ان حلول اليوم الأول من برج الميزان «الموافق 23 سبتمبر» من كل عام يجسد يوماً تاريخياً مجيداً لا ينسى يتمثل في تلك الملحمة الوطنية الكبرى التي أدت الى توحيد المملكة العربية السعودية في كيان واحد ودولة قوية متماسكة قامت عام (1351هـ/ 1932م) عندما أكمل، المغفور له باذن الله، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود توحيد كل أجزاء الوطن وأعلن قيام المملكة العربية السعودية.
كما أن هذا اليوم يعيد لنا ذكرى مناسبة وطنية غالية علينا جميعاً تذكرنا بتضحيات الأجداد والآباء الذين أسسوا هذا الكيان الكبير وتعطينا دافعاً للمحافظة عليه وعلى المكتسبات التي تحققت والاستمرار في بناء الوطن وتدعيم ركائزه للأجيال المقبلة. وبعد ارسائه، طيب الله ثراه، لدعائم الأمن والاستقرار لهذا الكيان الكبير بدأت الانطلاقة الحضارية والاقتصادية والتعليمية والثقافية وفي جميع المجالات الأخرى لتعم أرجاء الوطن على كافة الأصعدة ووضع يرحمه الله المملكة على مشارف المستقبل. ثم تسلم الحكم من بعده أبناؤه البررة الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد يرحمهم الله والذين ساروا على نهج الملك المؤسس من حيث التمسك بتعاليم الدين الاسلامي والتفاني في خدمة الوطن ومواصلة مسيرة البناء والتعمير والازدهار وشهدت المملكة خلال سنوات حكمهم نهضة شاملة في شتى المجالات.
ومنذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الحكم قبل ثماني سنوات ونيف والمملكة تعيش مرحلة متميزة من الرفاه والرخاء للمواطن السعودي، فجهوده يحفظه الله تصب في مصلحة المواطن السعودي في المقام الأول اذ شهدت مجالات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والمواصلات والزراعة والصناعة نقلات نوعية. كما أن برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي بدأ يعطي ثماره بعد ابتعاث أكثر من 150 ألف طالب وطالبة للتحصيل العلمي في الخارج سيعودون الى أرض الوطن للمشاركة في عملية التنمية والبناء. كل ذلك يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين على تسخير جميع الموارد الوطنية لخدمة الوطن والمواطن فقد استطاع بخبرته الواسعة بشؤون السياسة والادارة أن ينهض بالمملكة نهضة نوعية في شتى المجالات على الرغم من كل التطورات والظروف الاقليمية والدولية التي أحاطت بالمنطقة مؤخراً. كل ذلك جعلها تتبوأ الصدارة في العالمين العربي والاسلامي بالاضافة الى ما تتمتع به من ثقل ديني وسياسي واقتصادي وما تستند عليه من ثوابت في السياسة والعلاقات الدولية مستمدة من العقيدة الاسلامية والقيم العربية والسياسات الحكيمة لقيادتها وحرصها على أمن الوطن والمواطن.
وقد حظيت المرأة السعودية باهتمام خادم الحرمين الشريفين وسعيه الى فتح المجالات أمامها لتشارك الرجل السعودي في عملية بناء وتطوير المجتمع وكان آخر مبادراته توجيهه بأن تشارك في كافة المجالات وفي عضوية مجلس الشورى وقام يحفظه الله قبل ثمانية أشهر بتعيين ثلاثين مواطنة في عضوية مجلس الشورى ليشاركن مع إخوانهن الأعضاء في هذه المؤسـسة الوطنية، كما أمر بأن يكون لها الحق في أن تتـرشح لعضوية المجالس البلدية والحق في المشاركة في الانتخابات البلدية.
وتنطلق المملكة دوماً من كونها حاضنة للحرمين الشريفين مما يؤكد الـدور الاسلامي المنوط بهـا واضــعة مصـالح الأمتـين العربية والاسـلامية دوماً نصب عينيها، متحملة مسؤولياتها الدينية تجاه العقيدة وتجاه الحرمين الشريفين فقد شهد بناء وعمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي على امتداد أكثر من أربعة عشر قرناً نقلات معمارية كثيرة على مر العصور الا أن التوسعة التي وضع حجر الأساس لها خادم الحرمين الشريفين أخيراً تعتبر أكبر مشروع توسعة في تاريخ المسجد الحرام والمسجد النبوي اذ سترفع الطاقة الاستيعابية لهما وتمكن الحجاج والمعتمرين والزوار من أداء مناسكهم بكل سهولة ويسر، اضافة الى العديد من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة.
أما الاستراتيجية التي تنتهجها قيادة المملكة لصيانة هذه المكتسبات وتدعيمها فتتمثل في عدة ركائز أولاها التمسك بالعقيدة الاسلامية قولاً وفعلاً والسير على نهجها وثانيها التمسك بالهوية العربية وثالثها المحافظة على وحدة الوطن وسلامة أراضيه ورابعها توفير العيش الكريم لمواطني المملكة عبر خطط التنمية الاقتصادية.
والمملكة الى جانب كونها دولة وطنية تسعى الى المحافظة على أمنها الوطني وتقديم الرفاه لمواطنيها، فإنها تواصل القيام بدورها المحوري في المجالات الاقليمية والدولية عبر دبلوماسيتها النشطة وجهودها التي لا تكل في خدمة قضايا الأمتين العربية والاسلامية، ولعل آخر تأكيد على ذلك هو دعوة خادم الحرمين الشريفين في شهر رمضان المبارك من العام الماضي لانعقاد قمة التضامن الاسلامي في مكة المكرمة والتي جسدت التضامن الاسلامي بأبهى صوره وشهدت تبني مقترح خادم الحرمين الشريفين بانشاء مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية يكون مقره مدينة الرياض. كما أن المملكة تلعب دوراً رئيسياً في الجهود الدولية لوقف أعمال العنف والتدمير في المنطقة وتجنب الشعوب العربية مخاطرها.
وعلينا ألا ننسى ونحن نحتفل بهذه الذكرى الغالية كفاح وجهود المغفور لهم باذن الله الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، وأبنائه البررة الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد والأميرين سلطان بن عبدالعزيز ونايف بن عبدالعزيز، يرحمهم الله جمعياً، والذين خدموا الدين ثم الوطن وقدموا للوطن والمواطنين الكثير في كل المواقع التي تحملوا مسؤوليتها وندعو لهم بالمغفرة والرحمة وأن يسكنهم الله عز وجل مساكن الشهداء.
ولا يفوتني في هذا المقام إلا أن أتطرق الى العلاقات المتينة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والتي أكدت الأيام أنها أصبحت نموذجاً يحتذى به في العلاقات بين الدول. فالتواصل بين الدولتين الشقــيقتين وعلى كافة المستويات مستمر مما انعكس على العلاقات المتميزة بينهما سواء على الصعيدين الرسمي أوالشعبي. ومع حلول الذكرى الغالية أود أن أتقدم بالتهنئة الى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود والى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والى صاحب السمو الملكي الأمير/ مقرن بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء والى الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل داعياً الله عز وجل أن يحفظ المملكة العربية السعودية من كل مكروه وأن يعيد هذه المناسبة عليها بكل خير وعزة وأن يديم المولى عز وجل عليها وعلى شقيقتها دولة الكويت وعلى الأمتين العربية والاسلامية نعم الأمن والاستقرار والرخاء وأن يحفظ لدولتينا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وشقيقه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
* سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الكويت
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق