جريدة الشرق الاوسط: لماذا يشعر المبدعون الكويتيون بالإحباط

يا إلهي! يبدو الكويتيون بالفعل في حالة من الإحباط. هذه هي الفكرة التي تذهل أي قارئ بعد أن يمضي أياما مع مقتطفات من القصص القصيرة والروايات الكويتية، التي نشرتها مجلة «بانيبال»، مجلة الأدب العربي بالإنجليزية، في عددها الـ47.

على السطح، بالطبع، ثمة سبب يدفع الكويتيين للشعور بالإحباط.

تتمتع الدولة بقدر من الحرية السياسية يفوق الكثير من الدول الأخرى في المنطقة وتقدم لمواطنيها نظام رفاهية شامل نسبيا.

غير أن الأدب القصصي الحالي في الكويت يجسد مجتمعا يتمتع بقدر ضئيل من البهجة، على الأقل.

في ظل هذا الأدب القصصي، يبدو أن الكويتيين يشبعون شهيتهم ولكنهم لا يشعرون بالرضا، يملكون المال ولكن ليسوا أثرياء أحرار ولكن يتمتعون بحريات محدودة.

هنا كل شيء يتخذ حالة «تقريبا» الكوب يقترب من الشفاه ولكنه لا يصل إليها تماما.

الكثير من الشخصيات لا تشعر بالحرية في الكشف عن ذاتها الداخلية إلى أن تخرج من الكويت. إنهم بدويون حديثون، يهاجرون مع المواسم.

خذ على سبيل المثال بطلة قصة فاطمة يوسف علي القصيرة «العودة من شهر عسل» التي تحكي قصة مجموعة من الشابات الكويتيات اللائي يزرن القاهرة حيث يتنقلن بحرية في المدينة من دون الأعين المراقبة من قبل الأقارب والجيران.

ولكن حتى في ذلك الحين، تشعر البطلة بسعادة حقيقية فقط عندما ينتهي بها الحال للنوم وحيدة والحلم باللحاق برحلة بالطائرة إلى وجهة غير معلومة.

أو خذ مثال البطلة بثينة العيسى في رواية «صدام صامت».

يتعين عليها الذهاب إلى مدينة سويدية بعيدة لمقابلة «غجري بدوي» يسألها عن حال الكويت.

ويكون هذا هو الجواب: «تسألني: كيف حال الكويت؟ كما لو أنك تسأل عن صديقة قطعت الاتصال بها.

قد تسأل: هل تزوجت؟ هل تزوجت أم ما زالت عزباء أم تعيش قصة حب؟ هل تستقبل الخطباء غير الملائمين كما هو الحال دائما؟ ما الذي ستفعله لمواجهة هذا الإثم؟ هل تهينك وتحبك في آن واحد؟ هل تذهب إلى الأمكان وكل مكان في الوقت نفسه؟ ربما ظلت بشخصيتها، ساحرة ولكن مستحيلة. كيف حال عزيزتي الكويت؟».

أما شخصية «طيبة» البطلة التي لا تتوفر فيها الصفات التقليدية للبطلة في «كحل أسود قلب أبيض» لمنى الشمري فهي في حالة اغتراب مزدوج.

فعلى الرغم من أنها ما زالت طفلة، فإنه «تم جلبها من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية لتكون زوجة (لعبة) لسليل أسرة ثرية بدين يعاني من تخلف عقلي يعتبر أقاربه هذه الفتاة الشابة بمثابة علاج سحري لحالته.

تنجح الشمري في خلق مناخ من القمع والرعب يعيد إلى الأذهان أفضل ما في أدب الجريمة (القوي). وفي ظل ذلك المناخ لا يشعر أحد بالسعادة نظرا لأنه حتى المستبدين في الأسرة مقموعون من التقاليد والخرافات والتعصب».

إن عددا قليلا من الشخصيات في الأدب الكويت الحالي يتمثل في أجانب يعملون في الدولة.

البعض، على غرار المعلم المصري في رواية طالب الرفاعي «مرحبا بكم في شركة أبو عجاج للبناء» الذي شغف بخرافة الكويت كمكان أسطوري، وكان شعاره هو: «الكويت والبترول والمال والعمل!».

ومع ذلك، فسرعان ما وقع ضحية للبيروقراطية والممارسات القاسية وصور الخداع من كل نوع وعزلة تنخر في روحه.

