.
العلاقات الخارجية
الاعتصام أو الاحتلال يحرص طوال الوقت على أن يستعين بالمجتمع الدولى أو أن يصل ما يريد إليه طالبا منه مساندة الشرعية لذلك تحولت اليافطات التى يحملها المعتصمون من هتافات باللغة العربية إلى شعارات باللغة الإنجليزية وهى على غير عادة الإسلاميين في تظاهراتهم أو اعتصاماتهم، ذلك الأمر بعد أن أعلنت الولايات المتحدة موقفها في البداية من مساندة الرئيس المعزول محمد مرسي، ودعما لما يسمى الشرعية، ولذلك يحاول المعتصمون طوال الوقت أن يستغلوا هذا الدعم. ولأن جمهورية رابعة، دولة احتلال استيطانى، فقد بدأت المقاومة الشعبية، من قبل السكان الأصليين، وانتشرت في محيط الاعتصام الوقفات الاحتجاجية، التى تهتف بجلاء الإخوان أو الموت الزؤام، وذلك بعد أن رفض الاحتلال التفاوض على مبدأ حق تقرير المصير، وأقام حواجز خرسانية، أشبه ما تكون بالجدار العازل، الذى يحتمى به المستوطنون في فلسطين المحتلة، من المقاومة التي ترفضهم، كما يرفض الجسم السرطان
قم بكتابة اول تعليق