سألني سائل عن رأيي في مخرجات انتخابات مجلس الامة الاخيرة.. فقلت: لا جديد. فالمجلس القادم هو كالمجلس السابق وكالمجلس الذي سبقه والذي سبقه والذي سبقه وهكذا. وكما نقول في الأمثال: تيتي.. تيتي..!! فليست العبرة في خروج أسماء ودخول أسماء جديدة او تغيير وجوه قديمة بوجوه جديدة، وأنا هنا لا يهمني أو يعنيني تمثيل كل المكونات الشعبية من طوائف وقبائل وفئات في المجلس. صحيح إن احد اهداف التمثيل الشعبي ان يمثل المجلس كل المكونات الشعبية. لكن نحن نتكلم عن مجلس تشريعي رقابي. مهمته التشريع ومراقبة اعمال السلطة التنفيذية لا مجلس (ليوجيركا) للطوائف والقوميات.
كذلك لا يهمني ان ضم المجلس (50) نائبا من القبائل او (50) نائبا من الطوائف او (50) نائبا من الفئات او (50) سنيا او شيعيا. بقدر ما يهمني – واجزم يهم كل طبقات الشعب – الطرح والفكر، والعقلية المستنيرة التي تدير اعمال المجلس.
ينبغي ان نتجاوز بعد (50) سنة من العمل البرلماني النائب الخدماتي او النائب الطائفي او القبلي. والا فنحن نقف في مكاننا ونرفض او نخشى ان نتقدم خطوة الى الامام..!!
ماذا يفيد البلد وتقدمه اذا دخل نائب مستجد بنسخة كربونية من نائب سابق كل مؤهلاته انه نائب خدماتي او نائب طائفي جاء المجلس ليقوي شوكة طائفته او قبيلته او جماعته او مصلحته الذاتية من تعظيم الذات وتعظيم الثروة. فبعض النواب كانوا لا يملكون قبل دخولهم المجلس شروى نقير وخرجوا اثرياء وملاك عقارات واراض وشركات ومزارع وارصدة مليونية. هل هذا النائب اذا وجد – وهو موجود وبكثرة – جاء الى المجلس خدمة للوطن ولرقيه وتقدمه ونقله الى صفوف الاوطان المتقدمة والراقية. وماذا يفيد البلد ويفيد الامة ان جاء نائب ظلامي نحيس كل همه تفريق الامة وتمزيق نسيجها الاجتماعي وفرض الظلامية مخالفا للقرآن والسنة، وتجهيل الامة وترجيعها عشرات القرون الى الوراء؟! وماذا يفيد البلد ان جاء نائب يمسك بتلابيب الوزراء في الطالعة والنازلة ويهددهم بالاستجواب وبطرح الثقة لانهم لم يخضعوا لرغباته وطلباته وخدماته ونزواته..؟!!
أليست هذه نماذج من نواب وجدوا في المجالس السابقة او جدد قادمون الينا..؟!!
فهل نرجو من هؤلاء واولئك نقلة عارمة للبلد من حالة الجمود والتخلف الاداري والفوضى والفساد الى حالة الانطلاق والتقدم وكبح جماح الفوضى والفساد. ام ان المجلس هو الطرف المشارك والفاعل في الفوضى والفساد والتخلف.
هناك نواب اكثرية قدماء، وهناك اقلية مستجدون في المجلس الجديد فهل ينجح المستجدون في التأثير في النواب القدماء وتحسين الاداء داخل المجلس ام ان تلك الاقلية المستجدة مضطرة للانجراف مع تيار القدماء مخافة الانكسار وفقد الكرسي؟!!
لقد قال الحق { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقيل كيفما تكونوا يولّ عليكم. وحسبنا هنا القول ان اختيار النواب هو من خيار الشعب فالذي يختار النواب هو ذلك الشعب الذي يلقي بورقته في صندوق الاقتراع فإذا احسن الاختيار متجردا من نوازعه وعصبيته الطائفية والقبلية والفئوية وحتى الدينية واضعا نصب عينه شروط الكفاءة والنزاهة والاخلاص بالنائب وواضعا تقدم البلاد وتطورها اولوية، كان هناك مجلس يحقق آمال الامة وطموحها. ولكن للاسف ان خيارات الصندوق الانتخابي غالبا ما تكون مخيبة.
حيث تغلب النوازع الشخصانية مصالح الجماعة والوطن..!!
والآن هل نتفاءل خيرا بالمجلس الجديد. ام نذهب مذهب القائلين مفيش فايدة..؟!!
ان تجربة الصوت الواحد اكبر الظن كانت ناجحة. لكن من خلال التطبيق العملي ظهرت العيوب والمثالب. وهي عيوب ومثالب يمكن التغلب عليها اذا تغيرت آلية التصويت، والمطالبون بالصوتين او بأربعة الأصوات يريدون غلبة جماعات معينة على حساب الاكثرية الشعبية لكي يتمكنوا من توجيه دفة المجلس بما ينسجم ومصالحهم المادية او السياسية.
ان تجربة الخمسين عاما من العمل البرلمانية كافية لكي يكتشف اولو الامر مكامن العيوب والمثالب ومكامن الخطأ والصواب. واعتقد بعد هذه السنين لا خطوة الى الوراء، وان العمل البرلماني والمشاركة الشعبية في الحكم باتا متأصلين لا رجعة عنهما، ومناط الامل هو تطوير النظام الديموقراطي والاداء البرلماني بما يحقق المزيد من النجاح والرقي للوطن وللمجتمع. وذلك ليس من الصعوبة اذا توافرت الارادة وتلاقت الجهود.. وحسبنا القول اخيرا.. كلنا شركاء في الوطن وشركاء في المسؤولية وحمل الامانة الوطنية.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق