نصبت كتلة الأغلبية في بيانها الصحافي نفسها محكمة سامية تعلو فوق المحكمة الدستورية التي قضت ببطلان انتخابات مجلس الأمة الأخير. وكتبت الأغلبية بيانها بشكل صحيفة طعن قانونية ضد حكم المحكمة الدستورية، وأخذت الكتلة للأسف تعظ الناس وتذكرهم بأحكام الدستور واختصاصات المحكمة الدستورية التي تجاوزتها المحكمة حسب بيان الكتلة.
وبينما تذرف الكتلة الدموع الساخنة على أحكام الدستور، “وتجاوزات” المحكمة الدستورية لولايتها واختصاصاتها، سحقت الكتلة في الوقت ذاته أهم مبادئ الدستور، وسفهت أهم نصوصه الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واحترام أحكامه.
كان أضعف الإيمان أن تقول الكتلة إنها ضد حكم المحكمة الدستورية، وإنها لا تتفق مع أسباب الحكم جملة وتفصيلاً، لكن من باب احترام مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام الأحكام القضائية واستقرارها فلابد من تنفيذها بنصها وروحها مهما اختلفنا معها، ففي ذلك استقرار الوطن واستقرار دعاماته الديمقراطية، وبغيرها لنقل على الكويت السلام.
كتلة الأغلبية اختارت التهديد باللجوء إلى الشارع، وفي الشارع ليس هناك مكان لحكم القانون والعقل، وإنما هو المكان لاستثمار عواطف الناس البسطاء الحانقين على فساد أجهزة الدولة، والغاضبين على مسارها السياسي، لكنه ليس المكان المفروض للنقاش العاقل الهادئ حين نبحث عن الحلول الواعية للأزمة السياسية التي تراوح فيها الدولة اليوم.
الأخطر من كل ذلك أن سلطة القضاء أضحت في مهب الريح حين أصبحت التجمعات علي أبواب المحاكم، والتظاهر ضد الأحكام القضائية وسائل طعن مرعبة في هذه الأحكام، وبالتالي فالسباحة مع هذا التيار سيغرق الدولة بمن فيها في دوامة الفوضى والدمار المؤكد.
إذا كانت الأغلبية تريد أن تطرح موضوع شعبية رئاسة مجلس الوزراء، والتقدم نحو فكرة الإمارة الدستورية، وتجد سندها بذلك الطرح عبر الشارع وتجمعات ساحة الإرادة، فلتقل ذلك صراحة ودون اللجوء إلى الانتقاص من السلطة الثالثة في الدولة، فالكويت وكل دول الخليج ليست مستثناة من أحكام الربيع العربي، لكن على الكتلة أن تفكر قليلاً، فما قد يتصور أنه ربيع للشعوب قد يكون خريفاً مغبراً يدفن الدولة بمن فيها في أتربة الدمار.
اليوم نواجه تحدياً خطراً، وعلى كتلة الأكثرية أن تعيه جيداً، فالدولة هنا وباحتمال كبير ستجد نفسها في حالة مزرية بعجز مالي كبير، لم نعتده من قبل، أمام واقع تدني أسعار النفط لضعف الطلب، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في معظم دول العالم، وبمثل حالتنا التواكلية على عمل الغير والسفه الإنفاقي والفساد المالي وغرق الشعب في مستنقع الاستهلاك ستنعكس تلك الأوضاع الاقتصادية على الحالة السياسية، وعلى استقرار الدولة… فهل سنكون على مستوى ذلك التحدي أم سنمضي مهرولين بدروب مراهقة سياسية لن تقودنا لغير الخراب الكامل…!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق