هل الدعم الخليجي وحده يعيد الوضع الاقتصادي المصري الى سابق عهده, ام هو جرعة منعشة اذا لم يتبع بإجراءات مصرية يتحول مسكنا لا اكثر فيما الامراض تبقى تنهش في الجسد?
في الحديث عن مصر لا مجال لغير المصارحة, لذلك نقول: لن تستطيع هبة النيل تخطي ازمتها الاقتصادية إلا باعادة العمل في الاتفاقات التي كانت وقعتها الحكومات المتعاقبة قبل ثورة 25 يناير مع العديد من الدول وعشرات آلاف المستثمرين العرب والاجانب, تلك الاتفاقات التي ألغيت بسبب اراجيف جماعة”الاخوان” وكان هدفها الهيمنة على ثروات البلاد بشتى الطرق, فمارست بلطجة اقتصادية ضد جميع المستثمرين غير المنضوين تحت لوائها.
أكاذيب “الاخوان” بدأت من اتهام الرئيس الاسبق حسني مبارك بأنه يمتلك 70 مليار دولار مودعة في بنوك اجنبية عدة, وان مساحات هائلة من الاراضي منحت لمستثمرين عرب وخليجيين واجانب بأبخس الاثمان, وغيرها من الاتهامات الكثيرة التي دغدغت فيها مشاعر المصريين لتمرر مخططها, لكن الى ماذا ادى كل ذلك?
ألم يرتفع معدل البطالة نتيجة اقفال آلاف المصانع والمؤسسات والشركات ابوابها وطرد عمالها, ومعها زادت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر, فيما تضخمت فجأة ثروات محازبي تلك الجماعة اكثر بكثير مما جمعه من اتهموهم بالفساد والاثراء غير المشروع طوال ثلاثة عقود من حكم مبارك?
لقد ادت الاجراءات الانتقامية الاخوانية الى اقفال اربعة الاف مصنع, وصودرت الاراضي من مستثمرين عرب وخليجيين واجانب, وتوقفت مئات المشاريع, بل العديد منها تحول خرائب تلعب فيها الحيوانات الضالة, او مأوى للمجرمين والخارجين عن القانون, فهل بذلك اصلح الذين سطوا على حكم مصر خللا ما او عالجوا فسادا ام انهم دفعوا الناس الى الجوع واليأس والجريمة?
أليس من القواعد البديهية في الاقتصاد ان القيمة الفعلية للارض بما يشيد عليها من مشاريع, وبما حولها من نشاطات اقتصادية تشجع على الاستثمار فيها, بينما الارض الخلاء حيث تسرح وتمرح فيها الكلاب والقطط الضالة, ويكثر فيها روث الحيوانات لا قيمة استثمارية لها? أليس هذا ما باتت عليه كل تلك المساحات من الاراضي التي عمد “بلطجية” الحكم الاخواني الى تخريب مشاريعها كي يضعوا يدهم عليها?
مصر مطالبة بالنهوض مجددا من كبوة دفعت عنوة اليها, وهي لا تقوم الا بالعودة الى العقلانية في معالجة القضايا الشائكة التي يواجهها اقتصادها, لذلك ننصح الحكم الجديد ان يعيد للاتفاقات هيبتها, ويحترم المستثمرين الذين ضخوا رؤوس اموالهم في ارض الكنانة على ضوء تلك الاتفاقات, فالثورات لا تلغي الدول والتزاماتها, واحترام الاتفاقات لا يكون انتقائيا, فاذا ما وجدت السلطات تقصيرا او خللا, تحاسب الحكومات التي اقرت تلك الاتفاقات ولا تحاسب المستثمر الذي اقام المشاريع وأمن فرص العمل للناس.
من اهم معايير جذب الاستثمارات الخارجية احترام القوانين والمعاهدات الدولية والتزام العقود, وهو ما يجب أن يدركه الحكم المصري الجديد للخروج من الازمة الحالية, فالاعتماد على المساعدات يبقي الاقتصاد رهينة الاتكال على الخارج, ويزيد من البطالة في بلد يحتاج سنويا الى مئات الاف فرص العمل نتيجة التزايد الدائم في السكان. كل هذا لا يمكن ان يتحقق الا من خلال تعويم الاستثمارات واعادتها الى اصحابها, بل تأمين سبل حمايتها لأن الدولة في ذلك تحمي شعبها ومستقبله وملايين العمال, تحميهم اجتماعيا وامنيا, وتحمي مستقبل اجيالها, فمصر دولة تتمتع بالكثير من الثروات ومنافذ الاستثمار, ولديها الامكانات البشرية والخبرات التي تؤهلها لتأدية دور مهم في الاقتصاد الاقليمي, بل العالمي, وهي لن تقصر في ذلك.
فأكبر الاخطار على اقتصاد الدولة سوق المستثمرين والتجار والصناعيين الى السجون استنادا الى شائعات واراجيف واقاويل غير مدعمة بوثائق, كتلك التي اطلقها “الاخوان” ضد صناعيين وتجار ومستثمرين مصريين وعرب واجانب, وكانت حصيلة ذلك ان وقع الاقتصاد في فخ الشلل وهو ما لا يريده احد للشقيقة الكبرى.
اذا كنا نصدق المصريين القول علينا ان نخلص لهم النصح, فأولى خطوات عودة مصر الى دورها الاقتصادي تكون بالاسراع في سن قوانين اقتصادية مرنة, تتضمن ميزات ومميزات جاذبة للاستثمار, تحميه وتحترم الاتفاقات الموقعة فلا تلغى بتغير الحكومات, كي لا تتكرر الجرائم التي ارتكبها “الاخوان” اثناء خطفهم الحكم, فلا تهرب رؤوس الاموال ولا يرمى مئات آلاف العمال في الشوارع.
هذه هي اولى خطوات العودة الى الطريق الصحيح الذي عندما سارت فيه مصر حققت معجزة اقتصادية في وقت كان الركود يكتسح العالم.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق