عبدالله خلف: ستُّ الملك أخت الحاكم وقاتلته

من مهازل التاريخ العربي أن أرقّاء ومملوكين وخدما وشرطة قد حكموا دولاً عربية كبرى وخاصة بعد تفكك الدولة العباسية.. حكم معظم الدول العربية من هم ليسوا من العرب، والوحيد فيهم من العرب هو سيف الدولة الحمداني.. ومن الذين انفردوا في حكم مصر كافور الإخشيدي، احد الارقاء، وعتيق ابي القاسم محمد بن طغج الأخشيد، عينه كافور وصيّاً على ولده (أناجور)، تولى حكم مصر بعد وفاة سيده، كان عبدا من الارقاء.. حكم مصر عام 357هـ نحو 34 عاما، ومن سخريات القدر انه صار سلطان مصر وسوريا الكبرى، مدحه الشاعر المتنبي ثم هجاه لما قصر نواله.. اشتراه سيده بثمانية عشر دينارا.. دانت له مصر والشام وكان يُدعَى لكافور على منابر مكة والمدينة وسائر مدن الحجاز، ولما توفي كافور انتهت دولة إخشيد.
في 358هـ خرج جوهر الصقلي من القيروان وكان معه ألف حِمْلٍ من الذهب وأموال لا تُحصى ومائة ألف جندي لفتح مصر وخرج المعز لتوديعه.. ومدحه الشعراء:
رحلتَ الى الفسطاط أول رحلة
بأيمن فأل بالذي أنت تجمع
فإن يك في مصر ظمأ لمورد
فقد جاءهم نيل سوى النيل يهرع..
ويقال ان ما حمله جوهر الصقلي من الذهب هو الف صندوق احتوى على 24.000.000 اي 24 مليون دينار من الذهب.. ودخل جوهر الاسكندرية من دون حرب وكتب عهدَ أمانٍ وسلامٍ ووزع الأموال على الشعب المصري.. وازدهرت مصر بالمال وتحسَّن حالها.. وبنى جوهر الصقلي القاهرة وسميت باسمه قاهرة المعز.
توفي المعز وجاء ابنه العزيز بالله الذي تزوج امرأة رومية فأنجبت له (ستّ الملك).
توفي العزيز وتولى الخلافة مكانه ابنه الحاكم بأمر الله وأخته الكبرى، «ست الملك» وتولى الحكم وعمره في الحادية عشرة وأدارت امور الدولة مع اخيها ومستشاريه فحكم مصر والشام وبلاد المغرب الكبرى وكان الحاكم بأمر الله مُحبّاً للعلم فقرب منه العلماء والادباء ليتفقه بعلومهم.. وبنى مرصدا يرى فيه الكواكب والنجوم في حلوان وكان متقلبا في سلوكه.. نهى عن بعض الاطعمة والاشربة.. مثل الملوخية وشراب «الفقاع» من الشعير.. دُسّت إليه رقعة فيها شكٌ بنسبه الفاطمي:
إنا سمعنا نسباً منكراً
يُتلى على المنبر في الجامع
إن كنتَ فيما قلته صادقاً
فانسب لنا نفسك كالطائع
فإن أنساب بني هاشم
يقصد عنها طمع الطامع
فأمر عبيده وجنده بحرق القاهرة وتخريب أحيائها ونهب المنازل والاسواق وهدم الكنائس والاديرة وسبي النساء.
واستمر في تخبطه وجنونه، وعجزت اخته عن ان تهديه الى الرشد حتى هدد بضياع الخلافة وأهان أخته اذ طعن في شرفها، ودبرت ست الملك أمر اغتياله مع بعض المستشارين ورجال الدين وتم قتله في مرصده بحلوان، وكان يقضي الليل بترصد الكواكب والنجوم حتى يصلي فيه الفجر، هكذا قتلت ست الملك أخاها الحاكم بأمر الله وعينت ابنه علي حاكماً على مصر والشام وبلاد المغرب.
وصارت هي حاكمة الدولة الفاطمية من وراء حجاب ووزعت الاموال وأصلحت من شؤون الدولة بما افسده اخوها الحاكم بأمر الله، وازدهرت مصر بقاهرتها (العاصمة) ومدنها وقراها وأدارت الدولة مدة اربع سنوات حتى اصابها مرض في معدتها فماتت منه.. وكان لديها 4000 جارية، وثلاثون زيْرا من (اللازود) الصيني وهو من اغلى العطور في العالم.. وكانت تمتلك خزائن مصر الغنية، ومصر مازالت اغنى دول الشرق إن اُحسن تدبيرها.

عبدالله خلف

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.