كذلك، أذهلته حقيقة أنه قلما يلتقي كويتيين من السكان الأصليين. يحادث المهاجر المصري نفسه قائلا: «ربما كنت في الهند، وليس الكويت». وحول ما يصفه بـ«محنة النفي المريرة»، يخلق الرفاعي حالة تتداخل فيه لحظات الكوميديا السوداء مع خطاب الإحباط الذي أفرزه التحرر من الوهم.

يترك منفيون آخرون، أمثال البطل العراقي في رواية إسماعيل فهد إسماعيل «حدث بالأمس»، الكويت للعودة للوطن بحثا عن طفولتهم الضائعة وشبابهم المفقود.

في هذه الحالة، ينجح المنفي العائد في العثور على ضاحيته القديمة التي تحمل عن جدارة اسم «باب الهوى» في البصرة على طول شط العرب لينتهي به الحال إلى أن يلقى مصرعه جراء طلقة من مدفع رشاش على جبهته.

وبعد رحيله من الكويت للفرار من حالة الإحباط التي تعتريه، كان مصدر بهجته الوحيد هو لحظة قصيرة يسمع فيها أصوات نقيق الضفادع. ويشير بقدر من الاعتزاز إلى عدم وجود ضفادع في الكويت.

إن «النثر الثري لإسماعيل وبراعته في استخدام الأساليب غير المباشرة في الكتابة الأدبية تمكنه من المقاربة بين قصة بطله وقصة العراق كسلسلة مكتملة من المشاهد التي تعود بالأحداث لوقت سابق وتلك التي تتطلع للمستقبل».

يتناول حميدي حمود أيضا موضوع النفي في قصته القصيرة «لاجئ»، المكتوبة بإيجاز تقرير شرطة.

اللاجئ محور القصة هو كاتب ينظر لحياته، بكل آماله وطموحاته، وكأنها اختزلت في ملف على مكتب محقق ينبغي أن يتخذ قرارا بشأن طلبه الحصول على حق اللجوء السياسي أو حتى «تحويلي إلى مجرم».

في قصة سليمان الشطي القصيرة: «صوت من الظلام»، تتحطم الصورة البطولية، التي رسمها برغوازي لنفسه مع اتصال شخص ما بهاتفه ليلا طالبا النجدة.

تأتي لحظة الحقيقة بشأن جبنه بعد مناجاة في حلم يرى نفسه فيه يلقي خطابا عن الحاجة للعودة إلى فضائل الصحراء.

«كانت الصحراء خاوية إلا من صوت الإنسان الذي ملء مساحتها بأنبل الأفكار: وجد تقييم المحتاجين والصداقة الحميمة والكرامة، بل وحتى التضامن الاجتماعي، مكانا لا يمكن إنكاره على قائمتنا».

ومع ذلك، فإن هذا هو الماضي.

فماذا عن الحاضر؟ الحاضر يتعلق بالخوف من التعرض للسطو أو حتى القتل؛ من الأفضل للمرء أن يعزل نفسه، أملا في أن يأتي الآخرون لمساعدة الشخص الذي يطلب النجدة.

أثناء نومه، يستمر البطل الذي لا تتوفر فيه الصفات التقليدية للبطل في الصراخ قائلا: «أيقظوهم، أيقظوهم!».

وفي «حب من أول مكالمة» لسليمان الخليفي، تعتقد الشخصيتان المحوريتان أنهما قد وقعا في حب بعضهما البعض من خلال سلسلة من المحادثات الهاتفية. ولأنهما لم يلتقيا وجها لوجه، فإن كلا منهما يرسم صورة مثالية للآخر.

في النهاية، يتفقان على أن يلتقيا بالقيادة حتى الوصول إلى موقع معين. ومن دون علمهما، يتورطان في مشهد عنف في القيادة، يقود بطريقة شبه متعمدة لقتل الآخر.

ونظرا لصعوبة التقاء الرجال والنساء الذين لا تربطهم علاقة زواج في الأماكن العامة في الكويت، يبدو أن العلاقات العاطفية الهاتفية شائعة.

في «سجين المرايا» لسعود السنوسي، وهي رواية كاملة عن التجربة الرهيبة للكويت خلال الغزو العراقي والاحتلال في الفترة 1990 – 1991، يغرم البطلان ببعضهما بعضا من خلال سلسلة من المكالمات الهاتفية. يتساءل البطل، ويدعى عبد العزيز، وهو ابن مقاتل مقاوم نال الشهادة، قائلا: «هل وقعت في حب صوتك؟ شعرت بحافز غريب يدفعني للاستماع إليه».

