الكويتيون تحدوا الأخطار ومارسوا الغوص بحثا عن الرزق

اعتمد الكويتيون فى رزقهم قديما على مهن عدة منها مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ التي تعد من اخطر واشق المهن التي مارسوها بغية استخراج اللؤلؤ من سواحل الخليج لبيعه والمتاجرة به مواجهين بذلك اخطارا شديدة وضاربين امثلة خالدة على قوة عزيمتهم وصلابة بأسهم.

وازدهرت تلك المهنة فى عهد امير البلاد الاسبق الشيخ مبارك الكبير الذي امتد حكمه من عام 1895 الى 1915 واستمرت فيما بعد الى ان بلغت نهايتها مع قيام الحرب العالمية الثانية وعند ظهور اللؤلؤ الصناعي واكتشاف النفط . وقد امتهن الكويتيون الغوص بكل اطيافهم حضرا وبدوا ومن كل مناطق بلادهم وحظي الغواص فى المجتمع الكويتى قديما بمكانة عالية بين الناس وكان ينظر اليه باعجاب واحترام ولا يزال يشار بالبنان الى ابرزهم وتذكر اسماؤهم واعمالهم فى الكتب والمحافل والمناسبات. وكان الكويتيون يخرجون للغوص فى مواسم محددة وباعداد مختلفة على ظهر سفن خشبية شراعية تعددت مسمياتها ما بين (بقارة) و (بوم) و (جالبوت) و (سنبوك) و (شوعي) بحسب اشكالها واحجامها وكانت تصنع محليا بحرفية تضاهي اعظم السفن الخشبية انذاك. وكانت تلك السفن تنتقل فى رحلاتها ما بين اماكن الغوص المختلفة المنتشرة فى دول الخليج العربي والمسماة باللهجة العامية (المغاص) وجمعها (مغاصات) او (الهير) وجمعها (هيرات) ومنها ما هو عميق جدا ومنها ما هو عميق ومتوسط وضحل وتتباين تربتها ما بين طينية ورملية ويابسة . ويبدا موسم الغوص الرئيسي فى شهر مايو من كل عام وينتهي فى اخر سبتمبر حيث يمكن تحمل برودة قاع البحر الا ان هناك مواسم اخرى تكون قصيرة ومنها (الخانجة) او (باكورة) لانها تسبق الموسم الرئيسي وفي شهر ابريل واخر يسمى (الردة) ويكون في شهر اكتوبر و (الرديدة) فى نوفمبر . وعرف الكويتيون منذ القدم بخبرتهم الواسعة فى امور البحر من صيد وملاحة وابحار واظهروا قوة عزيمة وشدة باس وتحمل فى مهنة الغوص على اللؤلؤ بما تحملوه من تعب ومشاق ومجاهدة ومخاطر مستخدمين بذلك ابسط الادوات والمعدات . ولم يكونوا يحملون معهم من ادوات الغوص شيئا فلا يرتدي الغواص انذاك سوى سروال قصير اسود اللون يسمى (الشمشول) بدل الازار ليساعده على السباحة والحركة فى قاع البحر ولحماية نفسه من الحيوانات البحرية الهلامية المسماه (الدول) وقد يرتدي لباسا اخر مصنوعا من قماش خفيف اسود ايضا يشبه البنطلون والقميص باكمام طويلة وقد اختير اسود لابعاد اسماك البحر الخطرة. ويضع الغواص على انفه اثناء الغوص ما يعرف ب(الفطام) وهو قطعة صغيرة مصنوعة من عظام السلاحف طولها نحو اصبع وذلك لمنع تسرب الهواء او دخول الماء ويمسك اثناء نزوله للقاع بحبل يجره جرا خفيفا كاشارة الى الشخص الاخر الموجود على ظهر السفينة كي يسحبه الى السطح . واعتمد الغواصون على النجوم لمعرفة الطرق اضافة الى البوصلة وكانوا يقيسون عمق البحر ويتعرفون على نوع تربته باستخدام قطعة مستطيلة من الرصاص تسمى (البلد) تربط بحبل به علامات وتنزل فى البحر قبل نزول الغاصة للاسكشاف. وكان الغواصون يعملون طوال النهار بجد وتعاون وتكاتف بمعدل 12 – 16 ساعة يوميا ينزل خلالها الغواص للقاع مرات عدة من دون اجهزة تنفس او اوكسجين معتمدا فقط على طول نفسه وقوة عزيمته ومن دون نظارات تحمي عينيه من ملوحة البحر اثناء بحثه عن المحار . وفى القاع كان الغواص يتحرك سريعا لالتقاط المحار وجمعه بوعاء يضعه على رقبته مصنوع من الحبال الرفيعة يسمى (الديين ) وذلك على مدى نحو دقيقتين كل حسب طول نفسه ثم يشد الحبل الذي يربطه ب(السيب) وهو الشخص الموجود على ظهر السفينة الذي تكون مهمته جر الغواص الى الاعلى عند تلقيه تلك الاشارة . وقد ينتهي نفس الغواص فى قاع البحر او بين القاع والسطح فيخرج فى الرمق الاخير وبحالة غيبوبة تسمى بالعامية (السنا) مما يدفع بزملائه الى النزول اليه ليحملوه على ظهر السفينة كي يرتاح وقد يموت بسبب ذلك لاسيما عندما يكون القاع عميقا جدا ولا ينتبه الغواص لذلك . وقد تنفجر طبلة اذن الغواص بسبب الضغط القوي فى القاع ويخرج الدم منها مما يسبب له الما شديدا يمنعه من مواصلة عمله خصوصا مع عدم توفر العلاجات اللازمة واعتماده على الكي بالنار او بعض الاعشاب للاستشفاء . وقد تصيب الغواصين بسبب طول مكوثهم في البحر امراض جلدية كالتسلخات وكمرض (السمط ) الذي يؤدي الى تعفن الجلد وظهور الطفح والقروح عليه وقد يصاب بعضهم فى قاع البحر بتشنجات لا يستخدمون لعلاجها سوى قراءة ايات من القران الكريم والدعاء . ومن اخطار البحر الاخرى التي يتعرض لها الغواصون الاسماك الخطرة لاسيما سمك القرش الذي التهم الكثير منهم وتسبب باصابة اخرين بجروح وعاهات اقعدتهم عن كسب العيش وتركت فى نفوسهم اشد الذكريات حزنا والما . وبعد انتهاء عمل الغواصين عند غروب الشمس يتناولون عشاءهم المكون عادة من الارز والسمك بعد يوم طويل مضن لا يتناولون خلاله سوى القليل من التمر والشاي والقهوة وبعد صلاة العشاء يغطون فى نوم عميق من شدة التعب غير مكترثين لعدم توفر فرش واغطية ولا الى صغر مساحة المكان. وتتوزع مهام العمل على ظهر السفينة ما بين (المجدمي) وهو رئيس البحارة والمسؤول عن العمل والغواص والسيب اللذين تم ذكرهما سابقا و(النهام) وهو الذي ينشد اهازيج واغاني تسليهم وتهون عليهم المشاق والطباخ واخرين من صغار السن يقومون باعمال خفيفة ويراسهم جميعا (النوخذة) وهو الربان وصاحب اكبر نسبة من المحصول ونائبه المسمى (الجعدي) . اما (الطواش) فهو التاجر الذي يجوب البحر بسفينته يشتري اللؤلؤ من الغواصين وقد يبيعهم مؤنا مثل الارز والسكر والشاي والتمر وامتلك بعض هؤلاء التجار خبرة عظيمة فى معرفة اللالىء واشكالها وانواعها وسافروا الى دول عدة لبيعها مثل البحرين وسوريا وتركيا حتى ان بعضهم وصل الى باريس ولندن. وعلى عكس الحياة فى سفينة الغوص وبفضل الثروات التي يكونها الطواش تتميز الحياة على سفينته بالراحة التامة حيث العمل غير مضن وماء الشرب نظيف والاكل فاخر والخدم والمساعدون متوفرون. ويعتبر انتهاء موسم الغوص او ما يعرف ب(القفال) بمثابة العيد فى الكويت وفي دول الخليج اذ تعود الحركة والنشاط فى الاسواق ولدى الناس الذين طال انتظارهم لاهلهم واحبابهم المسافرين للغوص الا انه يكون حزنا وتعاسة لدى البعض ممن يتلقون نبا موت او اصابة احد اقربائهم بجروح. وكان هناك تقليد شعبي قبل القفال يخرج فيه النسوة مع الاطفال وهم غالبية من بقي فى البلاد الى شاطىء البحر ليلا وهن يغنين اغاني لا تزال ذكراها تتردد وتدعو كلماتها الى عودة ابنائهن وازواجهن واقاربهن المسافرين فى رحلة الغوص. واشادت الكثير من الكتب المحلية والعالمية بمهنة الغوص فى الكويت ورجالها وصورتها افلام سينمائية ووثائقية عدة منها فيلم (بس يا بحر) الذي ترجم للغات عدة ونال جوائز عالمية . وبدعم من سمو امير البلاد يقيم النادي البحري الرياضي الكويتي رحلات غوص سنوية للشباب شبيهة برحلات الماضي لاحياء ذكرى الغوص التى تعد جزءا من تراث الكويت وتاريخه وللاشادة بدور الاباء والاجداد الذين عملو بجد وضحوا من اجل بلدهم.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.