فتح الفريق سامي عنان، الرئيس السابق لأركان حزب القوات المسلحة المصرية ونائب رئيس المجلس العسكري الحاكم بعد تنحي حسني مبارك، خزائن أسراره حول ثورة 25 يناير، متحدثاً عن المؤامرة التي تتعرض لها مصر، والتي أدركها في بواكير اندلاع هذه الثورة عندما شاهد على شاشة قناة تلفزيونية تنويهاً بخبر عاجل يقول: رئيس الأركان المصري يقطع زيارته للولايات المتحدة عائداً إلى مصر.
واستوعب على الفور أن الأميركيين أنفسهم هم من سربوا الخبر، نقلا عن صحيفة “الوطن” المصرية، السبت.
وتناول عنان أسرار زيارته للولايات المتحدة الأميركية، التي ثارت حولها الشائعات، وقيل وقتها إنها كانت للترتيب بين الجيش والولايات المتحدة بغرض التخلص من مبارك.
وشرح عنان الملابسات وما وصفه بالحقيقة الثابتة الموثقة، وأكد أن الزيارة لم تكن لها علاقة بثورة 25 يناير، بل هي مقررة سنوياً لوفد برئاسته، كونه رئيس الأركان، لهدف يتعلق بالتنسيق والتعاون العسكري المصري – الأميركي، وتزامن توقيتها الأصلي مع إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر2010، ما دعاه إلى الطلب من المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع آنذاك، الإذن بتأجيل الزيارة تحسباً لما تحتاجه الانتخابات من تأمين يشارك فيه الجيش، وهو ما حدث بالفعل، وجرى التنسيق مع الجانب الأميركي ليكون الموعد الجديد هو 25 يناير 2011.
وروى عنان قصة عودته وقطع رحلته للولايات المتحدة التي لم تكتمل. وقال: وصلت واشنطن ظهر يوم 25 يناير، وكان برنامج الزيارة يسير وفق ما هو مُعد، لكن تصاعد الأحداث أدى إلى إنهاء الزيارة قبل موعدها.
ونوه عنان بالإحباط في واشنطن عند استماعه لخطاب مبارك الأول يوم 28 يناير، معتبراً أنه لم يكن مدروساً وأوحى بالضعف والتردد وغياب الحسم، وأنه شعر بأن الرئيس الأسبق يتعرض لضغوط حتى لا يتخذ قرارات قوية، وأن إدارة الرئاسة للأزمة اتسمت بالتخبط، ملقياً باللائمة على معاوني الرئيس ومستشاريه، فإما أنهم لا يملكون المعلومات الكافية، وهذه كارثة، وإما أنهم يملكونها ولا يحسنون تحليلها بشكل علمي ناضج، وهذه كارثة أفدح.
بيان الجيش.. والانقلاب الناعم
يصل عنان إلى صباح يوم الأول من فبراير، ويروي وقائعه التي هي نواة (الانقلاب الناعم) على مبارك لصالح الشعب، قائلاً إنه بعد الاتصالات اللازمة عقد اجتماعاً مهماً لقادة الجيش ونوابه وعدد من أعضاء المجلس العسكري من دون حضور المشير طنطاوي، وبالاتفاق معه كي يجنبه الحرج ، وألقى في الحضور خطاباً مرتجلاً استنفر فيه هممهم، واستدعى روح المقاتل لديهم، وجرى التشاور والقسم على المصحف بأن يكونوا على قلب رجل واحد ومع مطالب الشعب دون استخدام العنف. وتمت صياغة بيان لإصداره، وقام بعرض البيان على المشير فوافق عليه، وتم إرساله للإذاعة والتلفزيون، وكان البيان رسالة طمأنة للشعب والقوى السياسية، وهو البيان الذي قوبل بالفرح والتصفيق من الشباب، وأدرك منه الجميع أن القوات المسلحة تنحاز للشعب بلا تردد أو مساومة.
وواصل عنان: في المساء حضرت والمشير طنطاوي اجتماعاً دعانا إليه الرئيس مبارك، وعمر سليمان الفريق أحمد شفيق، وزير الداخلية محمود وجدي، وآخرين.
مبارك والدم وحماية الشرعية
وسجل عنان شهادة مهمة أن مبارك لم يكن منزعجاً من البيان وبمجرد دخوله خاطب المشير قائلاً: انتو كده أعلنتوا موقفكم يا حسين؟ رد عنان على مبارك: ياريس إحنا أعلنا موقفنا عشان عارفين سيادتك ما بتحبش الدم. ورد مبارك على الفور: دم إيه يا سامي لا سمح الله، أنا مش باحب الدم، ولا عايز دم.
ثم وجه مبارك كلامه للمشير وعنان مشدداً: “متنسوش ياجماعة أنكم مسؤولين عن حماية الشرعية”.
وأضاف عنان أن مبارك كان على ثقة بأن بيان الجيش ليس تحريضياً وأن دافعه وطني.
الجيش والإخوان وموقعة الجمل
وتطرق عنان لموقعة الجمل الشهيرة، التي اعتبرها نقطة تحول حاسمة في الصراع الذي امتد بين يومي 25 يناير و11 فبراير، مؤكداً أن المدبر والمنفذ لا بد أن يكون صاحب مصلحة في جملة النتائج التي ترتبت على الواقعة ملمحاً إلى (الإخوان) وإن لم يسمهم.
ووصل عنان في مذكراته إلى قضية علاقة المجلس العسكري والإخوان، كاشفاً أن العسكري كان حريصاً على التوازن السياسي وخلق كيانات جديدة تثري الحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير، وأنه شخصياً اجتمع مع مئات من شباب الحركات الثورية، وطالبهم بتكوين كيانات قوية قادرة على المنافسة، وتعهد لهم بتقديم كل دعم ممكن، لكنهم تحولوا إلى مجموعة من الجزر الصغيرة المتناثرة التي لا تملك تأثيراً أو نفوذاً في الشارع المصري.
وقال إن الأحزاب بلا قواعد جماهيرية، ولا نفوذ في الشارع، وأغلبها تبدأ نخبوية، والزعماء فيها أكثر من الأعضاء، القيادات تنحصر بين مسؤولين متقاعدين ورجال أعمال يبحثون عن المصالح أو الشهرة، وتنعكس هذه النشأة بالضرورة على البرامج والمصداقية في الشارع الذي لا يلمس لهم وجوداً فعالاً، فينصرف عنهم ويتجه إلى الإخوان والسلفيين، ليس لأنهم الأكثر تعبيراً عن حاجاته، بل لأنهم يقتربون منه في ممارسات الحياة اليومية.
وأردف قائلاً: لن نفهم الماضي القريب إلا على ضوء واقع ما بعد سقوط محمد مرسي، صانعو الفوضى هم هم، والوسائل والأدوات لم تتغير، ولمن ينسى أو يتناسى، أقول إن الهاربين من سجن وادي النطرون، بمساعدة حزب الله وحماس سيحاسبهم التاريخ، ولا بد أيضاً أن يحاسبهم الشعب.
قم بكتابة اول تعليق