تشير العصبية القبلية إلى الموالاة التامة للقبيلة دون اعتبار لمتطلبات الوحدة الوطنية أو الواجبات والمسؤوليات الوطنية. فالتعصب القبلي هو بشكل أو بآخر رفض واضح للإيفاء بمتطلبات العيش السلمي في مجتمع مدني منظم يحوي أعراقاً ومذاهب متنوعة من الناس. وما يرتكز على التعصب والتطرف في الموالاة لمجموعة عرقية أو مذهبية أو قبلية أو مناطقية يناقض السلم المجتمعي ويأتي عكس توقعات المواطنة الصالحة في مجتمع وطني متماسك. بل ان العصبية القبلية كارثية النتائج وبخاصة في عالمنا المعاصر, فتجاربنا الانسانية هي بشكل أو بآخر خليط متنوع من الخبرات الحياتية المختلفة, فلا نستقيها من مصدر واحد “التجربة القبلية” ولكن نستقي خبراتنا اليومية مما يحدث لنا من تجارب إنسانية نتشارك فيها مع أبناء الوطن الآخرين. فالمواطنة الصالحة والوحدة الوطنية والولاء والانتماء الوطني تمثل أطراً عامة إيجابية يتفق عليها أغلبية أعضاء المجتمع, فهي ليست تجارب قبلية أو مذهبية أو ثقافية منفردة. العصبية القبلية نتائجها كارثية لأنها تسير عكس تيار التطورات الاجتماعية الايجابية والتي تؤدي إلى تكوين مجتمع الوحدة الوطنية الذي يستند على المساواة في المواطنة وعلى العدالة الاجتماعية وعلى تشارك جميع أعضاء المجتمع بمسؤوليات وبواجبات وحقوق وطنية واضحة.
لم تحل العصبية القبلية في مجتمع إلا حطمته وحولته إلى بؤر تنازع بين أعراق وقبائل وثقافات محلية مختلفة. فالمتعصب القبلي يسعى فقط لإعلاء شأن قبيلته أو ثقافته القبلية على حساب الآخرين من أبناء وطنه. وإذا تحول المجتمع إلى بؤر تنازع قبلي سينفرط نسيجه الاجتماعي, وستضعف علاقاته الاجتماعية البناءة, بل ستؤدي العصبية القبلية إلى تحطيم آمال وتطلعات أبناء القبيلة أنفسهم وتمنعهم من المشاركة الايجابية مع أبناء وطنهم الآخرين في نفس التطلعات والآمال الوطنية المشتركة.
الشجاعة الحقيقية هي أن تستمر متسامحاً في بيئة يكثر فيها التطرف والتعصب والإقصائية, ولذلك فمن يكافح العصبية القبلية وينادي بتكريس الوحدة الوطنية والانتماء الوطني ويحاول تقوية الحس الوطني في قلوب وعقول مواطنيه الآخرين هو الرجل الشجاع. أنا كفرد حر ومستقل ولدت في وطني, ونشأت وتربيت على مبادئه وثوابته الوطنية, واكتسبت خبراتي الإنسانية المختلفة نتيجة مشاركتي الإيجابية في الإيفاء بواجباتي ومسؤولياتي الوطنية مع أبناء وطني الآخرين المختلفين عني عرقياً ودينياً ومذهبياً ومناطقياً, والمشابهين لي في هويتهم الوطنية, فكيف أسمح للعصبية القبلية أن تخطف كل ما هو ثمين وإيجابي ومتسامح في حياتي اليومية?
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق