حسن كرم: اليمن نهاية أزمة أم بداية لأزمة كبرى

على الرغم مما يخامرني بعض الشكوك من ان وحدة اليمنين والتي تمت في مايو (1990) قبل الغزو العراقي للكويت بشهرين تمخضت عن نتائج مؤامرة ثلاثية كان محورها بغداد صنعاء عمان وهو ما وافقني عليه المهندس حيدر أبوبكر العطاس أول وآخر رئيس للوزراء في دولة الوحدة عندما التقيته في اثناء زيارته الاخيرة للكويت، الا ان الثابت تاريخيا ان المبادرة الوحدوية انطلقت من عدن، عندما حمل علي سالم البيض الرجل القومي الوحدوي العروبي المؤمن بالوحدة العربية حتى العظم مشروع الوحدة الى صنعاء، ورغم ان الوحدة كانت قرارا سلطويا فوقيا، الا انها قد حظيت بمباركة شعبية لاسيما من الجنوبيين، وعليه فالجنوبيون لا يتحملون النكوص بالوحدة ولا اوزار حرب (1994) وانما النكوص والحرب جاءت من صنعاء وتحديدا من علي عبدالله صالح، لذلك فعندما دعا الجنوبيون الى فك الوحدة بعد الحرب الدامية ولان صنعاء لم تلتزم بالعقد فتجاهلت الجنوبيين وحصر علي عبدالله صالح القرار بنفسه وبالزمرة المحيطة به.
وعلى الرغم من ان الجنوبيين لم يهدؤوا او يستكينوا منذ حرب (94) والدعوة للانفصال وفك الارتباط وعلى الرغم من أنه لا يمر يوم الا وسقط شهيد من شباب الجنوب على مذبحة النضال والتحرير، وعلى الرغم من ان الرئيس اليمني التوافقي عبدربه منصور هادي على اطلاع بكل تفاصيل الاحداث وعلى الرغم من جذوره التي تنتمي للجنوب الا انه نسي أو تناسى كل ذلك، واصفا المطالبين بفك الارتباط من ابناء الجنوب بالمتاجرين بالقضية الجنوبية، ترضية لاصحاب المصالح والنفوذ في الداخل وفي الخارج متجاهلا دماء الجنوبيين التي تنزف يوميا على مذبحة وطن مفقود..!!
ان المؤامرة التي جرت الجنوب لخديعة الوحدة هي مازالت مستمرة وان تغيرت شخوص المتآمرين فالجنوب ليس اسما لمكان او لدولة وحسب وانما الجنوب موقع استراتيجي يطل على ثلاثة بحار مفتوحة والجنوب نفط ومساحة شاسعة والجنوب ثروة بحرية غنية والجنوب ميناء من اخطر الموانئ العالمية، ان من يسيطر على الجنوب يسيطر على كل المنطقة المجاورة والمقابلة من افريقيا الى الجزيرة العربية فالعراق.. الخ، ولعل اخطر ما تعرضت له الدولة الجنوبية ما بعد حرب (94) تنازل علي عبدالله صالح عن مساحات شاسعة من الاراضي بذريعة حل مشاكل الحدود(!!) لذلك فالجنوب بات مركزا لمصالح اطراف متعددة التي ترفض فك الارتباط وحق تقرير المصير وازاء ذلك فقد باتت صنعاء عاجزة عن تحديد قرارها الوطني وانما تأتيها القرارات من الخارج وتفرض عليها..!!
فتفكيك اليمن الى اقاليم والمتداول حاليا هو قرار سياسي هدفه ضياع معالم دولة الجنوب وخلط الاوراق وضياع حدودها الاقليمية، ولعل المؤامرة لن تفلح في ظل يقظة وتماسك الجنوبيين بحقهم!!
لذلك، فتفكيك اليمن الى اقليمين او عدة اقاليم لا يفضي الى الحل ولا الى الاستقرار بقدر ما تبقى القضية الجنوبية جمرا تحت الرماد الامر الذي قد يفضي الى استمرارية الازمة بل الى تصعيبها اكثر، وقد تفضي الى تعقيدات خارجية، فاذا كان الجنوب اليوم ضعيفا لكونه منزوع السلاح ولكن ما هو ضمان الا يتحول الحراك السلمي الى مقاومة مسلحة والى المزيد من التعقيدات واللااستقرار لليمن..؟!!
لقد كان خطأ زج القضية الجنوبية بمحاور مؤتمر الحوار الوطني اليمني، والخطأ الأكبر مشاركة لفيف من الجنوبيين في المؤتمر، والآن يبدو قد يخرج هؤلاء من المولد بلا حمص، وكان الاجدر لو لم يشاركوا في المؤتمر حتى لا تسجل عليهم سابقة سياسية.
باختتام جلسات مؤتمر الحوار قد يتصور البعض ان اليمن قد حل المؤتمر مشاكله بفضل الساحر الدولي جمال بن عمر والواقع ان اليمن يخرج من ازمة اصغر ليغرق في ازمة اكبر!!

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.