السقوط عند أول صوت أمر شبه مفهوم. يصبح جسرا يصل بين شخصين يبحثان عن الحب. وفي هذه الحالة، ينتهي الحال باثنين من المحبين عبر الهاتف للالتقاء واكتشاف أن والديهما كانا رفيقين في المقاومة ضد «الضباع» العراقية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حتى الحب لا يمكن أن ينقذ البطل من إحباطه. حياته عبارة عن قصة خسائر متكررة الأب والأم والدولة. وحتى عندما استردت الكويت، لم تعد الأمور مطلقا مثلما كانت من قبل.

يتساءل عبد العزيز، وهو يجلس في مطعم، عما إذا كان موت أبيه لم يذهب سدى، إذ «اختفى الأبطال كالأفيال المنقرضة والديناصورات».

ويرى أنه «حتى مع أن السواد الأعظم من الناس هناك كانوا في نفس عمري، فلم تجمعنا أي صفات مشتركة.

فمع وجود شباب يرتدون ملابس على أحدث صيحات الموضة وفتيات يعتمدن مساحيق تجميل بشكل مفرط، بدا المطعم كله أشبه بممشى عرض أزياء، وطغت رائحة العطور على رائحة الطعام».

وفي سياق مثل هذا، يصبح الحب مستحيلا.

وفي رواية «سلم النهار»، أظهرت فوزية شويش السالم أيضا استحالة الحب من خلال كسر الكثير من المحاذير في الرواية العربية قدر استطاعتها. واستخدمت السالم مجموعة من الكليشيهات الغربية، مثل وضع وشاح أحمر حول خصر المرأة، واستخدام موسيقى الفلامنكو، واللجوء إلى شكل من أشكال التعري يبدأ بالتخلي عن الحجاب، لترسم صورة مثيرة تذكرنا بأفضل مشاهد الغرام في ألف ليلة وليلة.

وتعمل البطلة على «انتزاع الحب من العصر الذي تعيش فيه، ومن أعين والديها ومن حكم القبيلة؛ ذلك الحب الذي تقف فيه السعادة في مواجهة الخطر».

وتعد رواية «حذاء أسود على الرصيف» للكاتبة باسمة العنزي بمثابة هجاء معاصر للافتتان الكويتي بكل ما هو غربي. وتشير العنزي إلى أن الكويت، التي يصل عدد سكانها إلى نصف مليون نسمة، بها أكثر من 20,000 حاصل على شهادة الدكتوراه، وهو رقم قياسي عالمي على الأرجح. فايز، بطل الرواية، هو خبير استراتيجي في مجال الأعمال ومتخصص في «تقليص العمالة». إنه يلقي خطبا رنانة حول حاجة العرب لخلق 50 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 حتى يتم الحفاظ على معدل البطالة الحالي.

ويتنقل فايز من مكان إلى آخر باستمرار، ونادرا ما يقيم في أي دولة لأكثر من أسبوع.

ويمتلئ عالم الدكتور، كما تطلق عليه العنزي، بالعلامات التجارية الفاخرة والمثيرة للإعجاب.

وهو يتفاخر بساعته الـ«رولكس»، «لأن أي رجل لا يستطيع امتلاك ساعة (رولكس) حتى الـ50 من عمره، فهذا يعني أنه شخص فاشل!».

وعلى الرغم من أن الحياة الخاصة للدكتور تمتلئ بالرفاهية، فإن حياته العامة مليئة بالوحدة والدمار، وملوثة بأكوام من القمامة.

وترسم العنزي مجموعة رائعة من الشخصيات على خلفية من المؤامرات الإدارية والعلاقات غير الشرعية والمشكلات، ومن بين الشخصيات التي لا تنسى توجد شخصية أبو طارق الذي يحاول ألا يفقد إنسانيته عن طريق تربية خيول السباق.

وكان الافتتان بالغرب أيضا هو موضوع رواية «غيوم تحت وتر» لعلي حسين الفيلكاوي.

الراوي يعمل وكيل سفريات، ولكنه يزور كل ركن من أركان المعمورة من خلال قصص الرحلات والكتيبات والأفلام الوثائقية.

لكن عزلته تنتهي عندما يرافق كدليل مجموعة من السائحين الكويتيين في رحلة إلى باريس والريفيرا الفرنسية.

ولا يهتم السائحون بأشياء أكثر من المشروبات الغريبة والجنس والتسوق والنميمة، ويتم الحكم على معظم الأشياء من خلال أسعارها، وقبل نهاية الرحلة، يقدم الراوي قائمة بأسعار الأشياء التي اشترتها المجموعة قبل عودته إلى وطنه.

ومثله مثل بعض الكتاب في هذه المقتطفات الأدبية المختارة، نجد أن الفيلكاوي قد تأثر كثيرا بأنماط النثر الأميركية، وهو ما يقوي ويعزز موضوع التغريب.

وتعد ليلى العثمان أحد الكتاب القلائل في هذه المقتطفات الأدبية المختارة الذين يرون الحياة التقليدية على أنها ما زالت حيوية للحفاظ على الحبكة الدرامية للعمل الأدبي.

وفي روايتها «عباءة الكاظم»، أصبحت عباءة الصوف التقليدية رمزا لتلاشي نمط الحياة العربي. وتحول ما بدأ على أنه قصة حب تقليدية إلى انعكاس لعلاقة الشخص بالماضي.

وتقوم بطلة الرواية بزيارة ضريح الإمام الشيعي موسى الكاظم في بغداد، وعندما طلب منها الحارس ارتداء العباءة قبل الدخول، ردت قائلة «أنا أكره العباءات، ولم أرتدها من قبل. ولكنه سحب عباءة من كوم من الملابس الموضوعة في صندوق قديم وطلب مني أن أقوم بارتدائها، وبالفعل قمت بارتدائها وأنا مشمئزة، فقد كانت رثة، وكانت أطرافها تكتسي باللون الأخضر نتيجة لقدمها وللاستخدام المتكرر، وكانت تنبعث منها رائحة كريهة».

وتتميز الرواية بالتشويق حتى النهاية، حيث تصور الرواية الاختيار الواضح للعرب: فإما الانغماس في الماضي أو طيه في بحر النسيان.

وبينما يتعامل معظم الكتاب في هذه المقتطفات الأدبية المختارة مع مواجهة العرب للغرب، تركز ثريا البقصمي على المواجهة مع الشرق في شكل الاتحاد السوفياتي المنحل الآن.

وفي روايتها «زمن المزمار الأحمر»، تأخذنا البقصمي إلى عدد من الطلاب العرب في العاصمة السوفياتية.

وتلقي الضوء على كيفية قيام الشباب العرب، على الرغم من مواقفهم اليسارية، بجلب الممارسات التقليدية والأفكار المسبقة معهم لقلب الإمبراطورية السوفياتية.

وتجد إحدى شخصيات الرواية، وهي عائشة، نفسها ضحية للابتزاز من قبل زوجها، حيث تقول البقصمي في الرواية: «كانت عائشة ضحية لتراثها الممتد على مدى قرون؛ امرأة تسحق في كل لحظة، من قبل رجل كان سعيدا بركوب جواد المروءة».

وضع المرأة، ومعاناة «البدون» أو الكويتيين الذين يحرمون من المواطنة، والانبهار بالبذخ المادي للغرب، والاغتراب كتهديد وكمصدر للراحة على حد سواء، والضغط الفصامي من الماضي والصراع الدائم مع الحاضر، كل هذا يقدم الموضوعات الرئيسة للخيال الكويتي في الوقت الراهن.

وبعيدا عن هذه الخلفية القاتمة، تمنحنا القصص القصيرة للكاتب وليد الرجيب بعض الراحة الهزلية، ولا سيما روايته «صباح يوم عادي»، كما يمكنا الاستمتاع أيضا بـ«القصص القصيرة» أو الكاريكاتير اللفظي، الذي يشبه رسائل «تويتر» في حجمه، للكاتب يوسف خليفة، كما في قوله: «بعد 20 عاما كزوجة وأم لخمسة أطفال، نظر إليها رجل من بعيد وابتسم، وتذكرت أنها كانت امرأة».

ولكن دعونا ننهي هذه المقالة بالعودة إلى باسمة العنزي التي أعلنت عن حبها للكويت قائلة: «الحب الذي يجعلك تحب شيئا أكثر من أي شيء آخر، ليس لأنه الأكثر جمالا، ولكن لأنك تحبه فهذا يجعله جميلا».

حسنا، يمكن لهذه المختارات الأدبية أن تجعلنا نحب الكويت القديمة – الجديدة، على الرغم من جميع عيوبها

جريدة الشرق الاوسط – السعودية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.