محمد الدلال: جاسم القطامي.. حوار من وحي الخيال

رحم الله العم بومحمد.. جاسم القطامي، فقد أتعب من بعده بتاريخه المملوء بالكرامة والكرم والعمل الدؤوب والجهد المتفاني في الدفاع عن الديموقراطية والحريات وحقوق الانسان.

وقد تملكتني الرغبة بالكتابة عن العم جاسم، فلم أجد افضل من حوار مفترض من وحي الخيال استلهم من تاريخه الوطني اجابات نحن بأمس الحاجة اليها في واقعنا المعاصر، فهو عروبي النزعة.. كويتي الهوى.. عاشق للحرية والكرامة.. مؤثر للمصلحة العامة على الخاصة، رحمه الله.

س: يا عم جاسم كيف ترى الربيع العربي؟

العم جاسم: انها نهضة طال انتظارها، تحررت الشعوب العربية من خوفها وسعت الى صياغة نظامها بنفسها من أجل الحرية والكرامة والعزة والديموقراطية.

س: لكن يا عم جاسم سيطر الاسلاميون على مشهد الربيع العربي، ويخشى من أجنداتهم الخفية لوأد الديموقراطية؟

العم جاسم: لا يا ابني.. الشعوب أكبر من أي فصيل او تيار لا يحترم ارادة الشعوب، والاسلاميون تيار من تيارات المجتمع اختارته الشعوب بالديموقراطية.. فإن نجح في التمسك بالديموقراطية ومبادئ حقوق الانسان واحترام حريات المواطنين، وسعى للتنمية فستكون الشعوب داعمة ومؤيدة له، وان خالف ذلك فالويل من عقاب الشعوب.. لا تخف يا ابني، فالشعوب العربية تواقة الى الحرية وعرفت طريقها الى الثورة.

س: كيف ترى المشهد الكويتي يا عم بومحمد؟

العم جاسم: بقدر ما يعتصرني الألم من حالة الانحدار في الوضع السياسي بالكويت من صراعات أفراد الاسرة والتنافس من اجل مصالحها، لا من اجل مصلحة الشعب الكويتي.. وتيارات سياسية متفرقة تقوقعت على نفسها وانشغلت بخلافاتها وتراجعت عن الدور الريادي في قيادة الاصلاح.. وكذلك تنمية معطلة، ولكن في المقابل هناك أمل جميل.. هناك همم وطاقات متحمسة للبناء، وحراك شبابي واعد يريد ان يخرج من عباءة هذا الوضع القاتم الى رحاب الاصلاح والتجديد والتغيير، ورفض الواقع السيئ برؤى وتصورات لمستقبل أفضل.. وكم أنا سعيد بما يمتلكه هؤلاء الشباب من قيم الكرامة والعزة، والتي تعلمت في تاريخي الطويل أنها أمضى سلاح لمواجهة تحديات التغيير والاصلاح.

س: يا عم صدر حكم من المحكمة الدستورية بابطال مجلس 2012، وعودة مجلس 2009، فما رأيك في هذا التطور المهم؟

العم جاسم: عليكم بتحري الحق اينما كان مصدره، والدستور يرشدنا الى احترام احكام القضاء، فليس من قيمنا التعرض بالاساءة للقضاء، اما عن مجلس 2009، فهو مجلس انتهى تاريخيا وعمليا، وبقاؤه مكلف على الكويت وشعبها.

س: يا عم جاسم ألم تلحظ تدني لغة الخطاب السياسي في واقعنا الحالي.. كتجريح الغير والغاء الآخر والتخوين وعدم تقبل الرأي المخالف؟

العم جاسم: يا ابني، الكويت شهدت اخيرا تراجعا كبيرا في عدد من القيم.. فالحريات منتهكة والفساد مستشر.. والقانون فقد هيبته بعدم التطبيق.. والواسطة أصبحت واقعا مؤسفا على حساب العدالة وتكافؤ الفرص.. والدولة يا ابني تعيش مرحلة الضعف والمرض، وهذا ادى الى اعراض خطيرة، ابرزها تراجع لغة الخطاب لدى كثير من السياسيين، بل حتى عند فئات كبيرة في المجتمع، وعلى الجميع ان يعي ان تدني لغة الخطاب يعني تراجع قيم الحضارة والانسانية، وان من شأن استمرارها انفلات اواصر الاتفاق والتوافق والوحدة في المجتمع، وانا لا احمل طرفا ما وحده المسؤولية عن هذا الانحدار. ولكني ارى ان السلطة تتحمل الجزء الاكبر، لأنها تجاهلت تطبيق القانون وانجرف بعض أفرادها في الفوضى، كما احمّل التيارات السياسية والشخصيات العامة والنخب في المجتمع مسؤولية التقاعس عن ايقاف هذا الانحدار الكبير.. يا ابني نحن بحاجة الى مشروع انتشال قيمي اجتماعي نعيد للكويت رونقها وحضارتها، وهو امر ليس بصعب اذا حسنت النوايا، وتخلى البعض عن أنانيته بتقديم مصلحة الوطن على مصالحه الخاصة.

س: هل يا عم بومحمد تقترح علينا افكارا او مقترحات لاصلاح اوضاعنا؟

العم جاسم: سبق أن ذكرت في مقابلة مع جريدة القبس بعض المقترحات، وأجد من المناسب ذكرها في هذه الاحوال، «.. فهذا رأيي حتى قبل أن يكون هناك برلمان ودستور، وأقول لك باختصار.. ضرورة اشهار الاحزاب السياسية والتكتلات، وان تتقدم للانتخابات بقوائم من ضمنها المرأة، والأغلبية البرلمانية تشكل الحكومة، وبالتالي يكون رئيس الوزراء مستندا إلى الأغلبية البرلمانية، كما ارى الغاء احتكار وزارات السيادة، وتعديل قانون المحكمة الدستورية بحيث يسمح للأفراد بالتقدم أمامها مباشرة.. ولا بد ان يكون هناك منهج واضح للاصلاح، ويكون هناك فصل حقيقي بين السلطات، وان يكون هناك تطور طبيعي لاندماج أفراد الأسرة الحاكمة في العملية السياسية بجميع مراحلها، باعتبارهم مواطنين كويتيين في المقام الأول.. ». (مقابلة صحفية سابقة اجراها الأستاذ محمود حربي مع العم جاسم – جريدة القبس – عام 2005).

س: ويا عم ماذا عن حقوق الانسان؟

العم جاسم: لقد وجدت راحة كبرى في العمل بمجال حقوق الانسان، وهو مجال انساني مهم، ومطلوب من الجميع أن يساهم في تدعيم مبادئ حقوق الانسان، وتعزيز الحريات العامة، وعلى الجميع ان يعي ان تقدمنا ومراعاتنا للحريات وحقوق الانسان تضع الكويت في مصاف الدول المتقدمة، ويجب ان نعمل لتحقيق ذلك.

س: يا عم هل من كلمة اخيرة؟

العم جاسم: الكويت امانة في أعناق الجميع، وهذه الامانة تتطلب الحفظ والصون.. فأوصيكم برعاية الكويت حق الرعاية.. واعلموا أنه لا يتم حفظ وكفالة الامانة الا من قلوب مخلصة للبلد.. قلوب يا ابني مملوءة بالانسانية والكرامة.. ضمائر لا تقبل المهادنة او الاغراءات ولا تخاف من قول الحق والدفاع عنه..

يا ابني الامانة تتطلب ان نوحد صفوفنا وننسى خلافاتنا، فالتحديات حول الكويت كبيرة وعلينا ان نكون بمستوى تلك التحديات، والديموقراطية شجرة مباركة اثمرت واينعت بتضحيات وعطاء الاجداد والآباء وانتقلت اليكم، فارعوها بما ينميها ويثمرها استقرارا وازدهارا وانزعوا عنها الشوك الضار، وانا على يقين بان الكويت لن تخلو في اي مرحلة من رواد الديموقراطية والحرية والتقدم.

.. ختاما، رحم الله العم جاسم القطامي، فقد كانت حياته مدرسة في الوطنية والانسانية والكرامة والكرم والعمل لمصلحة الوطن.. ومن البر أن ندعو لامواتنا بالرحمة والمغفرة، فاللهم ارحم العم جاسم القطامي برحمتك الواسعة واجزه عن اهل الكويت خيرا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

المحامي محمد حسين الدلال
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.